صفحة الكاتب : محمد حسن الساعدي

نظام اللصوص أم لصوص النظام!
محمد حسن الساعدي

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

لم يشهد التاريخ العراقي الحديث طريقة للسرقة المباشرة وفي وضح النهار، كما حصل معنا هذه السنوات.. فالباحث يسمع أن السرقات التي تمت خلال عهد نظام صدام وتهريب أمواله إلى الخارج بلغت حوالي خمسين مليار دولار كما تنقل دوائر مقربة من الجهات المعنية بإستعادتها، وعلى طول فترة حكم الطاغية لم تتعدى هذا المبلغ..
على الرغم من حجم الهدر في المال العام في زمن الطاغية، إلا أننا اليوم نتحدث عن مبالغ لايمكن عدها أو جردها، فبحسب دائرة الرقابة المالية والتقارير الغربية فان عديد المبالغ المهربة عام 2003 قد تبلغ 455 مليار دولار،توزعت بين دول الشرق الأوسط وبعض الدول العربية والمصارف الغربية، ناهيك عن الأملاك المشتراة والأموال العينية..
يعتبر البنك المركزي العراقي من أهم بوابات الاختلاس والسرقة، ومن خلال مزاد العملة، حيث تتم عملية التزوير للمشاريع وعمليات الشراء للعملة لمشاريع وصفقات وهمية وبأوراق مزورة، وتنسيق عالي جداً بين أصحاب المصارف الأهلية والمتنفذين في البنك المركزي ومن ثم تحويلها إلى الخارج.. علماً إنها مبالغ لمشاريع لاوجود لها على أرض الواقع، ومن ثم تهريبها من خلال البوابة الثانية ألا وهي مطار بغداد الدولي.. الذي يعد أهم بوابات التهريب، إذ تسيطر عليه مافيات كبيرة وعصابات للفساد والسرقة وتحت غطاء ونفوذ سياسي وكأنه نظام سياسي للصوص..
ملف تهريب الأموال من الملفات الكبيرة جداً والشائكة والتي لايمكن لأي حكومة أن تفتح هذا الملف بسهولة، لأن غالبية الجهات مشتركة في هذا الملف والذي يسيطر عليه سياسيون كبار..
عملية غسل وتهريب الأموال إلى خارج البلاد معقدة وتبدأ من خلال مزاد بيع العملة عبر الفواتير المزورة، خصوصاً وأن المصارف الأهلية التي تأخذ أموالاً من مزاد بيع العملة، لها الحق والصلاحية في الاستيراد مما يسمح باستيراد مواد غير رسمية وقانونية، وهذا هدفه غسيل الأموال وتهريبها خارج البلاد لذلك فان المشكلة- العقدة تكمن في هذه الحلقة.
غياب الرقابة المالية عن هكذا ملفات خطيرة هو من أهم الأسباب التي أدت إلى تفشي ظاهرة تهريب الأموال ، إضافة إلى الغطاء السياسي الذي يحمي هذه العصابات المالية التي تفننت في طريقة تهريب المال العام إلى الخارج..
غسيل الأموال جريمة عصرية يحاربها المجتمع الدولي، بكل مكوناته وطبقاته، واتفقت معظم الدول على مكافحة هذه الظاهرة نتيجة للآثار السلبية التي تتركها، على الإقتصاد وحركة المال.. لذلك عمدت لوضع التشريعات والقوانين التي تحرم هذه العمليات، ولكنها قد تكون قاصرة فتؤثر على عمليات التحقيق وتعوقها وخصوصا في الدول النامية وابتي تعاني من مشاكل بنيوية كالعراق، والذي يتطلب منه سن القوانين والتشريعات، التي تعاقب بأقصى العقوبات بالسجن والغرامة والمصادرة لمرتكبي تلك الجرائم.. والتعاون والتنسيق بين مؤسساته المالية والمصرفية، والتشريعية والأجهزة الأمنية وكذلك تنسيق وإجراء الاتفاقات الدولية، لضمان التعاون الدولي والإقليمي.
الحلول كثيرة وممكنة، لكن أهمها فرض ضريبة كمركية تقديرية مرتفعة على الرسوم والبضائع المنوي استيرادها إلى البلد، والمراد تحويل الأموال إلى الخارج لغرض شرائها عن طريق شركات الاستيراد والتصدير، وكذلك التأمين على المبالغ المراد تحويلها، والتأكد من دخول البضائع إلى البلد وكذلك فرض التعرفة الكمركية المسبقة، قبل ورود البضاعة وإعادة الفرق بالضرائب والتامين والرسوم المفروضة إلى التاجر عند ورود البضاعة إلى البلد، وذلك لمنع حالات تهريب الأموال وغسلها عن طريق الاستيراد الصوري.. ناهيك عن تطوير قوانين سرية الحسابات المصرفية، وتدريب العاملين في المصارف والمؤسسات المالية وغيرها، على الأساليب الحديثة لكشف محاولات غسيل الأموال والإبلاغ عنها، وزيادة التعاون الدولي والمساعدة القانونية في التحقيقات والملاحقات القانونية المتعلقة بغسيل الأموال، وتسليم وملاحقة المطلوبين في قضايا غسيل الأموال عن طريق الشرطة الجنائية الدولية (الانتربول ) وكذلك عقد الاتفاقيات الأمنية مع الدول وخاصة الإقليمية ودول المنطقة.
وضع نظامنا الحالي يشبه لعبة وضعها اللصوص لتحميهم، أو أنه نظام متهريء وفاشل مليء بثغرات يعتاش عليها اللصوص.. ويجب تغييره.


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


محمد حسن الساعدي
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2020/09/16



كتابة تعليق لموضوع : نظام اللصوص أم لصوص النظام!
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net