لكي تكون الشهادة آية من آيات اليقين، رحت أبحث عن من رأى بعينه، وعاش الموقف لحظة بلحظة، استوقفني حينها وقال: صدقني أنا الذي رأيت بعيني كل شيء دار هناك، وشهادة الرائي أوثق، فخذ شهادتي وانشرها في الأحداق صوراً لحقيقة موقف. شاهد رأى كل شيء دار هناك، دعهم يطاردون الأسماء علهم يتدحرجون على مرتفع واه، والمرتقيات حضور.
أتمنى أن أنشر شهادتي الى كل الازمنة والأمكنة؛ كي أكون شاهد حق، قال كل ما عنده ونال براءة الذمة: كنت جالساً هناك ازاء بيت الله الحرام، وكان معي صديقي العباس بن عبد المطلب، وكان هناك فريق من عبد العزى، وهم يتسامرون بميراث الخضوع، وإذا بامرأة من بعيد اقبلت فأبصرتها انها فاطمة بنت اسد، وأين انا من امرأة من أهل مكة، وقفت لتنادي وبصوت مسموع: يا الله، نعم يا الله، وحماك يا رب.. فأي اهتمام يحدثون عنها في خاتمات الدهور، شعرت وكأن هذا الشاهد يعرف تماما ما سيجود به المتمرغون بوحل امراضهم السخيفة.
كانت المرأة المباركة حاملاً لتسعة أشهر، وعلى ما يبدو كان يوم تمام، وقفت ازاء البيت الحرام، أخذها الطلق رمت بطرفها نحو السماء ونادت: "يا رب، إني مؤمنة بك وبما جاء ويجيء من عندك، وبكل أنبائك، وبكل كتاب انزلت، واني مصدقة بكلام جدي ابراهيم الخليل، وانه بنى بيتك العتيق، وأسألك بحق هذا البيت ومن بناه وبهذا المولود الذي في احشائي، وأنا موقنة بأني احمل في بطني إحدى آياتك، لما يسرت عليّ ولادتي"(1).
وإذا بالبيت الحرام انفتح من ظهره ودخلت فاطمة فيه، وغابت عن ابصارنا، ثم عادت على وضعها الطبيعي، يا الهي.. الكعبة ابتلعت امرأة وشاع الخبر..! أكيد سيتهموني بالجنون، هم المجانين انا رأيت بعيني فمن منهم رأى مثلي، أم هذا المزعوم عندهم بأن الوليد رجل لا ثقل لديه، فقد زعموا انه حكيم بن حزام، وهذه فاطمة بنت اسد ما زالت في بطن الكعبة خلف الجدران.
يا ناس، انا رأيتها وشاهد معي كل شيء العباس بن عبد المطلب، وانتشر الخبر في جميع السكك، فصارت القرى والمدن تلتقط اخبارها، برغوة الفضول، فمثل هذا الحدث من الطبيعي أن لا يمر بهذه السهولة، وحضروا امامي منهم من يريد ان يختبرني.
ايها الناس، قسما بجوهرة التراب والبيت القديم، ها هي جدران الكعبة فانتظروها ستكون هي نخلة فاطمة بنت اسد وثمارها الوليد المبارك، وتجمهر الناس وهم يحشمون أعناق أسئلة لا تنتهي، تلك هامات الخلود تلد بابتهالات الشموخ، ينتظرون مثلي ليشاهدوا الخروج من بطن الكعبة وليصدقوا ما رأيت انا بعيني.
يوم.. يومان، والثالث مر حينها سمعنا بكاء الشمس، انفتح الجدار وخرجت امام الناس فاطمة بنت اسد وهي تحمل وليدها على ذراعها، نادت امام الجميع وكأن الدهور كلها كانت حاضرة تسمع، وليشهد معي كل من رأى ومن سمع.. وإلا مرارة الصمت عن شهادة الحق زور.
نادت:ـ معاشر الناس، إنّ الله (عز وجل) اختارني من خلقه، وفضلني على المختارات ممن قبلي، فقد اختار الله آسية بنت مزاحم، عبدت الله سرا في موضع لا يحب أن يعبد الله فيه إلا اضطرارا، ومريم بنت عمران(عليها السلام) اختارها الله تعالى ويسّر عليها ولادة عيسى(عليه السلام)، فهزت الجذع اليابس من النخلة في فلاة من الأرض حتى تساقط رطبا جنيا.
وان الله تعالى، اختارني وفضلني عليهما وعى كل من مضى من نساء العالمين؛ لأني ولدت في بيته العتيق، وبقيت فيه ثلاثة أيام، آكل من ثمار الجنة وأوراقها، فلما أردت ان أخرج وولدي على يدي هتف بي هاتف وقال: يا فاطمة، سميه علياً، فأنا العلي الأعلى، واني خلقته من قدري وعز جلالي، وقسط عدلي، واشتتقت اسمه من اسمي وأدبته بادبي، واطلعته على غامض علمي وولد في بيتي، ثم قال الشاهد: انا يزيد بن قعنب الذي رأى كل شيء.. كل شيء دار هناك.. فسلام الله يا سيدي يا امير المؤمنين.
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat