عندما تُريد أن تقرأ كتاباً أو مقالاً ما أو تطلّع على فكرة معيّنة او حينما تحتاج الى مناقشة شخص أو اي جهة تحمل آيدولوجيا محددة .. تحتاح في البدء أن تكون ذا اطلاع على " النموذج المعرفي " لذلك الكاتب أو ذلك المفكّر أو تلك الجهة التي تريد أن تحاورها وتناقشها ..
والنموذج المعرفي كما يُعبّر عنه أحياناً بانه تلك النظارة التي ينظر بها الآخر الى الأشياء ، وهي تتكون لديه بمرور الوقت من عدد من العوامل والمؤثرات والمكتسبات الخارجية ، كالبيئة وطبيعة المجتمع والشخصيات المؤثرة في حياته .. وكل ما اطلع عليه من كتابات وافكار .. الخ ، وكذلك لا نستبعد العامل الذاتي ، كطبيعة الشخصية - الفردية او الجماعية - وطبيعة العُقد التي تراكمت لديه واصبحت عنده بمثابة العقل الباطن ..
وفرقٌ واضح بين أن تتعرف على أصول الأفكار والجذور الثقافية للكتابات والمولّدات الذاتية للتوجهات والقناعات .. وبين أن تعرف مخرجات ذلك ونتائجه ، فالنموذج المعرفي يُعطيك إحاطة واضحة للآخر وصورة دقيقة عن أفكاره وثقافاته ، وهذا ما لا توفره لنا الجزئيات ولا يقدمه لنا تسطيح الأشياء والمرور العابر عليها ..
ولنعكس الأمر علينا كذلك ، فنحن ننظر إلى الاشياء من خلال نماذجنا المعرفية ايضاً ، فالبديهيات والمسلّمات وسائر القناعات والثقافات التي اكتسبناها من ظروفنا العامة والخاصة ، وكذلك نوع وطبيعة الشخصية التي نحملها .. هي تلك القناة التي نُعالج بها الأمور ، وهو ذلك القاضي الذي نحكم به على ذلك الشخص أو تلك الفكرة ..
التخلّي عن ذلك النموذج المعرفي والنظر الى الأمور بتجرّد تام من الصعوبة بمكان ، فإسقاطاتنا الشخصية لا بد أن تترك أثرها على الاشياء .. ولكن بنفس الوقت يبقى للعقل المجرد مساحته المناسبة ، وتبقى الحقيقة تفرض نفسها وتُهيمن شخصيتها خاصة عندما يكون هنالك جدٌ واجتهاد نحوها ..
تبادل الثقافات ومشاركة العقول وتلاقح الأفكار وتحليل الأمور بأكثر من نموذج معرفي له اهميته وفائدته ايضاً داخل المجال العلمي والتحقيقي ، كذلك التجارب وتراكم الخبرات ونجاح بعض المحاولات لها أثرها في تجاوز عقبة النموذج المعرفي ..
هذه إشارة وإلّا فالموضوع أعمق وأوسع من ذلك ..
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat