صفحة الكاتب : محمد جعفر الكيشوان الموسوي

آداب مجالس الذكر والعبادة.. إزدراء صغار السن!
محمد جعفر الكيشوان الموسوي

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

يتحدث ويكتب الكثيرون من علماء نفس ومفكرين ومرشدين تربويين ومعلمين وأولياء أمور عن الطريقة الفضلى والأسلوب الأمثل لتربية الطفل والإهتمام به ليكون عنصرا نافعا ومفيدا في المجتمع والوسط الذي يعيش فيه. لكن ليس بالضرورة ان كل ما يُكتب ويُقال ينطبق على جميع الأولاد جملة وتفصيلا. أحد علماء النفس الأمركيين يقول: كانت لدي ست نظريات لتربية الأطفال أدرسها في معهدي ويدرسها الأساتذة في الجامعات بعد تخرجهم، الآن عندما تزوجت وأصبح عندي ستة أولاد لم أجد ولا نظرية واحدة تنطبق على واحد منهم فكيف كنت أدرّس تلك النظريات يتساءل ذلك العالم النفساني. واقعا من السهل أن نكتب ونؤلف كتبا ونحاضر ونتكلم لساعات طويلة عن أسس تربية الأطفال والأعتناء بهم لكننا قد لا نوفق في تطبيق ما كتبناه وتحدثنا عنه. سألني أحد الأصدقاء بعد كتابتي عن موضوع الطلاق: أيّ نظرية يمكن إعتمادها للتعامل مع الزوجة من أجل حياة زوجة ناجحة؟ قلت: ليس هناك نظرية جامعة لكل النساء فلكل امرأة نظرية خاصة بها تستنبطها من خلال معاشرتك لها وتعاملك معها. نشرح أكثر: هناك زوجة تعتبر الزوج الحاسم والحازم بأنه صعب المعاشرة فهو غير متسامح وغير مجامل في بعض الأحيان إن لم يكن في أغلبها، وهناك زوجة تعتبر الزوج المتسامح والمتفهم هو ضعيف الشخصية وغير حازم في إتخاذ القرارات وانه في كل خطوة يشاور الزوجة ويشاطرها الرأي وهذا ليس من إختصاصها ولا يليق بأنوثتها حسبما تزعم يعني (شو جاب لجاب!)، وزوجة ثالثة تعتبر الزوج الديكتاتور والمتزمت الفظ الغليظ هو يمثل الرجولة والشجاعة والصلابة خير تمثيل وهو يستطيع ان يحمي الزوجة داخل البيت وخارجه مما يشعرها بالسعادة والإطمئنان والأمان فهي محمية في كنفه ومصانة في حماه. في حين ان الزوجتين في المثالين السابقين يعتبران الزوج في المثال الثالث هو عبارة عن إنسان متخلف وجاهل ويبه الوحش الكاسر وليس مدني الطبع  ولا يفهم إلاّ البطش والإنتقام. دليلنا على ذلك هو: ألاّ توجد زوجات لبثن من عمرهن سنين وعاشرن ظالمين ومستبدين؟! بلا شك لسن كلّهن كآسية بنت مزاحم زوجة فرعون التي طلبت من الله ان يخلصها من فرعون وعمله. ربما قد هلك بعض الظالمين ولا زالت زوجاتهم يتذكرن حلاة أيام الصبا والوجد والغرام والقرب من أولئك الذين طغوا في البلاد فأكثروا فيها الفساد. مِن الزوجات مَن إن نهرها زوجها وتكلم معها بشكل يخدش كبرياءها وعزتها فإنها تحمل حقائبها وتغادر بيته فورا وأحيانا من غير رجعة. ومِن الزوجات مَن تعتبر ذلك حقا طبيعيا للزوج فتخنع لتزداد ضعفا ويزداد هو تهورا وعنادا. إذن ليس هناك من نظرية جامعة لكل الأزواج إلاّ التراحم والتفاهم والتسامح، أي بناء أسرة طبق تعاليم المنهج الرباني والشريعة السمحاء. لست بصدد الخوض والتعمق في هذه الفقرة هنا في هذا المقال. الذي أريد أن الفت نظر القاري الكريم إليه هو أن بعض أولياء الأمور الذين عنيتهم في المقدمة ليسوا جادين في مقاصدهم ولا يتبنون منهجا عمليا صحيحا في رعاية الطفل منذ نعومة أظفاره، في مجتمعنا تجد حيزا واسعا من التناقضات والشخصيات التي تنشط في القول دون الفعل وفي الخطابة دون العمل وفي النظرية دون التطبيق. الطفل بالنسبة لهم بضاعة ومقتنى عليهم ان يعرضوه بمظهر يبهر الأبصار ويحصل على المزيد من الـ (لايك) وبالتالي ينالون به نصيببهم من المديح والثناء. في مجالسنا تُنسف كل نظريات تربية الأولاد وتسحق كل أركان شخصية الطفل وكأنه شرٌّ يجلس بين أخيار أو نجس بين أطهار، فالكل يتجنبه ويبعده عنه بإيماءة غير مهذبة لما يصحبها من عبوس وتقطيب حاجبين، بل أن البعض ـ وهم كثير ـ لا يرد عليه السلام. قلت لأحدم أنت كمن يعيش في جاهلية وأد البنات إلاّ أنك تأد الأولاد نفسيا بهذه التصرفات المستهجنة ومنها:

گوم عن عمك..(تنحَ عن عمِك)

عبارة وتصرف لا تليق بمن يحضر مجالس الذكر والعبادة. إنها لا تعكس أخلاق الإسلام في التعامل مع صغار السن والأحداث ناهيك عن نتائجها السلبية الوخيمة والتي منها إنكسار شخصية الطفل وتحطمها ليشعر بعدها بأنه وضيع وتافه ولا قيمة له البتة، مما يسبب له عقدا نفسية يصعب علاجها بمرور الوقت، كعقدة الشعور بالحقارة والتلعثم والخجل وعدم الشعور بثقة النفس والجبن وربما العدوانية وغيرها الكثير. يؤكد علماء النفس أنه بالإضافة إلى الأم فإن للأب والأقارب والبيئة  كذلك ما لا يستهان بها من تأثيرات جلية في بناء شخصية الطفل منذ الشهور الأولى. يقول مايكل لامب وهوعالم نفساني من جامعة كامبريدج والذي يدرس دور الأباء منذ سبعينيات القرن الماضي: "كنت أحاول أن ألفت الأنظار طيلة خمسة وأربعين عاما إلى وجود علاقات أخرى ـ غير الأم ـ مهمة تسهم في تشكيل شخصية الطفل منذ الصفر". وأقول أنا العبد الفقير: أربعون عاما من الجهد الجهيد بعون الله وتوفيقاته حتى تمكنت أن ألفت أنظار الكبار ـ سنّاً ـ بأن يردوا التحية على الصغار في المجالس وأن يكفوا عن إهانتهم أمام الآخرين. أن يقوم الصغير إحتراما للكبيرمن تلقاء نفسه، ليس كمن يمسك بتلابيب الصغير ويزجره قائلا: هذا ليس مكانا مناسبا لك، خاصة ونحن في مجلس الذكر والعبادة!

 كثيرون يؤكدون على حسن تأدب الصغار في حضرة الكبار ويشرحون بتفصيل وإسهاب كبيرين النقاط التي يجب على الصغار مراعاتها أثناء تواجدهم في المجالس، لكنهم يغفلون أو ربما يتغافلون عن نقاط وأخلاقيات التعامل مع الأطفال وخاصة المحترمين منهم. أحسب أن أي طفل يحضر مجالس الذكر والتعزية هو جدير بالإحترام بكل معنى الكلمة، وعلينا الإعتناء به وإستقباله بشكل لائق يعكس إنسانية ديننا والمنهج الرباني القويم. نركز في أدبياتنا ومحاضراتنا وكتاباتنا على واجبات الأولاد، وأن إحترام الصغير للكبير هو من حسن الإيمان والتدين ومن الأخلاق الحميدة التي أكّد عليها الدين الحنيف، وننسى أو نتناسى واجبات الكبار واولياء الأمور في الإحسان للصغار والعطف عليهم وحسن تربيتهم وعلى رأسها وفي مقدمتها حسن تسميتهم منذ الولادة، ننسى ذلك ولا نريد أن نخوض فيه كالذي يحث الفقير على القناعة بالقليل وأن يصبر الصبر الجميل ولا يذكر التبذير والبذخ وهدر المال بكماليات الحياة وهناك بجواره من لا يجد حيلة لأساسيات الحياة. أمر مؤسف جدا!

ناقشني أحد الأوربيين المعنيين بالتربية والتعليم وقال بالحرف الواحد: نحن نعتني بالطفل منذ مرحلة الحضانة فنوفر له الأجواء المناسبة ووسائل التعليم الحديثة ومن جملتها: إلعب وتعلم بدل اللعب غير الممنهج. تبسمت وهو يواصل التفاخر، فتوقف وسألني عن سبب تبسمي؟ قلت: الإسلام سبقكم في هذا بكثير فنحن نعتني بالطفل وهو جنين في بطن أمّه فهناك مستحبات يواظب الوالدان عليها مثل قراءة القرآن بصوت رفيع وكذلك الأدعية المأثورة عن أئمة أهل البيت صلوات الله عليهم وهذه الأعمال هي طيلة أشهر الحمل، برنامج تربوي شامل ومتكامل وهو جنين في بطن أمه، أما بعد الولادة وحينما تطأ قدماه الأرض فقد سبقناكم كذلك: نكبر في أذنه اليمنى ونقيم في أذنه اليسرى ونحسن تسميته بحيث لا يكون إسما يشعره بالخجل والإشمئزاز منه عند البلوغ، كما أنه يستحب للوالدين أن يكنوه، وبعدها يبدأ البرنامج التربوي التالي، وهكذا برامج مدروسة بعناية وخالصة من كل شائبة وشاملة لكل مستجد من طرائق التربية المعاصرة وفق المنهج المعمق للشريعة السمحاء.

قبل عدة سنوات وفي مناسبات مختلفة طلبنا من الوالدين وأواياء الأمور بأن يصحبوا أولادهم في المجالس وليس إلى المجالس، فالمهم هو تواجد الأطفال المحترمين في المجلس ونحن سوف نعتني بهم ونحترمهم ونشجعهم على الحضور وحسن الإستماع. مؤسف مرة أخرى أن نسمع بعض الخطباء يطلب من القائمين بأمر ذلك المجلس ان يخرجوا الأولاد خارج القاعة أو خارج المسجد. في المقابل أنحني إجلالا وتقديرا وتكريما لذلك الخطيب الرائع المسؤول والواعي الذي يطلب أن يحضروا له الأولاد الصغار ليجلسوا في الصف الأول ليراهم ويرونه ويستمعون له كما أنه قد خصهم ببعض التوجيه والنصائح.

المجالس مدارس..

لكن ليس للكبار فقط وكما يُشاع عن الحج في مجتمعاتنا بأنه لكبار السن وللعجزة والشيبة. سألت أحد الشباب عن عدم ذهابه للحج وهو مستطيع له؟

قال: لم يحن الوقت بعد.

. قلت: ومتى يكون وقته؟

 قال: إن أبقاني الله تعالى من ستين عاما فما فوق.

 قلت: لماذا؟

قال: أخشى أن اذهب للحج الآن وبعد عوتي أرتكب المعاصي فيكون حجي بلا فائدة. مضحك حقا!

إن إزدراء الأطفال وربما طردهم من مجالس الذكر والعبادة له تأثيرات جد خطيرة خاصة ونحن نعيش عصر الأمراض النفسية من تنمر وكآبة وتوحد مع قلة المصلحين والمهتمين في مجتمعاتنا. جلنا تشغله هموم السياسة والخوض فيها صباح مساء دون إصلاح يذكر. نحن مختصون في تشخيص العلل ووصف الدواء لكن من يا ترى يكون العليل؟!

اليوم نكررفقط ما قلناه قبل عدة سنوات بأن المجتمع بحاجة لمصلحين يتبنون هؤلاء الأطفال والأحداث والأخذ بأيديهم إلى بر الأمان ومحاولة إنقاذهم من أمواج هذا البحر المتلاطم من الفتن والمصائب والمصاعب. لا اريد أن أبدو حريصا على الأولاد اكثر من ذويهم لكني في الحقية مهتم بأمرهم فالكل أبنائي وإخواني الصغار ـ سنّا لا مقاما ـ. سأذكر شيئا عائليا شخصيا: سألني أحد المعارف عن سبب ثقتي بزوجتي منذ الأسبوع الأول من زواجنا؟ قلت: أبدا فأنا لازلت في أول أسبوع ولم أتعرف إلى هذه المخلوقة المحترمة بما فيه الكفاية لكني أثق بنفسي جيدا وهذا يكفي أن يجعلني بعيدا عن وساوس الشيطان الغوي.

 ان النشأة السوية والرعاية الحسنة والإستماع للصغار والتحدث مهم وعدم إهمالهم في المجالس بكل عناوينها يسهم في بناء شخصية سليمة معتبرة خالية من العقد والشعور بالحقارة، شخصية متكاملة البناء والأركان لا تهتز عند العواصف وتلاطم أمواج ذلك البحر سالف الذكر. عكس ذلك هو إهمال الأطفال وتوبيخهم أمام الآخرين لأتفه الأسباب وأحقرها وإبداء عدم الرضا مهما أحسنوا التأدب وأجادوا العمل والتصرف، معاملة كهذه وما يشبهها كفيلة ببناء شخصية متناقضة مضظربة حتى لو أصبحت هذه الشخصية عالم نفساني أو بروفسور في علم النفس ورئيس قسم في الجامعة. بل ان البعض يدرس علم النفس ليداوي نفسه المريضة ولا يفلح في ذلك وما أكثر هؤلاء، تجدهم على شاشات التلفاز ومحطات الراديو وتعج بهم المواقع أمّا قنوات اليوتيوب فحدّث ولا حرج إلى حد التقيأ حاشا القاريء الكريم. وإلاّ فما قولك في عالم نفساني يحشر أنفه في كل شيء فتارة يصب جام غضبه على الحجاب وتارة يلدس في بعض الآيات وتارة يوجه سهامه لكل متدين أو صاحب مبدأ ومن ترهات هذا البروفسور النفساني قوله: الزوجة تصل إلى قلب الرجل عن طريق معدته!! أليس هذا البروفسور مَن يحتاج إلى علاج نفساني يعلمه أن العلاقة الزوجية هي ليست كما حضيرة الحيوان أجمل ما فيها علفها، إنها علاقة روحية وصفها الحق سبحانه بالسكن والإطمئنان "وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ إِلَيْهَ" فاين هذا من ذاك. علاقة يسودها الود والتراحم والتسامح والتعاون "وَمِنْ آَيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً". التعاون أعني به عكس قول هذا العالم النفساني: قد يصل الزوج إلى قلب الزوجة عن طريق مساعدتها بإعداد لقيمات يتقوون بها على أمر الدنيا والآخرة، فأين الثرى وأين الثريا يا بروفسورنا المحترم؟! ثم بعد ذلك "هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ". كل هذه القيم والأخلاق وقوانين وقدسية وروحية العلاقة الزوجية نسفها بروفسورنا ال وإختصرها بصحن الباجة وتمن وقوزي وطرشي الحبوبي وكباب أبو علي!!!

 

نسأل الله العافية


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


محمد جعفر الكيشوان الموسوي
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2020/09/14



كتابة تعليق لموضوع : آداب مجالس الذكر والعبادة.. إزدراء صغار السن!
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net