8. إمامة إبراهيم (ع) ومرتبة اليقين.. الوحيد الخراساني
الشيخ محمد مصطفى مصري العاملي
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
الشيخ محمد مصطفى مصري العاملي

بسم الله الرحمن الرحيم
ابتلاء إبراهيم
كان البحث في هذه الآية (وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَاماً قَالَ وَمِن ذُرِّيَّتِي قَالَ لاَ يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ) (البقرة124)
وقلنا أنه ينبغي النظر في موضوع الآية و(من هو) و(ما هو) الذي يتعلق بذلك الموضوع؟ وبعد هذين الأمرين ما هي نتيجة الموضوع والمحمول؟
ما يستفاد من القرآن الكريم أن خلق الموت والحياة للابتلاء (الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً) (الملك2)
هذه سُنَّةُ الله تعالى بالنسبة للبشر.. (أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنا وهم لا يفتنون)
فإن عموم من يندرج تحت عنوان الناس العامّ قد خُلِقَ للفتنة والابتلاء، ليُعلَم من يخرج منه غانماً.. ولهذا المطلب حكمةٌ بنظر العقل والنقل تُستَخرَج من المعدن.. ينبغي أن يذهب الإنسان للاستخلاص شاء أم أبى، حتى تذهب الكدورات ويبقى الجوهر الخالص.. (الناس معادنٌ كمعادن الذهب والفضة).. جوهر الحكمة في الكتاب والسنة، ففي كل كلمة عبارة وإشارة..
(الناس معادن) ينبغي أن تُبتلى تلك الجواهر لتخلص وتطهر..
(إذا محصوا بالبلاء) كلمة سيد العلم والعرفان، والكلمة في سَفَرِهِ لعاشوراء هي هذه (الناس عبيد الدنيا.. والدين لعقٌ على السنتهم، فإذا مُحِّصوا بالبلاء قلّ الديانون)..
هذا أساس الحكمة عقلاً وكتاباً وسنة.
وذلك الابتلاء وتلك الفتنة ليس على السواء بالنسبة للجميع.. (يا كميل إن القلوب أوعيةٌ).. فالظرفيّة مختلفة، وكل ظَرفٍ يرى الابتلاء بمقدار ظرفيّته، لذا فإن المهمّ فهم هذه الآية..
لقد كتب العامة كل هذه التفاسير، لكن إلى أين وصلوا من سرّ هذه الآية؟
لقد اتّضح موضوع الآية إلى حدٍّ ما وصار معلوماً من هو إبراهيم.
هذه مقدمة بحث الإمامة في القرآن? وإذ ابتلى إبراهيم ربه..
المبتلي من هو؟ والمبتلى؟ والبلاء ما هو؟
ذاك الذي يختبر هو (ربه)، النكتة التي ينبغي أن يفهمها أهلها لفظ (ربه).. هو في الواقع رب الجميع.. رب الجمادات والنباتات والحيوانات والإنسان.. رب الإنسان بمراتب الإنسانية.. لذا فإن ربوبية الله تعالى لإبراهيم عليه السلام تختلف عن الربوبية بالنسبة لداوود..
المختبِرُ هو ربه.. تلك الربوبية تقتضي هذا الابتلاء..
أما المبتلى فهو مثل هذا العبد.. إبراهيمُ باني بيت الله، من كان مقامه مصلّى أهل المعراج إلى الله.. المبتلى مثل هذا.. فينبغي أن يُفهم عندما يكون هذا هو (المبتلي) وذاك (المبتلى) فعلى أيّ حدٍّ من العظمة سيكون الابتلاء؟ وما مورد الابتلاء؟
الكلمات التي ابتلي بها:
(كلمات): وعندما تكون الجملة في كلام الله نكرة تكشف عن عظمةٍ لا تدرك ولا توصف.. فهي فوق معرفتنا نحن..
ما هي تلك الكلمات؟ للمفسرين أقوالٌ في ذلك لكن ليس عند أحدهم دليل.. أخذوا عن ابن عباس والجبائي وآخرين.. ولكن ما ادُّعِيَ كان دون دليل..
يجب أن يستند المطلب إلى القرآن الكريم وبيان أهل البيت (إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً) [الأحزاب33]
فيجب النظر في ما قاله أولئك المطهرون عن الخطأ والمفسِّرون لكلام الله..
الكلمة الأولى: اليقين وذبح اسماعيل
ما في الباب الخامس من خصال الصدوق.. تبدأ تلك الكلمات من هنا.. فضمُّ الرواية إلى بيانِ الإمام ينير لنا..
أولاً.. في هذه الكلمات يقين.. وهي أعلى المراتب في الكمال العقلي..
وإذا خرج الإنسان من الوهم يصل للشك.. والشك هو تساوي الطرفين المحتمَلين.. ثم تصل النوبة للظنّ وهو النقطة المقابلة للوهم، وهو الرجحان.. فالمرجوح وهمٌ والراجح ظنٌّ ومتساوي الطرفين شكٌّ..
فيُبتلى الفكر أولاً بالوهم، ثم يترقى فيصل للشك، ثم يترقى فيصل للظن، وبعد وصوله للظن (إن الظن لا يغني من الحق شيئاً)
ما هي مرتبة الكمال عقلاً؟
بعد ان يتجاوز الوهم والشك والظن ويصل الى مقام اليقين.. وهو أقل ما قُسِمَ بين الناس.. (وبالآخرة هم يوقنون)
فأوّل كلمة من بلاء إبراهيم كانت مع اليقين.. ويقينه من أين بدأ؟ وأين انتهى؟
للأسف فان الفخر الرازي والعامة لم يشموا رائحة هذه الحقائق!
فسروا الآيات لكنهم لم يفهموا الكلمات، لا بتمامها ولا بنتيجتها وهي (جَعلُ الإمامة).
وبالعودة للقرآن الكريم.. لم يكن ذلك اليقين لَعِباً .. فمن أين جاء؟
يجب قراءة متن الآيات المباركة لأن للترتيب خصوصيات.. قال تعالى: (وَكَذَلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ) [الأنعام : 75]
ما هو الملكوت؟ حتى نفهم بعد ذلك الإرادة..
اقرؤوا سورة يس.. (سبحان) التسبيح في البداية، وفي كل مكان يشرع فيه بالتسبيح يكون المطلب مهماً جداً ونموذجه هذا (سبحان الذي أسرى بعبده ليلاً) فبدأ بالتسبيح.
(وَكَذَلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ) وتُبَيِّنُ سورة يس عظمة هذا الملكوت: (فسبحان الذي بيده ملكوت كل شيء)
لكل شيءٍ ملكوت، فما هو ملكوت السماوات؟ ملكوت كل الكواكب والمجرات؟ ملكوت كل ذلك قد أري لإبراهيم..
فقد وصل بصرُ وبصيرة إبراهيم من الأرض للعرش.. أري هذه الملكوت ثم وصل الى هذه: (وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ) [الأنعام : 75]
وللبحث تتمة
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat