صفحة الكاتب : مصطفى الهادي

دولة تؤسسها فلتة ، لا تُساوي عفطة! (1)
مصطفى الهادي

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

💠 الفلتة في لسان العرب وقواميس اللغة هي الأمر الذي يحدث من غير رويّة وإحكام. وهي الهفوة والزلة التي لربما تؤدي إلى فتنة ماحقة يعمّ شرّها.ومنها أيضا : انفلت أي : انحرف وفسدت أخلاقه، وذلك بخروجه على سلوكيات المجتمع المتعارف عليها والفلتة تعد انحرافا أو انفلاتا أخلاقيا. وقد قال قيس بن الملوّح مجنون ليلى بأن الفلتة مدعاة للتفرق والتشعب . فقال :
وأنا متى ما نفترق نتعشب ــ ولما رأت أن التفرق فلتة.

💠 وخير وصف (للفلتة) ما قاله ابن الأثير : (أن الفلتة هي الخلسة، أي أن الإمامة يوم السقيفة مالت إلى توليها الأنفس، ولذلك كثر فيها التشاجر، فما قلدها أبو بكر إلا انتزاعا من الأيدي واختلاسا).(2)

💠 موضوعنا يدور عن أخطر اعتراف قاله عمر أمام الصحابة مستغلا سطوته للافصحاح عما في نفسه من جريمة ارتكبوها أثقلت كواهلهم وهم يتحينون الفرص منذ سنوات للاعتراف والبوح بها لعل ذلك يُخفف من ألم الضمير إن كان هناك ضمائر حيّة فهذا أبو بكر يصرخ في مرضه الذي مات فيه : يا ليتني يوم السقيفة رميت هذا الأمر في رقبة احد الرجلين أبو عبيدة أو عمر بن الخطاب وخرجت منها كفافا لا لي ولا عليّ.(3) فقد انطلقوا في فلتتهم وهم لا يعرفون ماذا يصنعون كما يقول الكرابيسي صاحب الشافعي : (وقول عمر فلتة ، المراد أن أبا بكر ومن معهُ تفلتوا في ذهابهم إلى الأنصار فبايعوا أبا بكر ، وفيهم من لا يعرف ما يجب عليه من البيعة، فقالوا منا أمير ومنكم أمير).(4)

💠 وكذلك في قولهم : فلتة من فلتات الدهر، يعني عملٌ لا نظيرَ لهُ. فلم يسبق أن قامت أمة بالتقاتل على الحكم وقائدها مسجى لم يُدفن لا بل تركوه بلا غسل ولا كفن وركضوا يتزاحمون ويتقاتلون على المناصب.

💠 فهل صحيح أن البعض لا يُفرّق بين من يقول أن البيعة كانت فلتة أسست دولة ، وبين من يرى أنها لا تُساوي عفطة عنز فبالمقدار الذي كان القوم فيه حريصون على نيل الإمارة يتفلتون ويتقاتلون من اجلها نرى الإمام علي عليه السلام يقول : أنها لا تُساوي عنده عفطة عنز وأنها بقيمة شسع نعله ثم يقول : (والله ما كانت لي في الخلافة رغبة ولا في الولاية إربة،ولكنكم دعوتموني إليها وحملتموني عليها).وقوله ما كانت لي في الخلافة رغبة فقد عزف عنها كونه علم أن الناس طيلة أكثر من ثلاثين سنة من (حكم الفلتة) تم مسخهم وأنه متى ما استلم الخلافة انتقضت عليه أقطارها وهذا ما حصل في الجمل وصفين والنهروان إلى أن سقط شهيدا في محرابه.

💠 هل صحيح أن هناك من لايُفرّق بين من ركض إلى الخلافة وكاد أن يتسبب في مجزرة هائلة بهجومه على بيت فاطمة ابنة محمد صلوات الله عليهم ، وبين من لا تُساوي عنده هذه الخلافة شسع نعله. يقول ابن عباس : (دخلت على أمير المؤمنين (ع) بذي قار وهو يخصف نعله، فقال لي: ما قيمة هذه النعل ؟ فقلت : لا قيمة لها. فقال (ع) والله لهي أحب إلي من إمرتكم إلا أن أقيم حقا أو أدفع باطلا).(5)

💠 أخرج البخاري في صحيحه، وأحمد في مسنده، عن ابن عباس في حديث السقيفة، قال فيه عمر: (إنما كانت بيعة أبي بكر فَلْتَة وتمَّت، ألا وإنها قد كانت كذلك، ولكن الله 💠 وقى شرَّها... مَن بايع رجلاً عن غير مشورة من المسلمين فلا يبايَع هو ولا الذي بايعَه تغرَّة أن يُقتَل. وفي رواية أخرى: ألا إن بيعة أبي بكر كانت فلتة، وقى الله المؤمنين شرَّها، فمن عاد إلى مثلها فاقتلوه).(6) وهذا الحديث فيه أكبر دلالة على أن خلافتهم لم تكن بنص وإنما كانت فلتة فلم تكن بنص من النبي كما يزعمون.بل فلتة أسست دولة يحكمها إسلام جديد.

💠 فإذا كانت بيعة أبي بكر (فلتة) وقى الله المسلمين شرها وهذا كذب لأن هذه الفلتة لم يدفع الله عن المسلمين شرها ، فقد أعقبها توقف القبائل عن دفع الزكاة أو البيعة لأبي بكر لأنهم سمعوا النبي في غدير خم يوصي لغيرهم ولكن تيار السقيفة اتهم القبائل بالردة وقاتلهم وقتلهم وقد اعترفوا بأن قتالهم للقبائل بسبب توقفهم عن دفع الزكاة حيث قال أبو بكر: (والله لو منعوني عقالا كانوا يؤدونه إلى رسول الله لقاتلتهم عليه).(7) وقبل حصول تمرد القبائل على أبي بكر اعترف أبو بكر بأن بيعته سوف تؤدي إلى فتنة ورِدة كما ورد في رواية أحمد أن أبا بكر قال : (فبايعوني لذلك، وقبلتها منهم،وتخوفتُ أن تكون فتنة تكون بعدها رِدة).(8)وهكذا تحقق ما كان يراه الانقلابيين فقد أصبحت فلتتهم فتنة أعقبتها ردة حسب مفهومهم، سالت فيها دماء وأزهقت فيها أرواح.

💠 يضاف إلى ذلك أن النبي (ص) أخبرهم بأنهم سوف يحرصون على الإمارة بعده كما في رواية البخاري عن أبي هريرة عن النبي (ص) أنه قال : (ستحرصون على الإمارة، وستكون ندامة يوم القيامة، فنعمَ المرضعة، وبئس الفاطمة).(9)

💠 لقد أجبر مؤتمر السقيفة الذي تكوّن من عدة أشخاص اجبروا العرب للخضوع إلى ما اختارته هذه المجموعة لا ما اختاره الله ورسوله لهم. ففرضوه بلا إجماع حقيقي وبدون دليل وحجة دامغة وتجاهلوا كذلك آل بيت النبوة ومعدن الرسالة وكذلك تجاهلوا السابقين الأولين من المهاجرين.

💠 لقد كان لدى جماعة (الفلتة) استعداد للقتل ومن دون تفريق بين بنت النبي وبقية الصحابة فلا حرمة لأحد عندهم مقابل الجلوس على الكرسي وهذا ما نراه في رواية الطبري الذي يقول : (خاف قوم فبايعوا، واكره آخرون فبايعوا فكانت بيعة أبي بكر مبنية على الخوف والإكراه، أن عمر بن الخطاب كان يعضد أبا بكر ويقويه، وعمر معروف بالشدة والغلظة، حتى أن سعد بن عبادة قال يوم السقيفة لأبي بكر: إنكم أجبرتموني على البيعة. فقالوا له : إننا أجبرناك على الجماعة فلا إقالة فيها، لئن نزعت يدا من طاعة أو فرقت جماعة لنضربن الذي فيه عيناك).(10) وهكذا شرّعوا أول القوانين المجحفة الظالمة التي تقول : بأن من خالف الحاكم يجب قتله (من نزع يده من طاعة فاقتلوه وفي رواية : اقتلوه كائنا من كان).(11)

💠 واليوم نرى آثار ذلك يتجسد في كل أنواع الحكم في العالم . الغش والخداع والفساد بأبشع صوره والقتل تحت يافطة الخروج على ولي الأمر، فعلى الناس الطاعة للحاكم وإن جلدهم على ظهورهم وأخذ أموالهم وإن رأوه يزني ويلوط ويشرب الخمر يجب طاعته والصلاة خلفه، أهذا هو الدين الذي انزلهُ الله تعالى؟.(12) لابل أن دين هؤلاء أسس للغلبة والقهر والقوة والإكراه في استلام السلطة وسوّغ لهم استخدام أقذر الوسائل لا بل طاعة حتى الفاجر لو أصبح عليهم زعيما ملكا أو أميرا وقهرهم بالسيف وإسالة الدماء وإزهاق الأرواح فبينما نقرأ في القرآن قوله تعالى : (إن الفجار لفي جحيم يصلونها يوم الدين)، نراهم يضعون حديثا غريبا عجيبا بوجوب طاعة الفاجر فيقولون فيه : (من غلب بالسيف حتى صار خليفة، وسمّي أمير المؤمنين، فلا يحل لحد أن يبيت ولا يراه أميرا عليه،برا كان أو فاجرا وإن عمل الكبائر فهو أمير المؤمنين).(13)

📛 المصادر:
1- العفطة: عفطت العنزُ أو الضأن: نثرت بأنوفها كما ينشر الحمارُ. وهل يطمع أحدٌ بما يتناثر من منخر الحمار. هذه هي قيمة الإمارة عند أمير المؤمنين سلام الله عليه.وقول الإمام علي هذا يعني : وجدتم دنياكم هذه بما فيها من الرياسة والسلطنة أزهد وأهون عندي من عطسة عنز ، وهذه مبالغة في بيان حقارة الدنيا ودنائتها وخسة شأنها.
2- النهاية لابن الأثير الجزء 3 ص : 469.
3- مختصر تاريخ دمشق لإبن عساكر الجزء : 13.ص : 122.
4- فتح الباري بشرح البخاري ج 12 ص : 150.
5- نهج البلاغة الخطبة الخطبة : 33.
6- صحيح البخاري الجزء 8 ص : 210 الحدود . ومسند أحمد بن حنبل ج1 ص 323 حديث:391.
صحيح البخاري 8|210 الحدود، باب رجم الحبلى من الزنا.
7- فتح الباري بشرح صحيح البخاري ، كتاب استتابة المرتدين والمعاندين وقتالهم.
8- مسند أحمد بن حنبل 1|41 ح 42، قال أحمد شاكر: إسناده صحيح.
9- صحيح البخاري 4|2234 الأحكام، باب 7 حديث 7148.
10- تهذيب تاريخ الطبري ص : 318.رجب محمود إبراهيم ، طبع القاهرة.
11- صحيح مسلم بشرح الآبي والسنوسي باب 14 حديث رقم : 59. ص : 565.
12- وهي الرواية المشهورة التي نسبوها للنبي (ص) والتي أوردها البخاري ومسلم ، ومفادها أن النبي قال : يكون بعدي أئمة لا يهتدون بهداي، ولا يستنون بسنتي، وسيقوم فيهم رجال قلوبهم قلوب الشياطين في جثمان إنس. قال حذيفة : كيف أصنع يا رسول الله إن أدركت ذلك ؟ قال : تسمع وتطيع للأمير وإن ضرب ظهرك، وأخذ مالك، فاسمع وأطع.صحيح البخاري / حديث رقم 3606 ، 7084 وصحيح مسلم رقم الحديث : 1847.
13- فيض القدير شرح الجامع الصغير للمناوي. ج3 ، ص:445.


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


مصطفى الهادي
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2020/07/18



كتابة تعليق لموضوع : دولة تؤسسها فلتة ، لا تُساوي عفطة! (1)
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net