من نزع الاسلحة النووية الى انفجار بيروت..
نعمه العبادي
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
نعمه العبادي

غفت مدينة الحب (بيروت) على وجع الانفجار الرهيب الذي ضرب مرفأها ودمره بالكامل فضلاً عن اضرار ندر أن خلا منها بيت في العاصمة، وتركت آلاف القتلى والجرحى، وهي رزية تصيب لبنان في اصعب ظروفه وحالاته، حيث الانهيار شبه التام لاقتصاده وعملته، وانقطاع الكهرباء، وتعطيل معظم الخدمات فضلاً عن الاحتباس السياسي، الامر الذي يفاقم من اوضاعه السيئة خصوصا مع الحديث عن الخراب الكامل للمرفأ، وضرورة البحث عن بديل له في دول مجاورة، ولا شك في أن ميناء اللاذقية في سورية هو الخيار الانسب، فمن غير المعقول ان تكون موانيء اسرائيل بديلا لمرفأها، على الرغم من ظهور اصوات نشار خلال دوي الانفجار تدعو إلى هذا الخيار.
المؤشرات الاولية تتحدث عن أن الانفجار تسبب عن وجود شحنة عملاقة من مادة النترات شديدة الانفجار تفوق ال (١٥٠) طناً مركونة منذ سنوات بجوار المرفأ، ويذكر ان الجهات الامنية رفعت تقريراً منذ اشهر، اشارت فيه، ان هذه المواد تهدد مدينة بيروت بكاملها، ولكن لم يتم اتخاذ ما يلزم بصددها إلى ان وقعت الكارثة.
اعاد هذا الحادث الجلل، الجدل الواسع الذي شغل العالم اثناء وبعد ما سمي بالحرب الباردة، وسباق التسلح، وتصاعد الترسانة العسكرية وتخزينها في مناطق مختلفة من العالم، وما سمي بالتوازن النووي، وهي نشاطات اخذت من الاموال والجهود والارواح ما لا يمكن تخيله، ولا تزال دعوات نزع الاسحلة بكل اشكالها تراوح محلها دون اصغاء لصوتهافي ظل اندفاع اكثر من دولة وطرف للمزيد من التسلح وبإنفاقات بآلاف مليارات الدولات، والسعي لامتلاك السلاح النووي في ظل جوع وفقر وامراض ومصاعب حياة تضرب معظم الكرة الارضية.
ان زلزال كورونا اعاد تعريف الخطر والقوة والامن والهيمنة والتوازن والكثير من المصطلحات التي كانت تفهم بشكل مختلف في ظل مفهوم سبق التسلح وتوازن الردع والقوة التقليدية، وهو امر ينبغي ان يعاد في ظله التفكير الجدي فيما يتعلق بالرغبة الجامحة لامتلاك الاسحلة وتخزينها، ووضعها كأقدار متيقظة ومهيئة لحصاد ملايين الارواح في معارك خاسرة لا يمكن ان يظهر فيها الغالب من المغلوب.
مما لا شك فيه، فإن هناك ألف عنبر وعنبر من الاسلحة والمتفجرات والمواد الخطرة المخزنة الآن بالقرب من مدن وبلدات وعشرات آلاف التكتلات السكانية، والتي تجعلها مصدراً لموت جماعي ودمار كلياً في اي لحظة خطأ، وما اكثر هذه اللحظات في ظل عالم لا يكترث كثيراً لشروط الامان والسلامة.
ان هذا الحدث الجلل، مدعاة حقيقية لكل الاطياف اللبنانية ان تفكر بمنطق الضمير والوعي بل وحتى المصلحة، لتعيد النظر في مسلسل الخراب السياسي والامني الذي لا يزال يعرض على ارض لبنان منذ عقود، وينخرط المعظم في بطولته دون اكثراث، ويتم تبادل الادوار فيه بشكل منظم في ظل اعداد وانتاج خارجي لا ينفك ان يزيد من إوار النار التي تلتهم لبنان كل لبنان، كما انه فرصة حقيقية لحملة دولية للتخلص من مصادر الخطر التي تهدد البشرية وفي مقدمتها ترسانات الاسلحة النووية والبايلوجية والجرثومية والمواد شديدة الانفجار، بل هي فرصة لاعادة النظر في جدوى الانخراط بهذا الصراع الهدام الذي يدمر منطقتنا منذ عقود بدون هوادة، وتنخرط فيه الكثير من الاطراف في لعبة تضاد حمقاء، يرقص على صداها العدو الحقيقي، وهو يشاهد (بإرتياح) تآكلنا الذاتي دون ان يجهد نفسه في تحريك المعركة.
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat