فاطمة ع.. أيُّ بدنٍ ووري تحت الثرى! سماحة المرجع الديني الشيخ الوحيد الخراساني حفظه الله تعالى
الشيخ محمد مصطفى مصري العاملي
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
الشيخ محمد مصطفى مصري العاملي

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله على سيدنا محمد وآله الطاهرين، سيما بقية الله في الأرضين، واللعن على أعدائهم إلى يوم الدين.
اليوم مقدمةُ الأيام الفاطمية، ومن المهمّ أن نفهم أنّا لم نفهم!
هذا هو الإكسير الأعظم، هذا كمال العلم!
أيُّ جوهرة هي هذه الجوهرة؟
لم يعرفها أحدٌ، ولا يمكن لأحدٍ أن يعرفها.
الروايات التي وردت في موضوع الصديقة الكبرى عليها السلام تثير الحِيرة، إلى حدّ أنّ الفقهاء من الطراز الأول قد تحيّروا في إدراكها، سواءٌ من حيث الإسم أو من حيث المُسمّى.
أما الإسم: لِفَاطِمَةَ عليها السلام تِسْعَةُ أَسْمَاءٍ عِنْدَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ.. كما عن الصادق عليه السلام.
لفاطمة تسعة أسماء، لكن أين ذلك؟ عند الله تعالى.
فإذا كان محلُّ اسمها في مقام (العِنديَّة)، أي عنده تعالى: ﴿عِنْدَ مَليكٍ مُقْتَدِر﴾، فما حال الُمسمّى؟
دون فهم هذه الروايات خرط القتاد!
اليوم نكتفي بحديثٍ واحد، بل ببعضه لا بكلّه، لأن إدراكه كله في بحثٍ واحدٍ في غاية الإشكال.
والحديث ينقله الصدوق أعلى الله مقامه في معاني الأخبار، ولكلٍّ من كتب الصدوق شأنه الخاص، وقد جمع في معاني الأخبار زُبدَةَ معاني الروايات.
والرواية من جهة السند تبدأ بمن يقول ابن طاووس أنّ وثاقته مورد إجماع، وتنتهي بسدير الصيرفي، وهو من رجال تفسير عليّ بن إبراهيم القمي.
ومتن الرواية مهمٌّ: عَنِ الصَّادِقِ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ ع، قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله (ص):
خُلِقَ نُورُ فَاطِمَةَ عليها السلام قَبْلَ أَنْ تُخْلَقَ الْأَرْضُ وَالسَّمَاءُ: أي جوهرة هذه؟! خُلِقَ نورها قبل خلق الأرض والسماوات.. مرّت مليارات السنوات الضوئية من عمر هذه السماء، وهي مُقدَّمَةٌ في الخلق على كل ذلك!
فَقَالَ بَعْضُ النَّاسِ: يَا نَبِيَّ الله، فَلَيْسَتْ هِيَ إِنْسِيَّةً؟
فَقَالَ (ص): فَاطِمَةُ حَوْرَاءُ إِنْسِيَّةٌ.
قَالَ: يَا نَبِيَّ الله، وَكَيْفَ هِيَ حَوْرَاءُ إِنْسِيَّةٌ؟
قَالَ: خَلَقَهَا الله عَزَّ وَجَلَّ مِنْ نُورِهِ قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَ آدَمَ إِذْ كَانَتِ الْأَرْوَاحُ: مبدأ الخلق في وجودها نورُ الله تعالى ﴿الله نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ﴾، وهنا يعجز البرهان ويحارُ العقل، فقد كان مبدأ خلقتها نور الله تعالى.
فَلَمَّا خَلَقَ الله عَزَّ وَجَلَّ آدَمَ عُرِضَتْ عَلَى آدَمَ.
قِيلَ: يَا نَبِيَّ الله، وَأَيْنَ كَانَتْ فَاطِمَةُ؟
أين كانت فاطمة لمّا لم تكن الأرض ولا السماء مخلوقة؟ فكان جوابه المحيّر:
قَالَ: كَانَتْ فِي حُقَّةٍ تَحْتَ سَاقِ الْعَرْشِ.
قَالُوا: يَا نَبِيَّ الله، فَمَا كَانَ طَعَامُهَا؟
قَالَ: التَّسْبِيحُ وَالتَّهْلِيلُ وَالتَّحْمِيدُ : هذا هو طعامها، إذا عُرِفَ ذلك يَفهم البشر حينها كلام سادس الأئمة ^: إِنَّمَا سُمِّيَتْ فَاطِمَةُ لِأَنَّ الْخَلْقَ فُطِمُوا عَنْ مَعْرِفَتِهَا.
فكلُّ الخلق مفطومون عن معرفتها.
فَلَمَّا خَلَقَ الله عَزَّ وَجَلَّ آدَمَ وَأَخْرَجَنِي مِنْ صُلْبِهِ، أَحَبَّ الله عَزَّ وَجَلَّ أَنْ يُخْرِجَهَا مِنْ صُلْبِي: لم يكن أحدٌ آخر من الأنبياء صُلباً لهذه الجوهرة غيره (ص).
جَعَلَهَا تُفَّاحَةً فِي الْجَنَّةِ، وَأَتَانِي بِهَا جَبْرَئِيل عليه السلام، فَقَالَ لِي: السَّلَامُ عَلَيْكَ وَرَحْمَةُ الله وَبَرَكَاتُهُ يَا مُحَمَّدُ.
قُلْتُ: وَعَلَيْكَ السَّلَامُ وَرَحْمَةُ الله حَبِيبِي جَبْرَئِيلُ.
فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ إِنَّ رَبَّكَ يُقْرِئُكَ السَّلَامَ: وليدقق هنا أهل الفقاهة جيداً، ربك يقرئك السلام، وكان هذا جوابه (ص):
قُلْتُ: مِنْهُ السَّلَامُ وَإِلَيْهِ يَعُودُ السَّلَامُ.
قَالَ: يَا مُحَمَّدُ، إِنَّ هَذِهِ تُفَّاحَةٌ أَهْدَاهَا الله عَزَّ وَجَلَّ إِلَيْكَ مِنَ الْجَنَّةِ، فَأَخَذْتُهَا وَضَمَمْتُهَا إِلَى صَدْرِي: هدية الله تعالى لك، هنا أجر الرسالة، هدية الله لك هذه التفاحة، أخذها (ص) وضمّها إلى صدره.
قَالَ: يَا مُحَمَّدُ، يَقُولُ الله جَلَّ جَلَالُهُ: كُلْهَا، فَفَلَقْتُهَا فَرَأَيْتُ نُوراً سَاطِعاً، فَفَزِعْتُ مِنْهُ: مَن شاهد ما شاهد ليلة المعراج، ووصل الى ذلك المكان الذي لا يُدرَك ولا يُوصف، ولم يُدركهُ ملكٌ مقرّب، ولا نبيٌّ مُرسَل، ذهب وطوى كل تلك المراحل، ولكن لما فلَقَ التفاحة وخرج منها نور فَزِعَ منه النبي (ص) نفسه!!
فمن الذي يدرك هذه الجوهرة؟
التي إذا سطع نورها فَزِعَ من رؤيته خاتم الأنبياء، وهو عقل الكلّ، وكلّ العقل، وكلّ الكمال، وكمال الكلّ.
فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ مَا لَكَ لَا تَأْكُلُ؟
كُلْهَا وَلَا تَخَفْ، فَإِنَّ ذَلِكَ النُّورَ الْمَنْصُورَةُ فِي السَّمَاءِ، وَهِيَ فِي الْأَرْضِ فَاطِمَةُ: والمطلب مهمٌ بقدر أن النبي (ص) سأل حينها:
قُلْتُ: حَبِيبِي جَبْرَئِيلُ، وَلِمَ سُمِّيَتْ فِي السَّمَاءِ الْمَنْصُورَةَ، وَفِي الْأَرْضِ فَاطِمَةَ؟
اعرفوها وعرِّفوا الناس بها.. ليعلموا أنّ على هذه البلاد أن تصبح راية وعَلَمَاً في إحياء الأيام الفاطمية.. فإذا كان هناك شعورٌ وإدراكٌ وفقاهةٌ لتُفهم هذه الأحاديث، حينها يُعلم أيّ ليلة تلك كانت! وأيُّ بدنٍ ووري تحت الثرى! وأيّ قبر.. وأيّ دفنٍ.. لا إله إلا الله.
قَالَ: سُمِّيَتْ فِي الْأَرْضِ فَاطِمَةَ لِأَنَّهَا فَطَمَتْ شِيعَتَهَا مِنَ النَّارِ، وَفُطِمَ أَعْدَاؤُهَا عَنْ حُبِّهَا، وَهِيَ فِي السَّمَاءِ الْمَنْصُورَةُ: وكل شيء في هذه الجملة، خِتامُه مسكٌ، بحارٌ من العلم والحكمة:
وَ ذَلِكَ قَوْلُ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ ﴿يَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ بِنَصْرِ اللّٰهِ يَنْصُرُ مَنْ يَشٰاءُ﴾ يَعْنِي نَصْرَ فَاطِمَةَ لِمُحِبِّيهَا.
ماذا يعني هذا؟
اسمها في السماء المنصورة، يعني أنّه ذخيرةٌ ليوم القيامة، في ذلك اليوم الذي يقول كل الأنبياء (وانفساه)، ذلك اليوم يوم سلطنة الزهراء عليها السلام، في ذلك اليوم تحضر و﴿يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ بِنَصْرِ الله﴾..
ولم يعد هناك وقتٌ لشرح هذه الجملة.
اغتنموا هذه الأيام وتفرقوا في البلاد، وعرّفوا الناس من كانت، وماذا شاهدت، وماذا حصل معها، وكيف ذهبت، وماذا سوف تفعل.
يقف العقل هنا حائراً، الرواياتُ متظافرةٌ أنها لما سقطت عليها السلام إلى الأرض عند ولادتها أشرق نورٌ نَوَّر كل عالم الإمكان.
أيُّ جوهرةٍ هذه؟
نعم، الذي عَرَفَها هو الذي جاء النبي (ص) لرؤيته في حرب أحد، ولما نظر رأى بدنه مليئاً بالثقوب حتى أن الفتيلة تدخل في ثقوبه، وما إن وقع نظر الخاتم (ص) عليه حتى بكى، لكنه عليه السلام ابتسم، وقال: يا رسول الله، هل ربي راضٍ؟
ولما ضُرِبَ صبيحة التاسع عشر بالسيف الذي اشتُري بألف درهم، والسم بألف درهم، لمّا ضُرِبَ على رأسه صاح جبرائيل بين الأرض والسماء: تَهَدَّمَتْ وَالله أَرْكَانُ الْهُدَى، لكن البسمة كانت على شفتيه عليه السلام وقال: فزت ورب الكعبة.
مثل هذا، عندما توفيت وسجّاها وأراد إرجاع الوديعة للنبي (ص) قال: قَلَّ يَا رَسُولَ الله عَنْ صَفِيَّتِكَ صَبْرِي، وَرَقَّ عَنْهَا تَجَلُّدِي .. أَمَّا حُزْنِي فَسَرْمَدٌ وَأَمَّا لَيْلِي فَمُسَهَّدٌ: لا طريق للنوم إلى عيني بعد الآن، فحزني وأذى قلبي أبديٌّ.
وَسَتُنْبِئُكَ ابْنَتُكَ بِتَظَافُرِ أُمَّتِكَ عَلَى هَضْمِهَا: وهذه الجملة من أمير المؤمنين لها أهميتها الخاصة.
فَأَحْفِهَا السُّؤَالَ، وَاسْتَخْبِرْهَا الْحَالَ: استخبر فاطمة، ويُعلَمُ من هذا ما عانت.
وهنا جملةٌ ختم بها عليه السلام:
نَفْسِي عَلَى زَفَرَاتِهَا مَحْبُوسَةٌ * * * يَا لَيْتَهَا خَرَجَتْ مَعَ الزَّفَرَات
وإنّا لله وإنا إليه راجعون
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat