شبهة هل يغضب الإمام لنفسه؟
مرتضى شرف الدين
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
مرتضى شرف الدين

سؤال:
في معركة الخندق ..عندما أقدم الإمام علي عليه السلام على قتل عمرو بن ود العامري .. يروى أن الأخير بصق في وجه الأمير .. فتنحى الأمير جانباً لكي يهدأ عنه الغضب ..ويعود لقتله غضباً لله لا لغضب نفسه.
فهل أن السلوك الأمثل لأمير المؤمنين عليه السلام ينسجم مع الغضب على فعل حثالة كعمرو بن ود؟؟؟
وهل يغضب الإمام لنفسه؟
وهل منطلق سلوك الأمير مطابق لمنطلق سلوك إمامنا الباقر عليه السلام عندما قابل المسيء إليه بالرحمة؟
جواب:
إن الكمال في الجنبة البشرية من شخصية الإمام لا يتنافى مع الغضب للكرامة .
وإن كان لا يمكن أن يصل لمرحلة القتل من أجل النفس.
وإن كان سلوك الإمام يوم الخندق سلوكاً تعليمياً ينقل إلينا المفهوم من خلاله.
أما إذا أردنا مقارنة هذا السلوك مع سلوك الإمام الباقر عليه السلام فهناك فرق فارق:
ففي حالة الأمير، المسيء لا ترتجى هدايته،بعكسه في حالة الإمام الباقر؛ والأئمة رهن الأمر والنهي:
"عباد مكرمون لا يسبقونه بالقول وهم بأمره يعملون".
فعندما يكون المجال مجال هداية تذوب نفوسهم بين يدي التكليف الإلهي فيصبح هو الأولوية ، وهذا ما جرى مع إمامنا الباقر
عليه السلام.
بينما نرى في حالة الأمير أن الغضب الذي حصل في نفسه روحي فداه لا يمكننا أن نعده خارج نطاق الغضب لله، أليس ولي الله قد تعرض للإهانة؟! أليس من عاداهم فقد عادى الله؟!
وهنا بحث مستقل كنت أنوي كتابته بعون الله عن طبيعة جزع العقيلة الذي يرفضه أصحاب الرؤى القاصرة، فيه تعرض لنقطة عدم وجود الفاصل بين الشخصي والإلهي في حياة أهل البيت عليهم السلام.
أما أمير المؤمنين فقوله، فعله وتقريره حجة يعني هو في البيت ولي الله وفي السوق ولي الله..جسده يمثل رسالة الله كما روحه، فلا مساحة للشخصي في كيانه.
من هنا عبرت الرواية عنه بأن علياً ممسوس في ذات الله، فلا مجال للقول بالغضب الشخصي وغير الشخصي.
فموقفه في غضبه وبعد سكونه هو لله.
فالمعصوم وعاء مشيئة الله (وهم بأمره يعملون).
-فالموقف الإلهي من عمرو موقف غضب يتجلى غضب الله فيه زفيراً علوياً وزئيراً علوياً.
-الموقف الإلهي من الشامي الشاتم للباقر موقف رحمة يتجلى رحمة باقرية.
واللوحة الرائعة التي تجسد هذا الوضع لوحة الجمل :
قبل المعركة دعا الأمير بمصحف، وقال من يدعوهم إليه وسيقتل؟
فقام شاب حدث السن من بني عبد القيس قال أنا وقام حاملاً المصحف ودعاهم إلى الصلح على كتاب الله فاضطرب عسكر النفاق..عندها أطلت أم المجرمين من هودجها وقالت: اشجروه بالرماح فرموه برماحهم، ثم تقدمت أمه فقال وهو يحتضر يا أمير المؤمنين احبسها.. فمنعوها من التقدم إلى جواره..وجاؤوا به شهيداً.. حينها سألوا الأمير هل نقاتل؟ قال لا؛
ثم أمرتهم أمهم برمي النبال فجاء الأصحاب بشهيد ثانٍ
ثم سألوا الامام ثانية أنقاتل يا أمير المؤمنين؟ قال لا
بعدها جاؤوا بشهيد ثالث..حينها انتفض واقفاً.
زال الهدوء.
امتشق ذا الفقار.
أخذ الراية من يد أبي القاسم محمد بن الحنفية.
هزها وغاص في القوم.
ثم عاد وسيفه قد التوى وهو يقطر دماً .
فقوّمه برجله.
نادوه لكنه لم يجب.
صدره يعلو ويهبط.
يُسمع منه زئير.
عيناه محمرتان .
وبصره نحو أقصى القوم.
كرّ ثانية.
غاص في القوم ثم عاد وقد التوى سيفه المخضوب فقوّم سيفه وهو ينادى فلا يجيب.
جاحظ العينين ، بصره في أقصى القوم، يزأر كالأسد.
وصدره يعلو ويهبط.
كرّ عليهم ثالثة وعاد كذلك.
وأعطى الراية لمحمد وقال له: "احمل بها حمل أبيك تحمد "
السؤال الذي يطرح نفسه : ما الذي جرى بعد الشهيد الثالث؟؟
لقد نزل الغضب الإلهي فانقلب كيان الأمير تماما..ً صار مظهر تجلي الغضب الالهي مع أن القتل واحد.. لكن الأمر الإلهي اختلف.
إن أهل البيت مؤشر لمشيئة الله
يغضب فيظهر غضبه عليهم ويرحم فتظهر رحمته عليهم.
من هنا فرغم ما قدمناه من أن موقف الأمير عليه السلام في الخندق كان موقفاً تعليمياً، إلا أنه حتى لو حصل غضب حقيقي في نفسه من فعل عمرو فهو مظهر تجلٍ لغضب الله لانتقاص وليه من قِبَل عدوه.
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat