صفحة الكاتب : مرتضى شرف الدين

قتيل العَبرة.
مرتضى شرف الدين

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

لا بُدَّ لأي منظومة فكرية أو اعتقادية تُطرح كنظام شامل للانسانية أن تراعي جميع جوانب الكيان الإنساني بتحقيق التوازن بينها، ومراعاة متطلبات الناس على اختلاف طبقاتهم.
وبما أن الإسلام هو الشريعة الخاتمة التي رضيها الله للناس ديناً، فلا بد له من أن يراعي التوازن بين العقل والروح والجسد ، ويعطي كلاً منها ما يسد حاجاته ويهذب مسيره.
كما لا بد من أن يراعي جميع المستويات الفكرية والعمرية والاجتماعية في مسيرة الجذب نحو النهج الإلهي.
لذا كان لا بد من مراعاة الحاجات الفكرية والمعرفية من خلال منظومة الأدلة والبراهين المثبتة للعقيدة والمشيدة لمبانيها، وترسي مبادئ الأخلاق التي هي وعاء الدين، وتمهّد السبيل للانقياد للتشريع كإطار ناظم لأحوال الفرد والمجتمع.
هذه المعرفة توضح الرؤية من كل الجوانب، لكنها لا تخلق الحافز الكافي للتحرك ضمن إطار هذه المنظومة، بل لا بد من دافع عاطفي يبث حافز التحرك وفق المعرفة، ويخلق الدافع في أبناء المجتمع على حد سواء على اختلاف مستوياتهم.
وما ذلك إلا العاطفة، ذلك الحافز المشترك في الشكل والمضمون بين أبناء البشر، الذي يبث الحنان في قلب الأم، كل أم، ويزرع الشغف في كل زوجين، ويخلق الدافع للتضحية والفداء.
ذلك الرابط الذي جعله الله حافز اتباع الرسالة: قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ .
وكلما كان موضوع العاطفة أبلغ في هز المشاعر كلما كان التجاوب معه أقوى، وأثره أضمن، لذلك لما انحدرت الأمة إلى غياهب العصبيات المقيتة، وتسافلت إلى درك المصالح الرخيصة، وتهددت الأصول الأخلاقية بالزوال حتى بشقها الجاهلي، من صون العرض وحماية الجار. لم تعد الحركة الفكرية تنفع لتقويم العوج، بل تحتم توجيه صفعة لوجه الإنسانية تهز وجدانها بطابع الفاجعة المريرة، فكانت كربلاء.
لذلك فإن استمرارية الهدف الكربلائي في تحفيز الأصول الأخلاقية في الوجدان الإنساني لا يحصل إلا بالحفاظ على الطابع الانفعالي العاطفي للذكرى، فصاحبها كما وصف نفسه:" قتيل العبرة ما ذكرني مؤمن إلا وبكى".
ومن هنا نعي خطورة دعوات عقلنة الذكرى وتحويلها إلى ندوات ومسرحيات وأعمال فنية، بذريعة تحفيز الوعي وتثقيف الجمهور.
إن طلب العلم فريضة على كل مسلم ومسلمة، وهي فريضة يومية، ينبغي تحفيز الناس إليها لتغذية عقولهم، ولكن هناك مواسم في العام لبناء جوانب أخرى في كيان المؤمن، فالعشر الأواخر من شهر رمضان موسم عبادة ومناجاة وترقية للروح في وصالها الإلهي، وأيام الحج موسم تهذيب للنفس بالمساواة أمام الخالق في وصف واحد جامع للبشر على اختلاف طبقاتهم، هو العبودية، وعاشوراء موسم تحفيز انفعالي للفضائل في نفس الإنسان عن طريق التعاطف الفائق مع المأساة_ الملحمة.
لذا كانت أيام حزن الأئمة الطاهرين.
ولئن كان منبر عاشوراء يستخدم لبث الفكر وتوعية الناس، فهذه فائدة نافلة ينبغي أن لا تزيل الطابع الرئيسي للموسم. 
فللعاطفة أيامها العشرة، وللفكر عامه كاملاً.
لذا فلتستبدَل دعوة عقلنة الذكرى بجهود لتنظيم مواسم التوعية على مدى العام، ودعوة الناس إليها، ليحصل التوازن التام بين جوانب الأداء الرسالي، فكما لا يليق استبدال مناسك الحج بورش عمل، ومراسم ليلة القدر بندوات ودورات، فلا يليق أيضاً تحويل عاشوراء عن وجهتها الأساس.
فلنملأ المساحات الفارغة بدل أن نشوش المساحات الملأى، فذلك أليق بالإصلاح.


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


مرتضى شرف الدين
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2019/10/15



كتابة تعليق لموضوع : قتيل العَبرة.
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net