الكثير من الناس تُحبذ دائماً في حواراتها استخدام كلمة " فوبيا " ليضفي عليها طابع الاطلاع والثقافة الواسعة , والذي يعني الرهاب او الخوف الشديد والمتواصل من الاماكن المرتفعة او المزدحمة, وتعريفه بشكل مبسط هو : مرض نفسي يتجلى في حالة القلق او الخوف اللامنطقي في مواقف معينة. لكنه حالة لايمكن التخلص منها ,وعادة ماتكون خارج ارادة الانسان لعدم امتلاكه الخيار او القدرة على التحكم بمقدار الخوف الذي يعتريه, فيما اذا سمح لخياله نسج صور النتائج المخيفة لمصيره!
في معسكر الارطاوية كانت هناك صرعات عنيفة ودموية بين بعض الشباب العراقيين المصابين بعقدة الخوف لكن ليس من الاماكن العالية ولا المزدحمة او الضيقة بل الخوف من الغد , دائما هناك سؤال مربك يتردد بينهم.. شلون باجر.. شنسوي؟.. لربما ينقطع الماء او لايأتي ابداً, مصيبة , كارثة, يجب ان نخزن اكبر كمية من المياه في خزانات خاصة , تنشب مشاجرات ونزالات من الوزن الثقيل والخفيف قرب انابيب المياه الرئيسية , تتشابك الاذرع المفتولة السمراء ليس لبناء بيت جميل او بناية عالية وفاخرة , بل ليسفر عنها لكمات قاسية ومدوّية, تذهب خلال هذه المعارك الكثير من الدماء والمياه هدراً, وبدل ان يحصل الجميع على مايكفيهم يذهب جزء من الكمية المخصصة للمعسكر دون فائدة, تكرر هذا الامر ايضا في معسكر رفحاء , وبشكل جنوني لاسيما بعد حادثة الاغاثة وتعمّد ادارة المعسكر تأخير جلب المياه الصالحة للشرب, حتى شرب الناس المياه المالحة من مياه الآبار والمخصصة للاستحمام فقط.
البعثيون ايضا كانوا في قلق دائم وخوف من الشعب وتمرده رغم قبضتهم الفولاذية المهيمنة على دفة الحكم وجميع مفاصل الدولة , يمارسون اشدّ انواع التعذيب والتنكيل ضد معارضيهم , القلق دفعهم ايضا الى سرقة اموال الشعب العراقي طوال سنين حكمهم , فهم لم يتركوا اي شي لم يستولوا عليه , عدي المقبور كان يشارك التجار في صفقاتهم ويفرض عليهم نسبة من الارباح تدفع اليه دون المشاركة معهم في راس المال او في الخسارة , كان يطبع النقود العراقية المزورة ويشتري بها الدولارات الحقيقية من الناس. هو ابن الرئيس المطلق للبلاد وله ان يسحب اي مبلغ يريد من البنك المركزي وفي اي وقت يشاء !! مالذي كان يقلقه اذن ؟ ويدفعه الى هذه التصرفات ان لم يكن الخوف من الغد! مسؤولون في الدولة فعلوا نفس الشي في مجالات اخرى , حسين كامل , ارشد ياسين وغيرهم ,كان البعثيون يبثون اكاذيب حول انفاق 95% من الميزانية العامة للدولة لوزارة الدفاع ايام الحرب مع ايران؟ في نهاية حكمهم اتضح بانهم كانوا يشترون كافة الاسلحة بالدفع الآجل!! اين ذهبت الاموال العراقية اذن ؟ واين صرفت مليارات الخليج المتدفقة الى العراق ايام الحرب؟!.
بدأ هذا الخوف يتسلل الى اغلب تفاصيل حياتنا وعقّدها اكثر مما هي معقدة ومتشابكة, عشعش في صدورنا وعقولنا, شلَّ قدرتنا على التحكم بتصرفاتنا, لم يهدأ العراق منذ سقوط الصنم , ازمات , معارك , تفجيرات, اغتيالات , تصفية حسابات سياسية , عشائرية , اجتماعية , لماذا ومم نخاف؟ ومالذي يدفع بنا لهذا الرهاب المدمر ؟ الشيعة يخافون من البعث وعودته , رغم انهم يقودون البلاد , السنة يخافون من التهميش ومن هيمنة الشيعة و (بطشها أو انتقامها ) كما يغمز بعض الساسة في اغلب وسائل الاعلام بطرف خفي واحياناً بطرف واضح ووقح , مع عدم وجود مؤشرات واقعية لذالك , خوف وقلق الاكراد من عودة التمييز العنصري ضدهم من العرب! وتكرار المآسي التي مرت بهم سابقاً . ولايخفون رغبتهم في الانفصال.
نسبة كبيرة من المسؤولين الان في الدولة الصغار منهم والكبار لديهم فوبيا خاصة , يبذلون كل ما في وسعهم لسرقة المال العام وامتصاص اموال الدولة حتى اخر دينار تناله افواههم النهمة وايديهم التي تستحق القطع , قبل انتهاء مدة توليهم المناصب او الخوف من ان تضيع عليهم هذه الكنوز بضربة سياسية تلقي بهم خارج مغارة الذهب والفضة والمجوهرات الثمينة! التي عثروا عليها بعد التغيير, فالوضع لم يستقر بعد تماماً وهذا مايخيفهم اكثر ويزيد من حمى السرقة والفساد المالي .
خوف المثقفين والعلمانيين من بزوغ دولة اسلامية متشددة تبدد كل احلامهم بعراق ديمقراطي ينعمون فيه بحرية الكلمة ونشر الافكار المتحررة دون قيود دينية صارمة, حادثة اغلاق نادي منتدى الادباء العراقيين وبعض النوادي الليلية الغير مرخصة , اثار حفيظة الكثير منهم بشكل واضح . خرجوا للشارع بتظاهرات هستيرية صاخبة .." بغداد ليست قندهار" يجب اسقاط الحكومة الاسلامية "!!. كل هذا الخوف من دولة دينية تقيد الحريات العامة وتجعل خصومها اعداء الله والاسلام!! مقابل هذا الرعب العلماني هناك خوف اسلامي مضاد من بعض الواجهات والاحزاب الدينية من تحول العراق الى مرقص كبير ومرتع للشياطين والمجون والتحلل الاخلاقي ! تُرتكب فيه المحرمات وتنتشر المخدرات والخمور , وكلا الفريقين لامبرر واقعي لفوبيته المزمنة, لان العراق يحكمه الدستور الذي اتفق عليه الجميع فهو يكفل حقوق المواطن العراقي وحريته الشخصية ويحفظ آدميته.
هناك ايضا خوف الاحزاب العلمانية وحساسيتها المفرطة من الاحزاب الاسلامية وهيمنتها على مراكز القرار وقيادة العراق لكهوف الظلام والتخلف, ودعوة العلمانيين الدائمة لفصل الدين عن السياسة, وكأننا دولة دينية حقاً!! في الضفة الاخرى من النهر هناك خوف اسلامي يعاكسه في الاتجاه , والخشية من تجريد العراق من هويته الاسلامية العريقة! وكلاهما مفرط في رعبه وخشيته المفتعلة, احد الكتاب ـ علماني قرص ـ كتب مقال يسخر فيها من الانجازات ـ مجرد افتراض ـ التي ستقوم بها النائب د. مهى الدوري فيما اذا استولت على وزارة التربية, هذا قبل تشكيل الحكومة الحالية وذهاب الوزارة الى السيد محمد تميم عن القائمة العراقية.. ولم يستطع هذا الرجل المتحرر" كلش " الكشف عن انيابه ورائحته الطائفية النتنة في سخريته, والاشارة الى اللطم والزنجيل والقامات والمسبحة 101 وغيرها.
اذن نحن امام مجموعة من دوائر الخوف " فوبيا " متعددة ومتشعبة تنمو وتتضخم باطراد عكسي . فكلما تنامى الخوف هنا , تنامى الخوف هناك , وكلما تحشد فريق هنا , تكتّل فريق هناك ,هذا القلق الممض يدفع بالجميع للتجمع والتحزب وتشكيل محاور لولبية متصاعدة تدفع الاخر بالاتجاه المعاكس وبذات الكيفية والقوة, بمعنى ارتفاع وتيرة سباق التخندق بكل اشكاله والوانه ,الطائفي ,العرقي , الايدلوجي ,السياسي واللصوصي ايضا.
11.3.2012
قناتنا على التلغرام :
https://t.me/kitabat
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat