ركبُ الخلود ((1))
السيد محمد علي الحلو ( طاب ثراه )
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
السيد محمد علي الحلو ( طاب ثراه )

وتنسابُ القافلة بين ثنايا الجبال، وانحدار الوِهاد، مودّعين الحرم الآمن بغير أمان ممّا يستقبلونه من مصير، وما يدعونه إلا حرصاً على حرمة البيت الحرام من أن تُنتهكَ بنزوة طائش ورغبة سلطان.. .
وأيمُ الله! ليزيدُ بن معاویة ابن هند خليقٌ أن ينتهك كلّ حرمة.. .
والحسين سبط رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم خليقٌ أن يحرص على كلّ ما من شأنه أن تحفظ به حرمات الله وليت أولئك المتساءلين من الحسين عن إصراره على الخروج أن تكون لهم بصيرةُ الحسين وبصائر أصحابه النجباء.. .
وإذا كان النصح أحرى بهؤلاء أن يثنوا الحسين عن عزمه على الخروج فإنّهم أحرى؛ أن يوافقوه تابعين على ما عزم عليه من الخروج ..والدين على جرفٍ هارٍ يتقاذفه آل أبي سفيان بين إمارة مكر إلى إماره طيش.. ومن شریعةِ بطشٍ إلى عُرفِ سطوةٍ تنتهك معها كل حرمة، و تُعطّل فيها كل فضيلة.
هذا ما ينتظر المسلمين من مصير، وليس لأحدٍ أن يقرأ هذا المصير ثم ينتظر من الحسين أن يتربص حتى حين.
وما الذين منع أكثر هؤلاء عن النصرةِ غير خذلانٍ انطوت عليه صدورهم مع ما يعلمون من مصير.. .
وما الذي دعا أولئك _الذين أحاطوا به _النجباء من الاستجابة غير ما اشرأبّت إليه نفوسهم من نصرة الحق.. وسمت له خلائقهم من حفظ حرمه الرسول، وقد مثله سبطه الشهيد.
وشتان بين القاعدين والقائمين.. وبين الخاذلين والناصرين.. وبين المتوجسين المخذولين، وبين المتفائلين الفاتحين.
فهؤلاء يطمعون في ذُبالة عيشٍ قصير.. وأولئك يطمحون إلى خُلدٍ مديد..
وهؤلاء يؤثرون العافية بالخنوع.. و أولئك یؤثرون العافية في مقارعة الأقران و مجابهة الشجعان..
وبالجمله فهؤلاء يؤثرون دنیا غيرهم على دينهم، وأولئك يفدون دينهم بدنياه.
ولم يكن لهؤلاء الرجال مندوحة العذرِ والتخليف والقعود.. ولا لأولئك المتخلفين حظٌ من الخلود.. فكأن هؤلاء مفطورون على الفتح والشهادة.. وأولئك منكفئون على حظهم الأدنى من الذل والتعاسة.. .
وكيف لا. وقد أعلن الإمام أبو عبد الله الحسين عليه السلام عن مصير الفريقين.. الشهادة وإدراك الفتح لمنْ التحق معه، والحرمان لمن تخلف عنه وجاء ذلك في رسالته التي بعثها إلى أهله الهاشميين حيث قال فيها:
«مَن لحق منكم استشهد، ومَن تخلف لم يبلغ الفتح».
وأي فتحٍ ثمنه الشهادة غير فتح الحسين و آله النجباء.. وأي شهادة تبلغ بأصحابها شأو الفتح غیر نصرة الحسين إحياءً لدين جده الذي لا يسعه الحياة إلا بدماء الحسين و آله الشهداء؟!
ولم يكن أبلغ مما عبر به سید الشهداء في صفة أصحابه الفاتحين بعد أن دعاهم إلى الحياة بشرط التضحية، وإلى الخلود بشرط الفداء وكم هو الحسين عظيما حيث تتصاغر عنده عظائم الأمور.. وكم أمره عجیبأ حين تتزاحم عنده النفوس مبذولةً غير حريصةٍ، وسخية غير شحيحة.. والحسين لا يسعه بعد ذلك إلا أن يؤبن الأبطال قبيل انصرافهم لحياض الموت، فيوسمهم بوسام الحياه الأبدية، واصفاً لهم بأهم الأخيار والأبرار، فقال:
«فإني لا أعلم أصحاباً أوفى ولا خيراً من أصحابي، ولا أهل بيتٍ أبر ولا أوصل من أهل بیتی»
وكم تمعنت في لغزِ هذا التقريظ، فلم أجد ما يقابلهُ من وصفٍ إلا القول بأنهم (أنصار الحسين عليه السلام).
_________________
كتاب: انصار الحسين عليه السلام
العلامة السيد محمد علي الحلو (طاب ثراه)
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat