من أوراق كربلاء ( ١١ ) الورقة الحادية عشر : العبّاس بشخصيته النورانية
يحيى غالي ياسين
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
يحيى غالي ياسين

شجاعة العباس من المسلّمات التاريخية ، حتى سميّ في إحدى معارك أبيه عليه السلام بسبع القنطرة رغم صغر سنّه وقتها ، وجمال العباس معروف ومشهور ، في مقاتل الطالبيين : كان العباس رجلاً وسيماً جميلاً .. وكان يُقال له قمر بني هاشم .
للعباس بسطة في الجسم حتى أن الاخبار تقول انه يركب الفرس المطهّم فيخطان رجلاه الأرض ، كان مُهاباً ويُحسب له في ساحات الرجال الف حساب حتى أن مالك الاشتر المعروف بشجاعته القلبية يقول بما مفاده : من رمقة واحدة رمقني بها العباس دخل قلبي خوف لم أعرفه من قبل على اثر اعتراضه على تكليف العباس من قبل ابيه ع بمهمة قتالية في احدى المعارك .. أبوه وأمه واخوته هم فخر العرب والعجم ..
كل هذه الاوصاف انما تدور حول ظاهر العباس وشخصيته المشاهدة والمحسوسة ، واما جانبه الآخر ، شخصيته العميقة ، ايمانه وعلمه وسموّ نفسه وذوبانه في الدين والعقيدة فهذا هو الجانب الغائب عنّا في الغالب ، الشخصية النورانية للعباس هي الجهة التي لا تظهر لنا بوضوح عادةً ..
وخير مَن يؤخذ منه هذا الجانب هو كلام المعصوم ، سواءً كأخبار وروايات واردة أو كزيارات لقبره الشريف ، ومما جاء في ذلك :
+عن الإمام الصادق ع : كان عميّ العباس نافذ البصيرة ، صلب الإيمان .. ( عمدة الطالب ص٣٥٦ ) .
صفتان لأبي الفضل العباس في هذه الرواية بتوقيع الإمام الصادق يوضحان لنا تفاصيلاً مهمة لشخصية العباس النورانية ، الأولى : نافذ البصيرة ، عين البصر في الرأس واما عين البصيرة في القلب ( ما يشمل العقل والقلب والروح .. ) ، عين البصر ترى ظواهر الاشياء بينما عين البصيرة ترى حقائق الأمور ، عمى البصر تعبير مجازي والعمى الحقيقي هو عمى البصيرة والعياذ بالله ، قال تعالى ( أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا أَوْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا ۖ فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَٰكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ ) الحج ٤٦ .
ولقد وصف الإمام بصيرة ابي الفضل بأنها نافذة ، اي قوية وتصل الى مستويات عميقة من الحقيقة .. ولمّا كانت المعرفة وكشف الحقائق تحتاج الى قوّة ثبات وصمود والتزام بلوازم تلك المعرفة ، نجد أن الإمام ألحَقَ هذه الصفة بصفة أخرى يتسم بها العباس عليه السلام وهي صلابة الايمان : فليس كل من عرف الحق التزم به ، ولا كل من كُشفت له الحقائق اطمئن لها .. فكان الايمان هو العنصر الذي يجعل من تلك المعارف التزامات ثابتة ومواثيق راسخة عند المتصف به ..
ومن دلائل هاتين الصفتين في الشخصية النورانية للعباس ع هو تسليمه المطلق لأبي عبدالله ع في قضيته ، فكان أخوه وقائد معسكره الا أننا لم نسمع منه رأياً أو اعتراضاً او حتى استفسارا ، كان في خدمة العيال وفي طاعة الإمام ، تفانى في ذلك حتى أعطى من اجله كل ما يملك ، اخوته من أمه ، كفيه وساقيه وعينه ، ثم روحه الطاهرة ..
+ أما زياراته ففيها الكثير من تفاصيل الشخصية النورانية لأبي الفضل ، وهكذا هي زيارات أهل البيت عليهم السلام ، ففيها من المعارف والعلوم والاخبار والمواصفات المتعلقة بهم الكثير ، والزيارات من ابواب معرفة الائمة ع وذراريهم واصحابهم ، فمما جاء في زيارة ابي الفضل مثلاً : السلام عليك ايها العبد الصالح - اشهد أنك مضيت على بصيرة من أمرك مقتدياً بالصالحين ومتّبعاً للنبيين + لعن الله أمةً استحلّت منك المحارم وانتهكت حرمة الإسلام + السلام عليك يا عباس ، يا ثابت الأساس ، ونور النبراس .. .
كل فقرة من فقرات الزيارة عبارة عن نافذة على مقام من مقامات ابي الفضل وكرامة من كراماته ومنزلة من منازله الإلهية ..
أمّا ما ناله ابو الفضل من شخصية نورانية ومنزلة عظيمة على أثر وفاءه وجهاده بين يدي ابي عبد الله فهذا ما لا يُدرك أو يُتصور ، فتصف الرواية الواردة عن الإمام السجّاد ع في حق عمه العباس : إنَّ لِلعَبّاسِ عِندَ اللَّهِ تَبارَكَ وتَعالى مَنزِلَةً يَغبِطُهُ بِها جَميعُ الشُّهداءِ يَومَ القِيامَةِ .
هذه مقتطفات من شخصية العباس النورانية ، والموضوع يحتاج الى دراسة موسعة وتستحق بذل الجهد وتتبع المصادر واستخراج كل ما يرتبط بذلك ..
عظم الله لكم الاجر بمصاب ابي الفضل عليه السلام
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat