صفحة الكاتب : لطيف عبد سالم

ثَمَرَةٌ يَتِيمَةٌ.. قِطَافُ العَرَب مِن جائزةِ نوبل للآدَاب
لطيف عبد سالم

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

 بالمقارنةِ مع ما حصل عليه نظرائهم في معْتَرَكِ جائزة نوبل للآداب، أخفق الأدباء العرَب في تحقيقِ حضورًا مؤثرًا بأروقةِ هذا المسار الإبداعيّ، والذي من شأنه أنْ يضاهيَ، أو يقترب نسبيًا مما حققه الأدباء الذين يكتبون بلغاتٍ أخرى كالإنجليزيَّة، أو الفرنسيَّة، أو الإسبانيَّة، فضلًا عن مُساهمته في التعبيرِ عن مكانةِ الأدَب العَرَبيّ بين الآداب الأخرى، فالحصاد العَرَبيّ في واقعه الموضوعيّ، لم يكن وفيرًا كما ينبغي أنْ يكون معادلًا لما يليق بتاريخِ وعراقة الأدَب العَرَبيّ، إلى جانبِ ما بذله أدباء لغة الضاد من جهدٍ في تشكيل عالمهم الأدَبيّ، ووعيهم الثقافيّ. ولعلَّ من المناسبِ والمهم الإشارة هُنا إلى أنَّ أحوجَ ما يحتاجه الأديب العربيّ في واقعه الحالي، هو ضرورة تظافر الجهود التي بمقدورها المُعاونَة في مهمةِ العبور بالثقافةِ العربيَّة إلى الآخر وحضارته من أجلِ نسج خيوط التواصل مع الثقافةِ العالميَّة، والتي من شأنها أنْ تحققَ للأدبِ العربيّ حضورًا لافتًا في المشهدِ الثقافيّ العالمي، فعلى سبيل المثال لا الحصر، دخلت دولة سانت لوسيا - التي تبلغ مساحتها (620 كم2)، وعدد نفوسها نحو (174) ألف نسمة - سِجلّ معترك الجوائز العالميَّة بفضلِ فوز مواطنها الشاعر والمسرحي الراحل دريك والكوت بجائزةِ نوبل للآداب عام 1992م، فيما اِقتصرَ قِطَاف الأدبَاء العرب على ثمرةٍ يتيمة، تجسدت بفوزِ الروائيّ والكاتب المصري الراحل نجيب محفوظ (1911 - 2006م) بجائزةِ (نوبل) للآداب عام 1988م، والتي تُعَدُّ بوصفها الميداليَّة الوحيدة التي قطفها الأدباء العرب من الجائزةِ المذكورة منذ انطلاقها في الأكاديميَّةِ السويديَّة عام 1901م، وحتّى اعلان نسختها التي تزامنت مع زمنِ إعدادِ هذا الموضوع في أواخرِ أشهر عام جائحة كورونا. 

 على الرغم من أسرارِ وكواليس جائزة نوبل، وما لاحقها من شبهاتِ فساد،  فضلًا عن الجدل الذي يثور ويتجدد حولها منذ سنوات، والتي لسنا بصدد كشفها، أو الحديث عنها في بحثنا الحالي، فإنَّه ليس خافيًا أَنَّ ثمةَ خصوصيَّة في النظرِ إلى جائزةِ نوبل التي أنشأها الصِّناعيّ وعالم الكيمياء ألفريد نوبل (1832 - 1896م) لصالحِ المؤلّفات الأدبيَّة والعلميَّة في العالم؛ بالنظرِ لطبيعةِ إجراءاتها التنفيذيَّة - الإداريَّة والفنيَّة - التي وضعتها في صدارةِ الجَوَائِز العالميَّة، وأكثرها شهرة، بالإضافةِ إلى أنها تُعَدّ الأكبر قيمة من النواحيِّ الماديَّة، والأدبيَّة، والمعنويَّة، فلا عَجَبَ أن تكون - بفرعها الأدبيّ - الحدث الأدَبيّ الأبرز عالميًا، الأمر الذي جعل لها رمزيَّة كبيرة في الأوساطِ الأدبيَّة والثقافيَّة والإنسانيَّة بفضلِ ما يميزها عن غيرها مِن جوائزٍ أخرى، حتى صارت منصتها حلمًا يراود كبار أُدَبَاء العالم، ومدعاة لبذلِ قُصارَى الجُهْد، والعمل الدؤوب والمستمر؛ لتقديمِ روائع أدبيَّة قادرة على إلهامِ المتلقي، والتي من شأنها أيضًا المُساهمة في دفعِ أُدَبَاء آخرين، وتشجيعهم لإنجازِ أعمالٍ طَمُوحة.

 وُلِدَ محفوظ - الذي ساهم فوزه بجائزة نوبل لفت الأنظار للرواياتِ العربيَّة -  في بيتٍ متواضع بأحدِ أزقة واحدة من حواريِّ حيّ الجماليَّة في القاهرة، وتَنَقَّلَ في فترات نشأته للسكن بأحياءِ مِصْر القديمة كالحسين والغوريَّة والعباسيَّة، فكان أنْ أثرتْ طبيعة الحياة في الحاراتِ القديمة التي ترعرع فيها على كتاباته الأدبيَّة، وغدت من أهمِ مصادر إلهامه، إن لم تكن من أبرزِ المصادر التي أقبل عليها في أدبه، الأمر الذي جعل شريحة واسعة من الباحثين والدارسين والنقاد تصنف رواياته ضمن الأدب الواقعي، المستوحى من المناطقِ التي نشأ وعاش فيها، إذ من الواضحِ أنَّ أغلبَ رواياته - التي شهدت رواجًا واسعًا بفضلِ تحويلها إلى أفلامٍ سينمائية وتلفزيونية - تدور أحداثها في فضاءاتِ مِصْر القديمة، وتحديدًا مدينة القاهرة التي عاش فيها نحو (95) عامًا قبل أنْ قبل أنْ يودع الدنيا في عام 2006م، فضلًا عن السمةِ المتكررة فيها، والمتمثلة بـ (الحارة). وتدعيمًا لما ذكر، فإنَّ إلهامَ محفوظ بحسبه يأتي من جلوسه على النيل ليكتب، ومن ثم يأتي من الواقع والحارات التي تربى فيها، إذ التقى في اندماجه بالمُجتمع المحلي الكثير من الشخصياتِ الشعبيَّة التي ضمنها فيما بعد العديد من رواياته مثل شخصية الفتوة المستمدة من معايشته إياها في (قهوة عرابي) بالعباسيَّة التي كان يرتادها في فترةٍ من حياته. وفي السياق ذاته تقول الكاتبة والأديبة الروائيَّة نجلاء محفوظ: " لعل أهم ما يُـميز المنهج الروائي للأديب العالمي نجيب محفوظ، اقترابه الشديد من الواقع ورصده لكل دخائل النفس البشرية بمهارة شديدة، وفي نفس الوقت، ببساطة يفهمها الجميع، كما أنه كان يرى الناس كما هم في الواقع، وليس كما يُـريد أن يراهم". وفي ذات المنحى، يذهب الدكتور بليغ حمدي إسماعيل إلى ما هو أبعد من ذلك من خلالِ القول: "شخصيات محفوظ في الرواية ليست مجرد أبطال تحكي قصصا من أجل المتعة والإمتاع فحسب، بل هي رموز لواقع مضى، ومستقبل آتٍ". 

 جدير بالإشارةِ أنَّ محفوظَ دأب على الكتابةِ منذ منتصف ثلاثينات القرن الماضي، واستمر في إثراءِ الأدَب العربيّ بالعديدِ من نتاجاته الهامة في مجال الرواية والقصة والمقال، حتّى عام 2004م بسببِ اعتلال صحته. وهو الأمر الذي أهله الانطلاق من المحليَّةِ إلى العالميَّةِ، بعد أنْ ساهمت رواياته في تعريفِ العالم بصورٍ واقعية عن الحياةِ الاجتماعيَّة والسياسيَّة في مِصْر عبر حرصه على توظيفِ سير الكثير من الشخصياتِ التي عايشها - والتي من بينها بعض الشخصيات المهمشة في الحي الذي رأى النور فيه -  بسردٍ ارتكز على تدوينِ يومياتها التي تتضمن توثيقًا معاصرًا لبعضِ الأحداث التاريخيَّة التي مرت بها مِصْر، فكان أنْ انتزعَ الراحل نجيب محفوظ - الذي عُرفَ في تمسكه باعتمادِ أسماء الشخصيات المألوفة في المُجتمعِ المحليّ؛ بغية المُساهمة في وصفِ البيئة الشعبيَّة - وهو بعمرِ (76) عامًا لقب العالميَّة بشهادةٍ تاريخيَّة مرموقة ومعتمدة، والتي تمثل حتّى اللحظة كُلَّ مَا فِي جعبة خزانة الأدَب العَرَبيِّ من بريقِ أرفع الجوائز الأدبية العالميَّة، وأهمها، وأقدمها!.

 كان من الْمَأْمُولِ أَنْ يشكلَ نيل محفوظ جائزة نوبل للآدابِ إلهامًا، وحافزًا للأدباء العرب، إلا أنَّ مرورَ أكثر من ثلاثة عقود على ذلك الحدث المهم من دوُن أنْ يحظى أحدهم بفرصةِ ارتقاء منصة أهم احتفاليَّة أدبيَّة، أجهض ما كانت تتمناه الأوساط الأدبيَّة والثقافيَّة في البلدانِ العربيَّة، ولكن يظل الأدب العربيّ جديرًا بالقراءةِ، وكلنا ثقة بما يتمتع به الأديبِ العربيّ من إمكانياتٍ مدهشة تجعله قادرًا على الارتقاءِ بأساليبِ الكتابة الأدبيَّة التي تجعله جديرًا بثقة القارئ، وتمهد له الطريق إلى المنافسةِ عالميًا، على الرغم مما يعتري هذه المهمةِ من صعوباتٍ، ولاسيما ما يتعلق منها بالترجمةِ، والاستراتيجيات التي تعتمدها دور النشر العربيَّة في العمليَّةِ التسويقيَّة.  

 


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


لطيف عبد سالم
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2021/01/03


  أحدث مشاركات الكاتب :

    • صدور الطبعة الثانية من كتاب "مَرَاثِيّ الوَالِدَيْن فِي قَصَائِدِ الشُعرَاءِ العَرَبِ المُعَاصِرين"، للباحث والكاتب الأديب لطيف عبد سالم  (قراءة في كتاب )

    • كتاب (للحُسَين نَكْتُب).. الإصدار الأدبي الأول لـ (مؤسسة البيان الثقافية)  (قراءة في كتاب )

    • روحٌ اِسْتَبَدَّ بِها الوَهْن، فاستوطنتها رَغْبَة مَجْنُونة طافِحة بلَذّةِ الدم..قراءةٌ فِي رِوايَةِ (وكر السلمان) للأديب شلال عنوز  (قراءة في كتاب )

    • الاِحتفاء بالمُنجزِ الأدبيّ للشاعرِ والكاتب محمد مظلوم في مُؤسسةِ أضواء القلم الثقافيَّة  (نشاطات )

    • قراءةٌ في رِّوَايَةِ (المَلْعُون المقدَّس) للرِوائِيِّ اللُبْنانيّ محمد إقبال حرب  (ثقافات)



كتابة تعليق لموضوع : ثَمَرَةٌ يَتِيمَةٌ.. قِطَافُ العَرَب مِن جائزةِ نوبل للآدَاب
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net