صفحة الكاتب : الشيخ مظفر علي الركابي

هي همزة وهمسة
الشيخ مظفر علي الركابي

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

 كلمات لم تشأ الصدفة أن تكون كذلك ، تشابهٌ في وسطها ، ترابطٌ في نتيجتها ، تُعطي دلالة خفية تكاد تكون همساً في الآذان ، أو لمحاً للعيون . 
نعم 
إنه الفأر
وإنه مأرب
لا ليس لُغزاً ، بل حقيقة يستشفها من أنعم  النظر في التأريخ وعكسه على الواقع الحالي ليصل إلى نفس النتيجة واضحةً بدون رتوش . 
هي حضارة ما وراء السد 
وهو سدٌ صنع حضارة 
وعقل استطاع أن يحول ما كان للدمار والخراب إلى سبب الازدهار والبناء والعمران ، إنه العقل البشري إذا ربط بين الأسباب والمسببات حتماً سيصلُ إلى نتيجة ، باكتشاف شيء ، أو تحقيق شيء . 
نعم إنه سد مأرب الذي جعل الماء يبني لا يهدم ، ويُعطي الحياة بدل الموت ، ويُعطي النماء والخصب بدلاً عن الفناء والرعب . 
إنه اليمن السعيد استطاع اناسه أن يجعلوا من مائه يُمنٌ ، فكان نتيجة ذلك تطور زراعي ، وبساتين وحقول ومساحات واسعة تزرع من الأرض ، ودبت الحياة في اراضٍ واسعة كانت بوار فاصبحت فيها جنات وانهار . 
وإذا تطورت الزراعة تطور على ضوئها الاقتصاد فكانت حركة لتطور العمران والصناعة والتجارة ، وارتفع صيت اليمن بين ما يحيطها فاستقطبت التجار إليها فكانت هناك حركة دؤوب من وإلى اليمن . 
لكن النعمة تبطر ، والثراء يفسد ، والغنى يُحرك الشهوات .
فكان هناك طغيان 
وكفران
وكان مقابيل الطغيان لا بد من صفعة ترجع الإنسان لتشعره إنه إنسان 
وكان مقابيل الكفران الفئران ، لتُعلم الإنسان درساً لا يستهان لأصغر الأشياء .
نعم بعثت السماء رسالة تحذير بشكل رؤيا وذلك  أنه حكم أرض سبأ ملك يدعى عمرو بن عامر، وفي الفترة التي تولى فيها هذا الملك الحكم ، نعمت سبأ ورفلت في النعيم والرخاء ، وفي أحد الأيام رأت ابنة الوزير حلمًا مقبضًا ، حيث شاهدت الفئران تنهش في خيرات المدينة ، فانطلق الوزير يسأل الكهنة والعرافين ، وعلم منهم أن هناك خطر على المدينة من هجوم محتمل للفئران.
وهنا اقترح العرافون أن يتم تشجيع السكان على تربية القطط ، أو يعطي الوزير أو الملك الهدايا والعطايا لمن يبادر بقتل أكبر عدد ممكن من الفئران، إلى أن اختفت من المدينة تمامًا .
 ولم يرجع الملك إلى الحقيقة ، ولم يفهم فحوى هذه الرسالة .
وبعد ذلك بعثت السماء برسالة ثانية قريبة للملك  فقد رأت زوجة الملك رؤيا لبرق ورعد ، سقطا على كل شيء في المدينة ودمراه ، وأتت الفئران من جديد لتخرب في البلاد. فانزعج الملك من تلك الرؤيا المشؤمة لزوجته ، وذهب إلى سد مأرب ووجد الفئران تنهشه بالفعل ، حتى أنها قد استطاعت أن تأكل الصخور وتحركها من مكانها ، رغم ثقلها الذي يتطلب عدة رجال لتحريكها ، فأيقن تمامًا بأن الخراب آت لا محالة .
وبالنتيجة إنهار سد مأرب ، وإنهارت معه حضارة اليمن . 
الخطأ أين ؟
عندما يبدأ الفساد يستشري وينخر في الجانب المهم في الدولة على الحاكم أن يكون حازماً في التعرف على السبب وإيجاد الحل بسرعة وتداركه قبل فوات الأوان . 
وبدل أن تصدر قرارات بأن كل بيت يجلب قطاً لمواجهة الفئران ، أو جائزة لمن يقتل  فأراً ، كان المفروض بالملك ، يضع لجنة مختصة لصيانة السد ومتابعته ،حتى يتم المحافظة عليه . 
وهذا ما يحصل الآن من فئران الفساد في العراق لا الحيتان ، لأن الحوت يعطينا العنبر وهؤلاء يعطونا السموم كالفئران والدمار ، وما زالت تأكل في مؤسسات الدولة إلى أن تنهار بالكامل كما آنهار سد مأرب . 
والشاهد هناك وجه ثانٍ لقصة سبأ ، حيث يُشير الله إلى نكتة لطيفة ، أنه مقابيل كفران النعم سوف نرسل عليكم فئران الفساد لِتُسقط حضارتكم وهي موعظة بأنه هذا جند من جنودي ، كما يقول تعالى : 
{وَلِلَّهِ جُنُودُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۚ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا} [الفتح : 7]
فلا تغركم حضارتكم إذا لم ترجعوا إلينا سوف تنهار من حيث لا تعلمون وبأصغر الأشياء سواء فأر أو ( كورونا ) أو ما هو أصغر من ذلك .
لذلك الله يكشف الوجه الحقيقي لإنهيار سد مأرب 
بقول تعالى : {لَقَدْ كَانَ لِسَبَإٍ فِي مَسْكَنِهِمْ آيَةٌ ۖ جَنَّتَانِ عَن يَمِينٍ وَشِمَالٍ ۖ كُلُوا مِن رِّزْقِ رَبِّكُمْ وَاشْكُرُوا لَهُ ۚ بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ وَرَبٌّ غَفُورٌ} [سبإ : 15]
لكن طغوا فكان {فَأَعْرَضُوا فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ سَيْلَ الْعَرِمِ وَبَدَّلْنَاهُم بِجَنَّتَيْهِمْ جَنَّتَيْنِ ذَوَاتَيْ أُكُلٍ خَمْطٍ وَأَثْلٍ وَشَيْءٍ مِّن سِدْرٍ قَلِيلٍ} [سبإ : 16]
فالنتيجة إذا ً{ذَٰلِكَ جَزَيْنَاهُم بِمَا كَفَرُوا ۖ وَهَلْ نُجَازِي إِلَّا الْكَفُورَ} [سبإ : 17]
فكان المفروض بهم مقابيل البركة الشكر ، ومقابيل الأمان الذكر {وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْقُرَى الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا قُرًى ظَاهِرَةً وَقَدَّرْنَا فِيهَا السَّيْرَ ۖ سِيرُوا فِيهَا لَيَالِيَ وَأَيَّامًا آمِنِينَ} [سبإ : 18]
لكنه كانت العقوبة قاسية فقط بهمزة في الوسط ( لمأرب ، فأر ) ولسبأ همزة النهاية ، نبأ تتداوله الأجيال تلو الأجيال {فَقَالُوا رَبَّنَا بَاعِدْ بَيْنَ أَسْفَارِنَا وَظَلَمُوا أَنفُسَهُمْ فَجَعَلْنَاهُمْ أَحَادِيثَ وَمَزَّقْنَاهُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ ۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِّكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ} [سبإ : 19]
فكانت هذه همزةٌ 
ومن رب العالمين همسة للعقلاء لعلهم يرجعون .


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


الشيخ مظفر علي الركابي
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2020/12/16



كتابة تعليق لموضوع : هي همزة وهمسة
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net