صفحة الكاتب : د . مصطفى يوسف اللداوي

عوائقٌ وعقباتٌ أمامَ مخططاتِ الضمِ الإسرائيلية المواقف العربية عامةً والأردنية خاصةً
د . مصطفى يوسف اللداوي

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

 يبدو أن موقف الحكومة الأردنية ملكاً وحكومةً وشعباً موحدٌ تجاه صفقة القرن، وتجاه مخططات الضم الإسرائيلية، فقد أعلنت الحكومة الأردنية على لسان أكثر من مسؤولٍ فيها، رفضها لمخططات ضم الأراضي، وحذرت الحكومة الإسرائيلية من أبعاد ومخاطر هذه المخططات على السلم والأمن والاستقرار في المنطقة، وطالبت الحكومة الإسرائيلية بالكف عن إطلاق مثل هذه التهديدات، والامتناع عن القيام بأي خطواتٍ من شأنها الإضرار بالأمن العام في المنطقة، وأشارت في سياق تحذيراتها، التي وجهتها إلى الحكومة الإسرائيلية والإدارة الأمريكية، إلى أن هذه الاجراءات ستقوض الاستقرار، وستنهي حالة الهدوء القائمة منذ سنواتٍ على جانبي الحدود، وستقود حتماً إلى إنهيار اتفاقيات السلام الموقعة بين الطرفين وإلغائها.

وكانت الحكومة الأردنية قد وجهت خطابها إلى غانتس، وطالبته بعدم الانجرار إلى مخططات نتنياهو، الذي قد يتهور ويعيد المنطقة كلها إلى مربعات الصراع الأولى، ويبدو أن الرسائل الأردنية قد لاقت قبولاً وآذاناً صاغية عند غانتس، الذي اشترط على نتنياهو عدم المضي قدماً في تنفيذ عملية الضم ما لم توافق الحكومة الأردنية، وتقبل بالاجراءات الجديدة، بما يحافظ على اتفاقية السلام الموقعة معها، وبما يحفظ الأمن العام والاستقرار في المنطقة، وكان الملك الأردني عبد الله الثاني قد حذر من صراعٍ كبيرٍ قد تشهده المنطقة كلها، في حال الإصرار على تنفيذ عمليات الضم.

يبدو أن الموقف الأردني يتميز كلياً عن مواقف بقية الدول العربية، ويختلف عنها دبلوماسيةً وحراكاً، وشعباً وحكومةً، وبغض النظر عن الأسباب الحقيقية التي تدفع حكومة المملكة الأردنية لمعارضة عملية الضم عامةً، أو معارضة ضم الأغوار فقط، فإن لموقفها تأثير كبير على القرار الإسرائيلي، ليس فقط على قرار غانتس وفريقٍ آخر من المسؤولين الأمنيين والعسكريين الإسرائيليين، الذين يشترطون الحصول على الموافقة الأردنية قبل المباشرة في عملية الضم، بل على نتنياهو شخصياً وحزب الليكود الذي يرأسه، إذ أن إغضاب الأردن وإرغامه، والتضييق عليه وإحراجه، سينعكس سلباً إلى درجة كبيرة على اتفاقيات السلام الموقعة معه، وسيؤثر على التفاهمات الأمنية القديمة التي سادت معه لعقودٍ مضت أثبت خلالها فاعليتها وجدواها.

أما بالنسبة لبقية الدول العربية بما فيها مصر والسعودية ودول الخليج العربي، فإن مواقفها تتفاوت بين الصمت المريب وعدم المبالاة السلبية، وبين التشجيع العلني والموافقة السرية الضمنية، وبلغ الأمر بنتنياهو أن يعلن في ظل معمعة الضم وصخب الاختلاف، أن كيانه بصدد التوقيع على اتفاقيات تعاون وشراكة مع بعض الدول الخليجية، لمواجهة وباء كورونا، وتطوير التقنيات التكنولوجية والمعلوماتية المختلفة، وكأن موضوع الضم لا يشكل عقبةً أمامه تحول دون تعاونه مع الدول العربية، وأيضاً لا يحرج شركاءه في الاتفاقيات المقترحة، ولا يسبب لهم مشاكل داخلية واضطراباتٍ شعبيةٍ.

وكانت الإدارة الأمريكية وبالتزامن مع إطلاق خطة ترامب للسلام، قد سعت بصمتٍ وفي الخفاء طوال السنوات القليلة الماضية، لإنضاج اتفاقية "عدم اعتداء"، بين إسرائيل وأربعة دول خليجية هي عُمان ودولة الإمارات العربية المتحدة وقطر والبحرين، وقد تتوسع لتشمل دولاً عربيةً أخرى، وكان من المخطط أن يتم الإعلان عن هذه الاتفاقية قبل أشهرٍ، إلا أن تداعيات وباء كورونا، وحالة الاستعصاء العالمي على كل المستويات، بما فيها الاستعصاء السياسي، أدت إلى إرجاء الإعلان عن التوصل إلى هذه الاتفاقية، وجاءت أزمات أمريكا الداخلية والاضطرابات الشعبية التي سادت مدنها المختلفة، لتعزز الإرجاء إلى وقتٍ آخر، ويبدو أن الإرجاء سيؤخرها بعض الوقت، لكنه لن يلغيها، لأنها تأتي ضمن مخططات الضم وتسويات المنطقة القادمة.

ولأن مواقف الدول العربية مختلفة ومتباينة، فقد قام رئيس الموساد الإسرائيلي يوسي كوهين بجولةٍ على بعضها، والتقى بنظرائه والمسؤولين فيها، للوقوف على رأيهم فيما يتعلق بمخططات الضم، ومعرفة ردود فعلهم في حال تنفيذها، ورغم أنه يولي أهمية خاصة للموقف الأردني، ويدرك حساسية شارعه، خاصةً فيما يتعلق بخرائط الغور، إلا أنه خلُصَ إلى توصياتٍ قدمها إلى المجلس الوزاري الإسرائيلي المصغر، قلل فيها من حجم ردود الفعل العربية، وأشار إلى أن الطريق إلى تطبيق بعض الخطط، إن لم يلقَ قبولاً عربياً فإنه لن يواجه عقباتٍ حقيقية أو تحدياتٍ خطيرةٍ، وقد عارض في موقفه توصيات كلٍ من رئيس الشاباك نداف أرجمان، ورئيس الاستخبارات العسكرية تامير هيمان، اللذين حذرا الحكومة من مخاطر الضم الكلي، ونصحاها بالاكتفاء بضم الكتل الاستيطانية الكبرى، وإرجاء مناطق الغور إلى وقتٍ آخر.

لا يبدو في الأفق السياسي -للأسف الشديد- إجماعٌ عربي على مخاطر ما تواجهه القضية الفلسطينية، بل بات في الخطاب الرسمي العربي مفرداتٌ ومفاهيمٌ تتقبل الوضع الراهن، وتستجيب للشروط الإسرائيلية، وتتفهم حاجتهم وتعتقد بعدالة مطالبهم، وتؤمن بأن حل القضية الفلسطينية ليس على حساب المصالح الإسرائيلية والمعتقدات اليهودية، ، وهو ما باتت تؤمن به أنظمتها وتعمل بمقتضاه حكوماتها، وعلى الفلسطينيين أن يتقبلوا ذلك، وعليهم أن يتحملوا أوزار خلافاتهم الداخلية، ونتائج قراراتهم السلبية، وسوء القبول بقياداتهم التاريخية التي أوردتهم بسياستها موارد الهلاك.

لهذا فلا نستغرب أن تكون بعض المواقف العربية باهتة وأصواتها خافتة، فهي شريكٌ في الصفقة وأساسٌ في الخطة، اعتقاداً منها أن إسرائيل هي الأبقى وهي الأقوى، وأن المستقبل هو لها وللإدارة الأمريكية التي تستهوي جلدهم وتستعذب عذابهم، ويروق لها حلبهم وسوقهم، ونهب أموالهم واستباحة بلادهم وسرقة خيراتهم، وما علموا أن الحق أبقى وأقوى، وأن المقاومة أعلى وأسمى، وأن الحقوق حتماً ستعود وهي أبداً لن تموت.

يتبع ...

 

بيروت 


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


د . مصطفى يوسف اللداوي
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2020/06/27



كتابة تعليق لموضوع : عوائقٌ وعقباتٌ أمامَ مخططاتِ الضمِ الإسرائيلية المواقف العربية عامةً والأردنية خاصةً
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net