المخالفة الإيجابية بين الفكر والسلوك
يحيى غالي ياسين

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

من المتعارف عليه بين الاوساط المعرفية وخاصة التي تنحى منحىً روحياً ودينياً هو ضرورة تطابق الفكر والسلوك ، بمعنى أن لا يكون سلوكك وتصرفك الخارجي مخالف لاعتقاداتك ومنظومة القواعد التي استقر عليها فكرك ونظرك ، ويسمّى هذا في الدين نفاقا ،ً كون المنافق يُظهر على خلاف ما تنطوي عليه سريرته ..

المشكلة تحصل ليس في أصل هذا المفهوم وهذه القاعدة وإنما في تطبيقها ، فليس كل تفاوت بين الفكر والسلوك يعتبر نوع نفاق وتناقض وما شاكل ذلك ، فهنالك أنواع من المخالفة تعتبر ممدوحة ومطلوبة بل فيها من الذكاء والحنكة الشيء الكبير والكثير ، ويعجبني كثيراً في هذا الصدد بعض المقولات التي أصبحت فيما بعد عناويناً لكتب مهمة أمثال :

+ ( تصرفي كسيدة وفكري كرجل ) .. للكاتب ستيف هارفي .
+ ( فكر كأرسطو واكتب كشكسبير ) .. للكاتب بيتر كيف

وهنا أريد أن أتطرق الى مصطلح ( التنظير ) الذي أُستخدم في الآونة الأخيرة كَسُبّة ومنقصة في حين يعتبر بحد ذاته عنواناً لأهم فروع المعرفة واختصاصاتها ، فالمفكرون والأدباء والفنانون .. الخ هم كلّهم منظّرون ، فهم من يجعل القواعد الصحيحة للعمل ويرسمون طرقه السليمة المؤدية الى أهدافه المقصودة .. فالمهندس مثلاً ماهر على الورق ويستطيع أن يرسم ويضع الحسابات الرياضية لمنشئات عمرانية ضخمة ولكنه لا يجيد وضع طابوقة على طابوقة بشكلها الصحيح كما يضعها البنّاء وصاحب المهارة العملية ..

نعم ، يمكن أن ننتقد التنظير السلبي وليس الإيجابي ، وهو تبرير الفعل الخاطىء بعد اقترافه ووضع الفلسفات والمغالطات لأمور هي بالأصل غير صحيحة وقد تؤدي الى مفاسد واخطاء كييرة في الخارج ..

هذا في الأمور الطبيعية أما إذا أردنا استعمال الظروف الطارئة والعناوين الثانوية حسب المصطلح الديني فنراها عبارة عن أدلجة لتصرفات مخالفة تماماً لأصول ثابتة ، كظرف ( التقية ) وقاعدة ( الضرورات تبيح المحظورات ) وقاعدة ( أُمرنا أن نكلّم الناس على قدر عقولهم ) و( قاعدة كن فيهم ولا تكن منهم ) وغيرها كثير ..
وهذا ما قصدناه من عنوان مقالتنا هذه ..

الموضوع السابق من يحاكم امريكا والصهيونية؟

قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat