صفحة الكاتب : يحيى غالي ياسين

أساليب قرآنية في المُحاجّة
يحيى غالي ياسين

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

المُحاجّات القرآنية في إثبات الحق كثيرة ومتنوعة ، والتنوع هذا تارة يكون بتنوع الآخر ( مشركون - كافرون - منافقون .. ) أو بتنوع الموضوع ( عقائد - أحكام - مواضيع اجتماعية أو علمية او تاريخية .. الخ ) ..

وحريٌ بنا ان نتعلّم من القرآن أساليب المُحاجّة وطرقها ، وهذا ما نريد أن نتطرق له في هذا المقال أو البحث إن شاء الله تعالى وبشكل سريع ومقتضب :

فمن الأساليب القرآنية مثلا ً :

الأسلوب الأول : إلزام الآخر بما ألزم به نفسه

وهذا أسلوب قرآني وعقلي بإمتياز وهو من أولى خطوات محاججة الآخر وإفحامه ، لأنه هو الذي أقام الحجة على نفسه وما على المحاجِج الّا أن يذكّره بأنّ فعله على خلاف قوله أو قوله على خلاف معتقده وهكذا ..

فتراه يُحجم عن عمل يطابق قوله ( قُلْ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ هَادُوا إِن زَعَمْتُمْ أَنَّكُمْ أَوْلِيَاءُ لِلَّهِ مِن دُونِ النَّاسِ فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ ) ، ( أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ ۖ قُلْ فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِّثْلِهِ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُم مِّن دُونِ اللَّهِ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ ) .. ( أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ فَلْيَأْتُوا بِشُرَكَائِهِمْ إِن كَانُوا صَادِقِينَ ) ..

الأسلوب الثاني : مطالبته بالدليل

أحيانا كثيرة لا يكون لدى الآخر أي دليل على فعله أو قوله أو معتقده ، فمطالبته بالدليل قاصمة له ومحرجة ( أَمِ اتَّخَذُوا مِن دُونِهِ آلِهَةً ۖ قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ ۖ هَٰذَا ذِكْرُ مَن مَّعِيَ وَذِكْرُ مَن قَبْلِي ۗ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ الْحَقَّ ۖ فَهُم مُّعْرِضُونَ ) .. ( وَقَالُوا لَن يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلَّا مَن كَانَ هُودًا أَوْ نَصَارَىٰ ۗ تِلْكَ أَمَانِيُّهُمْ ۗ قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ ) ..

الأسلوب الثالث : إبطال دليل الآخر

فالمُقابِل أحياناً يكون خلافه معك نابع عن دليل معين قد تمسّك به ولم يكن جزافاً أو عناداً سذجةً منه ، وتمسكه بما يؤدي إليه دليله يُعتبر خصلة إيجابية بحدّ ذاته لا يمكنك ردعه عنها ، نعم عليك أولاً أن تُبطل الدليل لتبطل النتيجة بالتبع كطريقة ناجعة في إقناعه ، وهو أسلوب قرآني ويقرّ به العقل والمنطق ، ( وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ ۗ لِّسَانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهَٰذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُّبِينٌ ) ، ( وَضَرَبَ لَنَا مَثَلًا وَنَسِيَ خَلْقَهُ ۖ قَالَ مَن يُحْيِي الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ ،قُلْ يُحْيِيهَا الذي أَنشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ ۖ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ ) ..

الأسلوب الرابع : توفير الدليل

قد يكون الآخر ليس لديه إلتزام معين بفكرة ولا عقيدة ولكنه بنفس الوقت لا يقبل فكرتك وعقيدتك بدون دليل ، فهذا اذن ليس لديه دليل كي تلزمه به أو تبطله له وكذلك أنه لم يلتزم بشيء حتى تطالبه بدليل وإنما هو هكذا لا يعتقد ولا يريد أن يعتقد جزافا ..!!

فهذا ما عليك إلا أن توفّر له الدليل وتعطيه الفكرة والعقيدة مع حجّتها التي تبهره وتجبره بها ، وهذا في الواقع التزام سماوي للبشر ، فإن الاديان جاءت ومعها حججها الدامغة ولم تطلب من الناس الإيمان بدون دليل اطلاقا ، وهذا النوع تجده أقرب للفطرة ولا يحتاج الى الأدلة الفلسفية المعقّدة والمعاني الغيبية العميقة وإنما فقط إلفاته الى حقائق ظاهرة وقريبة منه ( وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ خِلْفَةً لِّمَنْ أَرَادَ أَن يَذَّكَّرَ أَوْ أَرَادَ شُكُورًا ) ، ( وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ خَلَقَهُنَّ الْعَزِيزُ الْعَلِيمُ ) ..

الأسلوب الخامس : محاججة أهل الإختصاص بإختصاصهم

عندما تريد ان تُقنع غيرك بفكرة معينة وكان له اختصاص معين أو مهارة معينة فمن المناسب أن تحاججه بما يفهمه ويختص به ، فالقرآن الكريم حاجّ العرب بفصاحته وبلاغته ( قُرْآنًا عَرَبِيًّا غَيْرَ ذِي عِوَجٍ لَّعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ ) .. وإستطاع موسى عليه السلام أن يُفحم السَّحرة بما يشبه السحر ، فإذا أردتُ أن أُثبت للفيلسوف وجود خالق فأحاججه بقانون العليّة بينما إذا أردت أن أحاجج الفيزياوي بذلك فألزمه بقانون حفظ الطاقة ( أن المادة لا تفنى ولا تستحدث ) وهكذا ..

الأسلوب السادس : الحكمة والموعظة الحسنة

قال تعالى ( ادْعُ إِلَىٰ سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ ۖ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ۚ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ ۖ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ ) .. وقال تعالى ( فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللَّهِ لِنتَ لَهُمْ ۖ وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ ۖ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ ۖ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ ۚ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ ) ، فتفعل الأخلاق الحسنة والكلام الطيب ما لا تفعله القوانين المحكمة والفلسفات المعمقة ..

وهذه سيرة النبي الأكرم ص والأئمة المعصومين ، فكم من معاند جاء وركع أمام أخلاقهم وأدبهم ..

الأسلوب السابع : المباهلة

كما يقال بأن آخر الدواء الكي ( ولا نقصد ختام هذه السلسلة ) ، والمباهلة أو الملاعنة هي نوع من المحاججة شديد المستوى لا يقدم عليه إلا من كان على يقين بأنه على الحق لأن نتيجته مخزية في الدارين ، ولها شروطها وتفاصيلها ومواضيعها التي تنطبق عليها في الفقه الاسلامي ، ولقد حصل هذا النوع من المحاجة ايام الرسول الاكرم ص ونزل فيه قرآن ( فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِن بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنفُسَنَا وَأَنفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَل لَّعْنَتَ اللَّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ ) ..

الأسلوب الثامن : لا مراء في الجدال الإسلامي

المراء : طعن الإنسان في كلام غيره لإظهار خلله واضطرابه ، لا لشيء إلا لتحقير قائله وإظهار مزيته عليه . وإنه حتى لو كان المماري على حق فإنه لا يجوز له أن يسلك هذا السبيل .. وكذلك يعرّف بأنه الإصرار على المجادلة ..

والجدل الإسلامي ينبغي أن يترفع عن المراء والغاية لا تبرر الوسيلة ، ولقد وبّخ القرآن الكريم الذين يجادلون الرسول ص بمراء ﴿ أفتمارونه على ما يرى ﴾، ( فَلَا تُمَارِ فِيهِمْ إِلَّا مِرَاءً ظَاهِرًا وَلَا تَسْتَفْتِ فِيهِم مِّنْهُمْ أَحَدًا ) ، والمراء الظاهر كما يقول بعض المفسرين عدم التعمق بالجدال والاكتفاء بما يثبت الحق عند من يبحث عنه ..

.. هذه بعض أساليب وفنون المحاججة في القرآن الكريم ..


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


يحيى غالي ياسين
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2021/01/05



كتابة تعليق لموضوع : أساليب قرآنية في المُحاجّة
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net