العراق المصفح والفرقة الناجية
محمد كاظم
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
محمد كاظم

رويت هذه القصة عن مالك بن دينار وقيل عن الامام الشافعي وقيل عن العز بن عبدالسلام قاضي مصر كما رويت عن غيرهم وخلاصتها تتحدث عن أن رجل فقه وعلم ودين كان يحاضر في حلقة من مريديه وطلابه، وحين انتهى الدرس فوجيء الشيخ باختفاء مصحف مزخرف جميل كان يمتلكه ولم يحصل على اجابة شافية حينما سال عن مصحفه، في اليوم التالي خطب الشيخ خطبة في طلابه وفي كل حظور المسجد. ذكّر الجميع فيها بأهوال يوم القيامة وعذاب القبر. واطال الشيخ حتى بكا جميع جلسائه. خوفا مما سيلحق بالخطاة في يوم القيامة ، كانت دموع الجميع تتقاطر حتى بلل كل منهم لحيته بدموعه لفرط الورع . هنا قال الشيخ كلمته التي ذهبت مثلا "اذا كان كلكم يبكي. فمن الذي سرق المصحف؟ "
اتذكر هذه القصة وانا اتابع اخبار الموازنة العامة التي كانت مفاجئة من العيار الثقيل واجهها العراقيون. لا اقصد بالطبع مفاجئة المفخخات التي إنهالت على رؤسنا وملأت نهارنا بالدم والعويل والشظايا في نفس اليوم الذي كانت فيه ايدي السادة النواب ترتفع لتصوت على الميزانية . لكني أقصد مفاجئة تلك الأيدي التي ارتفعت لتصوت على بند مثير للجدل والاستغراب يقضي بتخصيص 60 مليار دينار لشراء سيارات مصفحة للسادة النواب لضمان حمايتهم .
تلك المفاجئة كانت أقسى من مفخخه تنفجر في شرايين الوطن الباحث عن خبر مفرح، واقسى من حزام ناسف لكل مانسمعه من حديث عن التضحية، وخدمة المواطن، وبقية معزوفات الحملات الانتخابية ومحفوظات الفضائيات التي تردد على مسامعنا، فممثلوا الشعب لايريدون ان يكونوا مثل الشعب الذي يمثلونه، فهم يريدون الاحتماء بالمصفحات تاركين الشعب الذي تلوك لحمه السيارات المفخخه، ليواجه مصيره.
ألم يفكر السادة اعضاء مجلس النواب في الرسالة التي يمكن ان يرسلها هذا القرار. ان شراء سيارات مصفحة بهذه الكيفية وبهذا الكم الا يعني بأن الجميع خائفون؟ ألا يترك هذا القرار انطباعا بأننا نعيش اجواء معركة. الا يطيح هذا القرار بكل حديث يجري ترديده ان استتباب الأمن.
الا يضعف هذا القرار من معنويات ثلاثين مليون شخص لاحامي لهم سوى الله، ألم يفكر احد بحماية هؤلاء الذين يتدرعون بصبرهم، ويتمترسون بأملهم، ويصارعون قسوة الحياة ويواجهون الموت اليومي بجلد عجيب.
الا يفت القرار الاخيرفي عضد مليون عراقي قبلوا التحدي وارتدوا زي العكسر وقرروا مواجه الارهاب ببنادق عتيقة وسيارات عادية وتجهيزات بسيطة؟
الا يمثل هذا القرار استفزازا لمشاعر ذوي الضحايا الذين يهنيء الدفّانون عوائل بعضهم اذا ماتمكنوا من دفن جثثهم كاملة لم تعبث بها الشظايا. هذا مانقله لي صديق دفن قريبا له، قال إن الدفان هنأه لأن جثة قريبة كانت كاملة، وأنه لم يضطر لدفن شهيد آخر بالتجزأه,
هل نجح الارهابيون في اخافتكم ايها السادة؟
هذا معنى قراركم الاخير. وهذا معنى الرسالة التي اوصلتموها الى الارهابيين. لقد نجحتم ايها الارهابيون في اخافتنا. وها نحن نقطع من قوت هذا المواطن الذي يتحسر على وظيفة وسكن وامبير كهرباء 60 مليارا لنشتري بها مصفحات، ننجو بها، ومن بعدنا الطوفان
. البعض قال ان السادة النواب هم شخصيات عامة، شخصيات نوعية، تصنع حاضر العراق وتخطط لمستقبله ، وهم مستهدفون، فلابأس من الموافقة على تحصينهم وحمايتهم وانفاق المليارات على شراء سيارات مصفحة لهم. لكن المشكلة ان الارهاب الذي يترصد الجميع لايفرق بين نائب وغيره، الارهاب لا يبحث عن ضحاياه، وليس لديه مقاييس نوعيه، وضحايا الارهاب ليس لهم درجات وعناوين وظيفيه، والمفخخات لاتعرف الفرق بين نائب وانسان بسيط، فكل شخص يسير على ارض العراق هو هدف محتمل. أليس هذا نوعا من الإخلال بالعدالة الاجتماعية ، وباباَ من ابواب التمايز الطبقي الذي يعزز مفهوم وجود فرقة ناجية من المفخخات. واخرى لامشكلة في ان تذهب طعاما للهب والديناميت وقناني الغاز المتفجرة المحشوة بالمسامير.والمسدسات الكاتمة
المولعون بالحسابات اكتشفوا ان هذا المبلغ يبني 150 مدرسة بمواصفات مقبوله، تنقذ الاف الاطفال الذين يدرسون في مدارس طينية وصرائف بالية من المطر وبرد الشتاء والوحل. اويستطيع تغطية حاجات ارامل العراق وايتامه لأشهر.
أليس من الاجدى ان يتم شراء اسلحه اوتجهيزات ومعدات عسكرية تساهم في حمايتنا جميعا مواطنين ونوابا على حد سواء
أليس من الأجدى تعزيز الجانب الاستخباري وتمويل مشاريع للحد من البطالة التي تفتح الابواب امام انخراط البعض في صفوف الجماعات المسلحة. ألم تشاهدوا اعترافات تلفزيونية لصبية اعترفوا بزرعهم عبوات ناسفة مقابل خمسين دولارا، كم عبوة ناسفة نستطيع ان نمنع زرعها بمبلغ شراء السيارات المصفحة،
وهل من الانصاف ان يتحمل المجتمع نفقات حماية نائب لايحضر جلسة مجلس النواب اصلا. ولماذا يدفع المواطن من قوت عياله ثمن الخوف على حياة نواب يغيب ثلثهم عن كل جلسه لأن بعضهم يأنفون من مناقشة مشاكل هذا المواطن الذي يريدون منه الان ان يدفع ثمن أمنهم الشخصي .
وفي ظل تداول معلومات واحاديث عن تورط نواب ومسؤولين في اعمال قتل بالكواتم والعبوات الناسفة، الا يستحق الامر ان نقلب الآية فنخشى نحن من بعض اعضاء مجلس النواب. لا ان نخشى عليهم .
كل الحديث الذي يجري تداوله حاليا في الشارع ووسائل الاعلام ليس غريبا لديّ رغم حدة الانتقادات الموجهه ضد هذا القرار.
الغريب والمدهش هو ان يتنصل السادة النواب من قرارهم هذا فاغلب الذي إلتقتهم وسائل الاعلام بعد التصويت على الموازنه كانوا ينتقدون تخصيص 60 مليار دينار لشراء سيارات مصفحة. الامر الذي يثير الاستغراب . فاذا كان الجميع يرفض هذا البند فمن الذي صوت على الموازنه؟ واذا كان كلكم يتباكى على مصالح العراقيين فمن الذي سرق المصحف؟
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat