صفحة الكاتب : اسعد عبدالله عبدعلي

حديث عراقي عاطل عن العمل
اسعد عبدالله عبدعلي

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

عندما تقارن ثروات بلدان العالم بثروات العراق فانه يعتبر من اغنى بلدان العالم, لكن بسبب سلوك الطبقة السياسية النتنة في تبديد الثروات, فقد ضاع على اهل العراق حاضرهم ومستقبلهم.

كنت في طريقي الى باب المعظم حيث مكان عملي, استوقفني منظر شاب في الكراج, كان محبطاً وهو يحمل فايل اخضر اللون, من المؤكد انه خريج عاطل ويبحث عن عمل, فاقتربت منه احاول مواساته, فحدثني عن ما يجول في خاطره, فقال: "لا أعرف كيف اصف لك بشاعة ما يحدث في داخلي كل يوم, لكن تخيل مشهد الزجاج عندما ينكسر, هكذا انا مهشم من الداخل بسبب البطالة التي طالت ايامها, والتي تعني ان اعيش عالة على الاخرين, ويعني ايضا ان لا اتزوج وان لا افكر في تكوين اسرة, حيث اصبح مشروع الحب والزواج مؤجل الى اشعار موعده بعيد, حتى عندما اتمرض علي ان اصبر اتحمل مرضي, ولا افكر بالذهاب للطبيب, فلا قدرة للعاطل على طلب العلاج.

الحقيقة كان كلامه مؤلماً ومحبطاً, وهو حقيقة بائسة تعيش عند الاف العراقيين, ولا تتغير مادام النظام الساسي على سلوكه المشين.

فقلت له محاولا رفع معنوياته: " ‏توقف عن أكل نفسك، ستمضي الأمور إلى حيث من المفترض لها أن تمضي بإذن الله, وسيبزغ فجر ذلك اليوم الذي تتغير فيه احوالك الى الافضل, فقط كان واثقاً من رحمة الله التي وسعت كل شيء, وانها ستصل اليك وتنتشلك مما انت فيه".

التفت الي والحزن باد على تقاسيم وجهه المتعب, وقال: "والنعم بالله القادر على كل شيء, لكن دعني احدثك عن نفسي قليلا, كانَ هُناك شيءٌ واحد تعلمته طوال تِلك السنوات وهو الصبر, في حين أنني أفهمُ الآن أنّ ما تعلمته لم يكن صبرًا وإنما قِلة حيلة, في ايام كنت اعتبرها صبراً, كنت اواسي نفسي وارمي خيباتي على الصبر".

سكت قليلا ثم همس باذني وانفاسه تتقطع كأن نارا تستعر في داخله, فقال : "أنا متعب من المكوث في المكان الخطأ، ومحبط لأنه عليَ التعايش مع الأشياء المتاحة التي لم ارغب بها ابداً، اني متعب من الحمل الثقيل الذي تجره روحي كل يوم, يا اخي مؤلم أن نعيش هذا الكم الهائل من الخيبات، في مرحلة يقال عنها زهرة العمر".

كان لدي كلام كثير, كلمات بليغة, جمل مُنسقة وجاهزة, ولكنني فقدت صوتي, راقبت مضي الزمن وأنا صامت, ضاع عني ما اقول لهذا الشاب الواعي المحبط, ذو المنطق الشديد في سبك جمله, ثم استجمعت افكاري وقالت له: " لا تدع سفهاء السياسة واحزاب العهر يحزنوك, ويسرقوا منك ايمانك, فهذا رهانهم الاخير على اهل العراق, وهو ايقاعهم في مستنقع القنوط من رحمة الله, وهو مستنقع شديد الخطورة, انه منهج سياسي خبيث مازال مطبق منذ عقود في العراق, نعم ما مر عليك صعب وايام متعبة جدا ".

اقترب الباص الذي كان ينتظره, التفت الي كانه يريد ان يقول شيئاً يختم به حديثنا.. فقال: سيحدث امراً عظيما, فالظلم لا ينتج استقرار ولا هدوء, بل انتظر الزلزال وهو قادم لا محالة, وهو نتاج سلوك الساسة, فقط ندعو ان يحفظ الله الطيبين من كل مكروه".

اسرع بالقفز للباص ليجلس وحيدا في المقعد الاخير, وجه الشاحب ملتصق بالنافذة, وعينيه شاخصتان نحو السماء كانه في حالة دعاء.


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


اسعد عبدالله عبدعلي
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2020/10/23



كتابة تعليق لموضوع : حديث عراقي عاطل عن العمل
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net