صفحة الكاتب : ياسين سعدون الحميري

حينما يصرُّ السيستاني
ياسين سعدون الحميري

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

 محطات مهمة من تأريخ العراق أصرَّ خبير النجف فيها على مواقف بدت للكثيرين أنها غير صحيحة أو ليست ذات جدوى، إصراره ذلك لم يكن عن تعصب فمن عاشر الرجل أو تتبع سيرته يعرف جيدًا أنه من الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه وإنما كان منشأ ذلك الإصرار القراءة الدقيقة للأحداث والإستشراف العالي للمستقبل والثقة الصلبة بالله تعالى.

 سأحاول في هذه السطور القليلة أن أسلط الضوء على بعض تلك المواقف والإنعطافات التأريخية المهمة بشكل نقاط:

1- المواجهة القانونية للإحتلال: اتخذ المرجع الأعلى قراره الحاسم بأن تكون مواجهة الإحتلال الأمريكي والضغط عليه لتحقيق استقلال البلاد وسيادته بالسبل القانونية السلمية الأمر الذي أثار شكوكًا كثيرة عند أصحاب رأي بهذا الصدد بعدم جدوى منهجية الرجل الذي خرج منتصرًا من تلك المواجهة باستبدال مجلس الحكم المشكل من قبل الإحتلال بمجلس نواب منتخب من قبل الشعب العراقي ثم دستور مكتوب بأيادٍ عراقية ومصوت عليه من قبل الشعب العراقي بدلًا عن قانون إدارة الدولة الإنتقالي أو الدستور الجاهز الذي حاولت فرضه سلطة الإحتلال لولا تدخل السيستاني الحاسم والحازم في الأمم المتحدة والرسائل التي أوصلها إلى جميع المعنيين بأن المرجعية لن تسكت على ذلك ثم الدعوة لإخراج القوات الأجنبية بعد انتهاء مهامها بتشكيل وتدريب القوات العراقية.

2- رحلته العلاجية: يذكر الأستاذ حامد الخفاف في كتاب (الرحلة العلاجية لسماحة السيدالسيستاني وأزمة النجف الأشرف) أن الحكومة العراقية اقترحت من خلال مستشار الأمن الوطني موفق الربيعي أن يتم نقل السيد من النجف إلى مطار بغداد بواسطة طائرة عمودية لأن الحكومة غير قادرة على تأمين رحلته برًا بسبب المعارك الجارية بين جيش المهدي والأمريكان والمخاطر الأمنية الناشئة عن نشاط تنظيم القاعدة الإرهابي أنذاك .
ولكن هذا الرأي لم يرقى لقبول الرجل السبعيني المتعب قلبه من ألم المرض وما آلت إليه الأحداث في مدينة جده أمير المؤمنين ورفَضَ رفضًا قاطعًا أن يتم نقله بطائرة أمريكية حتى لو تم إزالة العلم الأمريكي وكان طاقمها عراقيًا!.

وبالفعل تمت الرحلة بواسطة ثلاث سيارات أجرة كانت تشق مسارات الرصاص العشوائي نتيجة المواجهات وتتحدى مخاطر الإرهاب وفي الطريق نفد وقود إحدى السيارات مما اضطرها للتوقف ومضي الموكب بسيارتين فقط وصولًا إلى شارع فلسطين في بغداد الذي أقام فيه السيد تلك الليلة بمنزل لصديق له وهو تحدٍ آخر أثار استغراب مستشار الأمن الوطني الذي جاء إلى منزل السيد ملثمًا!.

فكانت النتيجة أن حسابات السيستاني المتوكل على ربه هي المتغلبة على الحسابات الأمنية لأصحاب الشأن.

3- مبادرة حل أزمة النجف: بعد إتمام العملية الجراحية بإحدى مستشفيات المملكة المتحدة تبلورت قناعة العودة إلى النجف عند السيستاني قبل إكمال فترة النقاهة وأصر عليها مهما كلف الثمن وأن تكون من خلال مسيرة من البصرة إلى النجف تفرض على الجميع حلًا يحفظ للنجف هيبتها ويحقن الدم العراقي.

توالت هنا التحذيرات من العديد من أصحاب الشأن بأن الوضع الأمني لا يسمح بهكذا تحرك وأن حياة السيد ستكون بخطر ولكن المرجع كان مصرًا معتبرًا أن كرامة المرجعية أهم من حياة المرجع كما عبر حينها ولده السيد محمد رضا.

4- دعم الحركة الإحتجاجية في تشرين 2019: شابت الحركة الإحتجاجية في بدايتها العديد من الأحداث المؤسفة والعشوائية في الشعارات والمطالب وبعض أعمال التخريب والقتل التي مورست ضد القوات الأمنية والمتظاهرين والإعتداء على أموال عامة وخاصة الأمر الذي دعا الكثيرين التحفظ على دعمها ولكن رحابة أفق السيستاني أثمرت عن تهذيبها ودعمها والدفاع عن المتظاهرين السلميين ورفض أية محاولة لفض الإعتصامات بالقوة أو الإملاء عليها ووصفها بالطريق المشرف ومعركة الإصلاح وغيرها من الأوصاف التي أشعرت الجميع بأبوة النجف ورعايتها لمصالح العراقيين الذين عانوا طويلًا من آفة الفساد.

ورغم حصول بعض التشكيك والتوهين لذلك الموقف من قبل بعض أصحاب الرأي لأسباب مختلفة، كان إصرار الرجل سببًا في أن تؤول الأمور إلى الحد من العشوائية والتركيز على مطالب محددة وأساسية أهمها (قانون انتخابات منصف) و(مفوضية انتخابات مستقلة نزيهة) و(انتخابات مبكرة) و(تشكيل حكومة قادرة على التمهيد لإجراء انتخابات نزيهة) وكانت العاقبة أن الساحات تصدح جميعها باسم السيستاني الذي اعتبرته الراعي والأب والناصح الحقيقي وتشهد كل جمعة حالة من الصمت حينما يتلو فيها الصامت بكلماته التي هي عصارة التجارب التأريخية التي واكبها وقرأ عنها خلال مسيرته العلمية الممتلئة نورًا واجتهادًا وعطاءً.

وهكذا انتصر السيستاني وفاجأ الأصدقاء والأعداء مرة أخرى وكأن لسان حاله يقول لمن عارضه (أ لم أقل إنك لن تستطيع معي صبرًا)!
 


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


ياسين سعدون الحميري
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2020/02/14


  أحدث مشاركات الكاتب :

    • العلم والقيم الأخلاقية..  (المقالات)



كتابة تعليق لموضوع : حينما يصرُّ السيستاني
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net