القراءة في عصر الانترنت
يحيى غالي ياسين
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
يحيى غالي ياسين

كانت ولا زالت الثقافة تعرّف خطأ بأنها سعة الإطلاع ومقدار خزن المعلومة ، وها نحن نعيش في عصر المعلوماتية وأصبحت قطعة من البلاستك لا تتجاوز سلامية الإصبع الواحدة تدعى اصطلاحا ( RAM) تُخزّن ما لا تستوعبه المكتبات العامة ..! فهل هذه الثقافة إذن ...؟ وهل حلت المشكلة ..؟
بالتأكيد ليس الأمر كما يُعتقد ، والواقع المعاش على وجه هذه البسيطة لن يختلف كثيراً عن عصور كانت تحكمها شريعة الغاب وقانون البقاء للأقوى كان هو القانون السائد .
فما الثقافة اذن ..؟
الثقافة : تعني السير والسلوك الصحيح والمستقيم الذي لا أمت فيه ولا عوج ، وإقتناء المعلومة الصحيحة ووفرتها من أبجدياتها بل من خطواتها الاولى .. الثقافة هي تجسيد خارجي يمارسه الإنسان لعالم المعرفة الذي يعيشه في ذهنه وخلايا عقله ، فلست جائراً في الحكم ان قلت بأننا نعيش في أزمة عنوانها ( ثقافة اللاثقافة ) . ففي عصر المعلوماتية الذي نعيش تقنياته في هذه الأيام اصبحنا نتلقى وبكثرة معلومات مغلوطة ونعبأ بها أنفسنا بشكل قهري بسبب انعدام ضوابط نشر المعلومة وخلوها من الرقابة العلمية والاخلاقية .. هذا الخزين السلبي من المعلومات له انعكاسات سلبية قهرية على تصرفاتنا وذو تغذية راجعة متدنية على سلوكنا أفسدت عند البعض للأسف الشديد ما كان صالحا عنده وصحيحا ...!
الجهل ببعض السلوكيات الخاطئة نوع مهم من انواع الثقافة ، كون مجرد معرفة تلك السلوكيات يشكل خطرا على صاحبها لما تمتلك من قوة تأثير سلبي على صاحبها بينما نراها الآن في متناولنا ولا يحجزنا عنها شيء ولا يردعنا رادع .. لم يكن عصر الانترنت موفقاً كما ينبغي من وجهة نظر الثقافة ...! ، بل شكّل أزمة حقيقية لها وأصبحت طرقه في كثير من الأوقات لا تزيدنا الا بعداً عن الهدف المنشود ، فلا نفرح كثيرا بعصر الانترنت ولا نتفائل بمستقبله إن لم نقننه ونستخدمه كشعوب كما ينبغي .
هل تأثرت القراءة بعصر التكنولوجيا ..؟
تفاعلت القراءة مع التطور التكنولوجي تفاعلا كبيرا بل نستطيع القول أنها بقلب الحدث حسب التعبير الاعلامي السائد ، وهذا التفاعل يكون ايجابيا عند النظر اليه من بعض الجوانب وسلبيا من جوانب أخرى ، فالجانب الإيجابي مثلا يتمثل بعدة أمور ومنها :
** توفر المكتبات الالكترونية العملاقة في متناول كف اليد الواحدة في حين لا تستوعبها اكبر بنايات المكاتب لو كانت ورقية ..
** سهولة الحصول على تلك الكتب في اي مكان وزمان ، وهي محمولة مع القارىء وﻻ تحتاج الى تفريغ وقت وبذل جهد للحمل او اختيار واسطة نقل كما هو الحاصل مع رواد المكتبات العامة ..
** سهولة البحث والتحقيق والدراسة لمن كانت قرائته تتطلب اكثر من مصدر ..
** قلة تكاليف اقتناء الكتب .. وغيرها كثير من التأثرات الإيجابية لمن أراد الإحصاء والاستقراء ..
وأما الجانب السلبي فمنه :
** ضعف العلاقة الروحية بين القارىء والمقروء مقارنة بقراءة الكتب الورقية والجلوس في المكتبات وبين بساتين العلماء ..
** اعتاد القارىء الالكتروني على قلة القراءة وسأمه من الكتابات الطويلة والذي يؤثر بدوره سلبا على الموضوع المقروء وسعة فهمه وعمق استيعابه وهذا يؤدي الى سطحية القراءة بل الثقافة عموما ..فالرغبة الشديدة في قراءة العبارات والمقالات المضغوطة والتي ﻻ تتجاوز بضعة اسطر كحد اعلى والملل من قراءة البحوث والدراسات المطولة المحتوية على تحقيقات بحثية رصينة ..
** انعدام الضوابط في الكتابات الالكترونية وعدم اخضاع الكثير منها الى مقومات الكتابة الهادفة ، فتحرير الكتاب الورقي يخضع لسلسلة من اجراءات التدقيق والإمضاء ابتداء من الشكل الى سلامة اللغة وانتهاء بالمضمون ، بينما الكتابة الالكترونية قابلة للتطفل والإدعاء بيسر وسهولة بالغتين ..
** سهولة تحريف الكتاب الالكتروني وتغيير مضمونه على غير ما كتب لعدم تبنيه بشكل رسمي من جهة ناشرة أو موزعة ..
** سرعة تلف الكتب بل المكتبات الالكترونية بسبب عطب الجهاز او اصابته بفايروس رقمي ..
ونحن هنا لا ندعو الى الوقوف بالضد من القراءة الالكترونية وإنما ندعو الى توظيفها في أمور تسهل عن طريقها بعض الصعوبات في القراءة والدراسة الورقية ، كتدقيق الكتاب الكترونيا قبل اقتناءه ورقيا ، والبحث عن بعض المواضيع المنتشرة في اكثر من كتاب يساعد القارىء على الحصول والاطلاع بسرعة فائقة مقارنة بالطريقة الورقية .. وسرعة الوصول الى المعلومة وسهولة اقتباسها .. فالجمع بين ايجابيات القراءة الورقية والالكترونية ممكن وأكمل ..
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat