صفحة الكاتب : عدنان ابو زيد

أفول عصر الزعامات لصالح مراكز التفكير
عدنان ابو زيد

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

في أوائل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، تعرّضت الباحثة في جامعة هارفارد، نانسي كوهن، لأزمات حياتية قاتلة، ما حفزّها -كونها مؤرخة-، الى الخوض في قيادة الأزمات، معتبرة الرئيس الأمريكي أبراهام لنكولن في صدارة القيادات العظيمة، في كفاحه ضد العبودية، والحرب الأهلية، على الرغم من مشاكله الشخصية، وكان أعظمها وفاة أبنه، وسخرية النخب من شخصيته.

 

كوهن تريد القول ان الأمة تنهض على أيدي زعماء لا يلتفتون الى آلامهم، بل الى معاناة الأمة، فيما تكبو الأمم حين تواجه الشعوب، الازمات، بفوضى الإدارة وانتعاش تعددية القرار.

 

في الفترات التي يتهدّد الأمم، عدم اليقين، والتوجس الجماعي، تنجب الأمم، الزعامات التي توصل الشعوب الى مستقر الأمان، واسترجاع الثقة بالنفس، بعد هزائم مادية ونفسية.

 

اقتنصت كوهن لقطة أخرى من قدرة شعبها على النهوض من اليأس، تجسّدها في فرانكلين روزفلت، الذي حشّد الشعب خلال الكساد العظيم.

 

أنقذ القادة الأقوياء، الذين ولّدتهم الأزمات، الأمم، وتمكنوا من التكّيف الاضطراري معها ثم إعادة توجيهها والاستفادة من التجارب، عبر وسائل متّسقة من التواصل المنتظم.

 

القادة الاستراتيجيون يؤطرون رهانات الأزمة، ويركزون على النتائج المحتملة، ويقضون الكثير من الوقت في التفكير أو التحدث عن أفضل أو أسوأ الاحتمالات، ويرسمون سيناريوهات ذات احتمالية أقل في الخسارة والضرر.

وبمعرفتهم لتجارب التاريخ والاستعانة بخبراء ومستشارين مهنيين، يدركون الى حد مقبول، النتائج المتوقعة الأكثر ترجيحًا، مجنّبين بلادهم، المغامرات الطائشة كتلك التي شهدها العراق في ثمانينيات وتسعينيات القرن الماضي، او تلك التي شهدتها ألمانيا، في اربعينياته.

 

أحد أساليب القيادة في الازمات، استعانة مركز القرار بمراكز البحوث والتفكير Think tanks، التي اصبحت

القوة الناعمة المؤثرة في دول أوربا والولايات المتحدة، والمؤسّسة للمجتمع الأكاديمي، والمهني، والقاعدة المعلوماتية

التي تبني آراء الزعماء، وخططهم وبرامجهم، الى الحد الذي استغنت فيه عن المستشارين، لانهم مهما كانت تجربتهم

ومهنيتهم، فانهم لن يكونوا بمستوى ما تقدمه هذه المراكز العملاقة من معلومات عميقة وأطروحات.

 

هذه الآلية في صناعة القرار، تبعد الزعماء عن الاستبداد، وتقطع الطريق على القرار الأحادي، وتبعد المزاجية في السياسات، وتجعل القادة الحقيقيين متوفرين، على الدوام سواء في خلال الازمات او في الظروف العادية.

 

لا يوجد انسان كُتب على شفرته الجينية انه سيكون قائدا، او زعيما عظيما، وربما سينتهي هذا المفهوم الى الابد، لان من يقود البلاد في هذا العصر، هي المعلوماتية العميقة والسريعة التي توفرها مراكز التفكير، التي تتعاقد معها الحكومات، وهي التي سوف تجعل من كل فرد زعيما او قائدا، طالما انه جلس على مقعد الرئاسة، وما عليه الا اثبات الجرأة في اتخاذ القرار.

 

في الواقع، ان جلّ رؤساء أمريكا على سبيل المثال لا الحصر، كانوا سبّاقين، في عدم الشعور بالثقة الزائدة في النفس،

والغرور السياسي والخيلاء التي تبعدهم عن الاستعانة بنصائح المستشارين التقليديين الذي ينتهي دورهم لصالح مراكز التفكير، اذ كان جورج واشنطن صاحب مشروع الحكومة الفدرالية، لصيق المفكرين السياسيين، ومستمع مذهل الى نصائحهم.

 

الكسندر هاميلتون، الذي تلقى تعليما متواضعا كونه يتيما فقيرا، وغير شرعي، استمد مشروعه الحاسم نحو وحدة أمريكا من استشارات أصحاب التجارب السياسية والفكرية.

 

 

بنجامين فرانكلين، الرجل الأول في عصر النهضة في أمريكا، كان مؤلفًا ماهرًا، وعالمًا، ومخترعًا ودبلوماسيًا، كان يحيط نفسه بنخب الفكر والسياسة والهندسة.

 

على عكس هؤلاء، كان الزعيم الألماني ادولف هتلر، على غرار الأنظمة الشمولية، قد حوّل مراكز رسم الاستراتيجيات، الى بؤر عقائدية تتحيز للنازية وتلبي طموحات الزعيم العظيم، فكانت نتائج المغامرات العسكرية، هزيمة مرّة لألمانيا.

 

ما يحتاجه القادة خلال الأزمات، ليس خطة استجابة آنية، بل سلوكيات وعقليات تمنعهم من المبالغة في رد الفعل تجاه التطورات


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


عدنان ابو زيد
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2020/11/02



كتابة تعليق لموضوع : أفول عصر الزعامات لصالح مراكز التفكير
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net