وقفة أخرى للحقيقة والتاريخ.
مرتضى شرف الدين
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
مرتضى شرف الدين

<p>لم نكد ننتهي من مراسم دفن بقية السيد الجد شرف الملة والدين العلّامة النسّابة السيد عبد الله شرف الدين قدس سره. وكنا بعد لم نفرغ من نفض تراب الرمس الطاهر من على أثوابنا، ومسح آلام الفقد المحدقة بقلوبنا، حتى طالعتنا أصوات اعتادت أن لا ترعى لشيء حرمة - حتى الموت الذي لولاه لما وضع الإنسان رأسه لشيء- لتدخل في استثمار اعتادت أن تمارسه مع أي شيء قد يسنح لها
أعيد تداول نص نشره موقع (بيّنات) عام ٢٠١٢ على أنّه مقابلة مع السيد العم الراحل. تضمّن نسبة على لسان السيد العم لوالده الأعظم بتبني رأي نسَبه الكلام للشيخ المفيد، بالتشكيك في حادثة كسر الضلع.
وأداءً لحق الرحم، ورعاية لواجب المشيخة الروائية التي شرّفني بها السيد العم عنه عن أبيه الأعظم عن شيخ المحدّثين النوري وصولاً إلى أهل بيت العصمة والطهارة عليهم السلام، وذوداً عن الأمانة العلميّة والأخلاقية فسأبيّن بعض النقاط:
١- إنّ الكلام المنقول في الموقع كان عن كون المحسن كان حملاً سقط في الهجوم على الدار، ولم يكن عن أصل حدوث كسر الضلع، ومن يلاحظ المنشور على الموقع يرى أن عبارة كسر الضلع قد تمت إضافتها بين قوسين على أنها تفسير طبيعي للكلام في سقوط المحسن، ومعنى ذلك أن ذكر كسر الضلع لم يحصل من السيد العم حتى بحسب زعم أصحاب الموقع. ولا يخفى على من له أدنى فطنة أن عدم القول بسقوط المحسن لا يؤدي إلى عدم القول بكسر الضلع، إذ هما موضوعان منفصلان.
٢- إنّ عبارة الشيخ المفيد في الإرشاد هي: وفي الشيعة من يذكر أن فاطمة صلوات الله عليها أسقطت بعد النبي صلى الله عليه وآله ولدا ذكرا كان سماه رسول الله عليه السلام - وهو حمل - محسنا على قول هذه الطائفة أولاد أمير المؤمنين عليه السلام ثمانية وعشرون، والله أعلم (الإرشاد ج١ ص٣٥٥).
ولا يخفى أن العبارة لم تتعرض للهجوم على الدار، بل ولا شككت بوجود المحسن، بل نسبته إلى بعض الشيعة، ومن يراجع المصادر يجد أن هذا البعض هو ثقة الإسلام الكليني في الكافي، ورئيس المحدّثين الصدوق في الخصال، وابن شهراشوب في المناقب، بل وغيرهم من المؤرخين كاليعقوبي والطبري وابن الأثير والبلاذري، وأرباب الجرح والتعديل كابن حجر العسقلاني والذهبي، وأئمة اللغة كالفيروز آبادي.
مع العلم أن الشيخ المفيد في (الاختصاص) قد روى سقوط المحسن بضرب عمر في حادثة تمزيق صك فدك : ... فلقيها عمر فقال: يا بنت محمد ما هذا الكتاب الذي معك، فقالت: كتاب كتب لي أبو بكر برد فدك، فقال: هلميه إلي، فأبت أن تدفعه إليه، فرفسها برجله وكانت حاملة بابن اسمه المحسن فأسقطت المحسن من بطنها ثم لطمها فكأني أنظر إلى قرط في أذنها حين نقفت. ( الاختصاص؛ ص١٨٥).
وهذا ما اضطر السيد فضل الله إلى التشكيك بنسبة الكتاب للشيخ المفيد بأدلة لا تصمد أمام أدنى نقد.
٣- إنّ ما نقله السيد العم عن والده الأعظم - وسمعته منه مراراً- أنه كان ينقل قول الشيخ المفيد في الإرشاد ثم يعقّب عليه بأنها نسبة مثيرة للاهتمام.
وأين هذا من التشكيك وتبنّي التشكيك.
مع العلم أن السيد الجد الأعظم قدّس سره قد استشهد في كتابه ( المجالس الفاخرة ) ببيت شعر :
والبضعة الزهراء ماتت بعدما ألقت بضرب سياطهم للمحسن ( المجالس الفاخرة ص ٣٢٥؛ موسوعة الإمام شرف الدين ج٥ ص٢٣٤٤).
فهل أنّ مثل السيد يدرج في كتابه الذي ألّفه كمرجع يسير عليه قرّاء العزاء شاهداً لا يعتقده فيه نقل قضيّة لا يرى وقوعها؟!!
٤- أظهر السيد العم استهجانه إلى حدّ التهكّم -وفي أكثر من مجلس - من نقل السيد فضل الله للتشكيك بكسر الضلع عن السيد الجد الأعظم في أواخر الأربعينيات، إذ هل لمثل السيد شرف الدين وفي أواسط سبعينيات عمره الشريف أن يخص غلاماً في الرابعة عشر من العمر برأي لم يذكره في كتاب ولا أمام أحد من أهل العلم؟!
٥- لو غضضنا النظر عن النقاط السابقة لا يخفى على من له أدنى إلمام بقواعد البحث العلمي أنّ آراء العلماء ذوي المؤلفات في مجال ما تؤخذ من مؤلفاتهم، وأن ادعاءات السماع التي لا يعضدها دليل مكتوب - فضلاً عن المخالفة للمكتوب- لا وزن لها في عالم البحث.
خلاصة القول:
ظهر مما سبق أن ما نقله الموقع المذكور هو منظومة تدليس متداخل؛ فلا ظهور للتشكيك في عبارة الشيخ المفيد ، ولا ملازمة بين الشك في السقوط والشك في كسر الضلع، وليس في كلام السيد شرف الدين تبنياً للتشكيك بوجود المحسن، بل في كتابات الشيخ المفيد والسيد شرف الدين ما يشير إلى سقوط المحسن بضرب المهاجمين.
ولذا نعيد التذكير - والذكرى تنفع المؤمنين- بأن التعامل مع العلم والحقيقة والتاريخ بمعايير الإعلام المبتذلة لمعيب جداً، وإن الاتجار بالدين مشين في حد ذاته، فكيف إذا كان في السوق السوداء.
من كان له رأي في أمر فليعلن رأيه ويستدل عليه، ولا حاجة لتوسل الأساليب الملتوية، والتلاعب والتدليس، وتحريف الكلم عن مواضعه والنسبة العارية عن الصحة إلى الأعلام، فهذه أساليب لا يستخدمها إلا من تعدّى إفلاسه من الحجة العلمية إلى الالتزام الأخلاقي.
بيروت ليلة الإثنين الثالث عشر من ربيع المولد الأزهر ١٤٤١.
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat