هل كانت صدمة تلك التي أحالته إلى شخص ممسوس ؟ ومثلما أشيع عنه : ( تزوّجته واحدة منهن ) .تقول أمه : ( كان كثير الاستحمام في جداول أبي الخصيب . وفي غروب يوم ما ، جاءني يشكو من صداع شديد . طقطقت له الحرمل وبخّرت السّدرة ثم طفت به داخل الحوش وانا أقوده من يده .. اردّد الأدعية والآيات . وبعد منتصف الليل وفيما كانت تطوف بي رؤيا عطاشى كربلاء ، نهضت وانا أموت من العطش ، اتجهت نحو ( الحِبّ) وإذا بي أرى تلك (الجّنية) ، رداؤها ابيض شفيف ، شعرها أشقر، وجهها كالقمر، تلتفّ حولها هالة من نور ، كأنها إكليل عرس . كان هو الى جانبها تطفو على وجهه لحظة صمت رهيبة ، رأيته عارياً تماماً، حين اخترقتْ به جدار الطين . رفعت صوتي ، ففاجأتني ضربة كفٍّ على وجهي ، أبقتني نائمة لمدة يومين) .
* * *
على غير توقع تمضي السنوات وتحدث الحرب. ثم يختفي الابن وتنتقل الأم للسّكن عند أخيها في (المعقل) . ومع الحرمان وثقل مطرقة الحصار ، تتيه الحكايات لتنقلب الى ماضٍ مؤلم تزدحم فيه الأشياء الحلوة والمرة ، فتظلّ الأم تعوي حكايتها كل غروب أمام فوّهة التنور الملتهبة ، متلعثمة بسر دفين . تزيح ثوبها عن صدر ذابل موشوم ، وتدعو: ( لقد طال الغياب .. متى تعود ؟ ربما اموت دون ان أراك ) .
في ليلة باردة ، طرق الباب رجل وسيم ، شعره ابيض ، يقول انه قادم من لندن ، وانه يحمل رسالة ورزمة من الدولارات ، وبعد ان غرس في أذهانهم كلامه المفروش بسجاد الاطمئنان ، رحل في ظلام منتصف الليل . افترشت الأم مع أخيها الرسالة.. وقرآ معاً :( أمي العزيزة لن انساك ابداً.. سأعود في القريب العاجل ، الطاغية أيامه معدودة.. لقد حصلت على شهادة الدكتوراه في جراحة القلب ، اقبّل يديك وقدميك لأنك ابتدعت حكاية الجّنية ، تحملتي الكثير يا أمي لكي تبعدي عني مقصلة الدكتاتور لا أدري بماذا أصفكِ يا أروع أم في الدنيا ) .
قناتنا على التلغرام :
https://t.me/kitabat
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat