الإسلام وجذوره الثقافية
يحيى غالي ياسين
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
يحيى غالي ياسين

جاء النبيُّ الأكرم صلوات الله عليه بشريعة الإسلام ، وهذه الشريعة في الوقت الذي صُممت فيه وفق مقياس تكون فيه شريعة الله في البشرية الى آخر عمرها ، فإنها ايضاً لم تنفصل عن ماضي البشرية ، بل جذور هذه الشريعة الغراء الثقافية ممتدة في ماضيها الى اول وجودها على هذه الأرض ..
وتعددت تلك الجذور وتشعبت بتشعب الثقافات البشرية ، فمن حيث الثقافة الدينية نجد ان تعاليم الرسول الأكرم صلوات الله عليه وصفات دعوته ورسالته موجودة في الديانات السابقة ، قال تعالى { الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلَالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ ۚ فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ ۙ أُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ } الأعراف ١٥٧ ، حيث ورد في تفسير الاية ان الرسول مكتوباً عندهم بنعته وصفته ، اي يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر .. الخ .
وقال تعالى { شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّىٰ بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَىٰ وَعِيسَىٰ ۖ أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ ۚ كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ ۚ اللَّهُ يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ يُنِيبُ } الشورى ١٣
وأمّا من حيث الثقافات الاجتماعية والموروثات الشعبية فإنّ شريعة الإسلام قد فتحت لها باباً واسعاً مادامت لا تتقاطع مع حكمة وأهداف الدين ، قال تعالى { خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ } الأعراف ١٩٩ في الميزان : والعرف هو ما يعرفه عقلاء المجتمع من السنن والسير الجميلة الجارية بينهم بخلاف ما ينكره المجتمع وينكره العقل الاجتماعي من الأعمال النادرة الشاذة ..
واستطيع القول أن اكبر جذر ثقافي للدين هو الواقعية البشرية ، فالشارع المُقدس هو الأعرف بطبيعة الإنسان والظروف المحيطة به ، وهو الأعرف بإمكانياته ومصلحته ، وهو الأخبر بكل ما يُصلحه ويدبر أمره .. فلا يتبع المثالية المُفرطة ، ولا يتخذ اسلوب التجربة والخطأ ، وانما كل ما جاء به فهو نابع عن الحقيقة نفسها .. قال تعالى { وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ ۖ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ } ق١٦ .
لم يأت رسول الله صلوات الله عليه ببدعة دينية ولا اجتماعية وانما جاء بما يستانس له العقل الإنساني وبما جاء به جميع الرسل .. وهذا الأمر - الأصل والجذر الثقافي للرسالة الإسلامية - يُعتبر من أفضل ابواب الدعوة الى الإسلام وأهمها على الإطلاق ، فهو يُغني عن اثبات الدين بالمعجزة ويُغني عن السيف لمن أتقنه واجاده ، خاصةً في الزمن المُعاصر الذي تبيّن فيه للجميع الأهداف العامة للبشرية والمصالح المشتركة لها ونقاط الالتقاء بين افرادها وشعوبها ..
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat