اردوغان ... لهجة التوتر لماذا ؟
كامل المالكي
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
كامل المالكي

ليس غريبا على مسؤول في أية دولة من دول العالم ان يظهر على وسائل الاعلام ويدلي بتصريحات توصف بانها متوترة , أو ذات لهجة متشددة , لان ذلك ينجم عن طبيعة تطور العلاقات بين البلدين باتجاهات سلبية اما لاسباب سياسية تتعلق بالمصالح السياسية المشتركة والتي بنيت على اساس من القانون والعرف الدولي او اقتصادية نتيجة لعدم التزام احد الاطراف ببنود الاتفاقات الاقتصادية المتفق عليها , وان المباحثات والحوارات الناشئة بين الطرفين لم تتوصل الى ما يضع الدواء الشافي على الداء المستفحل , وبطبيعة الحال فان الدولتين المتخاصمتين تظل تتصرف وتعمل باتجاهات مختلفة بالضد من غريمتها , وتأسيسا على ذلك فاننا نجد ان العلاقات العراقية التركية تمر بأحسن فتراتها نتيجة للعلاقات التجارية والاقتصادية المتصاعدة مع ملاحظة ان الجانب التركي هو المستفيد الاول من تنامي هذه العلاقات فضلا عن العلاقات السياسية التي بقيت يسودها الحوار الهادىء بعيدا عن اللهجات المتشددة رغم الخروقات الحدودية للعراق و أعمال القصف التي تطال الاراضي العراقية بين فترة واخرى بحجة ملاحقة عناصر حزب العمال الكوردستاني التي تتسلل الى اقليم كوردستان وعليه نتساءل لماذا لهجة اردوغان رئيس الوزراء التركي المتوترة المتشنجة والمتغطرسة ؟ ,والتي تؤكد في آخر تصريحاته بأن (( تركيا لن تبقى صامتة في حال قامت السلطات العراقية بتشجيع اي نزاع داخلي داعيا الحكومة ! الى ان تتبنى موقفا مسؤولا يدع جانبا جميع اشكال التمييز الطائفي ويمنع قيام نزاعات طائفية )) .
الجواب على ذلك نجده في التوقيت الذي أطلق فيه السيد اردوغان تصريحاته حيث لاتوجد مشاكل سياسية أواقتصادية أو أمنية مباشرة أو غير مباشرة تؤثر على الجانب التركي بسبب العراق بأي شكل من الاشكال حتى الموقف من المسألة السورية والذي يختلف البلدان ازاءها لم تتضح له اية صورة ذات تاثير على العلاقات بين البلدين الجارين , لكننا اذا بحثنا في المشهد العراقي خلال هذه الفترة لانجد سوى مسألتين تطفوان على الساحة السياسية للبيت العراقي هما ’اولا الخلاف الناشىء بين التحالف الوطني وتحديدا (دولة القانون) بزعامة رئيس الوزراء نوري المالكي وكتلة العراقية بزعامة اياد علاوي واركان القائمة الآخرين كالسيد صالح المطلك أوغيره بصدد مايسمى بالمشاركة في القرارات المصيرية , والثانية ازمة نائب رئيس الجمهورية طارق الهاشمي المعروفة والتي اجمعت عليها القوى السياسية بما فيها كتلة العراقية التي ينتمي اليها الهاشمي بانها مسالة قضائية بحتة . واذا فصلنا بين المسالتين نجد ان الاولى تعتبر ازمة سياسية قائمة منذ عدة سنوات ورغم ان القائمة العراقية تمثل في الحسابات الانتخابية والمحاصصية المكون السني او هكذا يرى التحالف الوطني الشيعي في الاقل وهي رؤية صحيحة رغم ادعاء القائمة العراقية بتبني المشروع الوطني لكن الثقل المؤثر فيها للمكون المذكور , فان الحكومة التركية ورئيسها اردوغان لم يتدخلا في هذا الموضوع من طرف علني ولم تصدر مثل هذه التصريحات المتوترة للسيد اردوغان أو غيره بشأن موضوع الاختلاف ’ لكن المتتبع للاحداث سيشهد بان كيل السيد اردوغان قد طفح كثيرا بعد استفحال ازمة الهاشمي وغلق جميع المنافذ لمعالجتها بغير القضاء ولاسيما موقف رئيس الحكومة وهو المسؤول عن الجوانب الامنية باعتباره القائد العام للقوات المسلحة القوي من هذه المسالة .
ان المراقب لعلاقة السيد الهاشمي بالجانب التركي يجدها اكثر توطيدا من أية علاقة اخرى مع دول الجوار الاقليمي سواء على صعيد الزيارات الرسمية أو العلاجية أو المشاركة في المؤتمرات والندوات التي تعقد بشأن العراق داخل تركيا حيث نجدها تحظى باهتمام السيد الهاشمي اكثر من غيره من السادة المسؤولين بما فيهم قادة العراقية الآخرين , ولطالما حظيت هذه الزيارات بملاحظة عدد من النواب العراقيين الذين راحوا يتساءلون عن طبيعتها واهدافها وتوقيتاتها , ولابد لشخصية مسؤولة عراقية ان تحظى بكل هذا الاهتمام من المسؤولين الاتراك انما تفسر لحسابات سياسية وضعتها تركيا لايجاد منافذ للتوغل داخل الجسم العراقي والتأثير على اتجاهات الحكومة العراقية ازاء المسائل السياسية أو الاقتصادية المستقبلية , أو بمعنى آخر ضمان مستقبل سياسي واقتصادي افضل , ربما لاعتقادها بوجود تدخل أو توغل ايراني في العراق ما يقتضي خلق موازنة بهذا الصدد , وقد أكدت القائمة العراقية هذه التحليلات وسارعت النائبة عن القائمة لقاء وردي في تصريحات صحفية نشرت يوم 26 من كانون الثاني الجاري (بأن تصريحات رئيس الوزراء التركي التي اتهم فيها نظيره العراقي ياثارة نزاع طائفي في البلاد تهدف الى كبح (( التدخل الايراني )) فيما قللت من أهمية التاثير التركي مقارنة مع ما وصفته بالتوغل الايراني ) وتعترف النائبة (بوجود تأثير تركي ولكنه غير مؤثر بشكل كبير كما يؤثر التوغل الايراني ) , في حين ان جميع القوى السياسية الفاعلة في المشهد العراقي ادانت هذه التصريحات واعتبرتها تدخلا في الشأن العراقي الداخلي كالتحالف الوطني بجميع كتله والتحالف الكوردستاني وكتلة التغيير الكوردستانية والحزب الطليعي الاشتراكي الناصري والتجمع الجمهوري وغيرها من القوى والشخصيات الوطنية وطالبت باتخاذ اجراءات اقتصادية وسياسية للحد من هذا التدخل .
ان قلق اردوغان على مايصفه بتشجيع الحكومة على قيام نزاع سني شيعي في العراق لم يأت من فراغ انما جاء من خلال احتمالين هما , اما ان تكون الحكومة التركية قد بدات تتبنى مشروعا طائفيا في العراق او انها حصلت على معلومات مضللة من قوى سياسية عراقية اعتادت السفر الى تركيا كثيرا واللقاء بالمسؤولين الاتراك بشكل غير رسمي ومنها على سبيل المثال لا الحصر نداءات الاستغاثة التي اطلقها النائب السابق عدنان الدليمي خلال مؤتمر عقد في تركيا لاغيرها طالب فيه بصوت عال لانقاذ السنة من الفناء في العراق ! وفي الحالتين فان الحكومة التركية لم تحسن التصرف أمام جارها الواعد اقتصاديا وسياسيا وستؤثر بالتالي على حجم العلاقات بين البلدين وبالتأكيد فان هذا التأثير سوف لن يكون في صالحها , خاصة بعد تنامي العملية السياسية وبناها التحتية في العراق وقوة كتلة التحالف الوطني ومنها كتلة دولة القانون برئاسة نوري المالكي الذي تحول الى رجل دولة من طراز مؤثر وبارزما يقتضي التعامل مع العراق الجار المستقل بلغة الحوار وليس بمنطق الغرماء , وان الاشكالية التي وضعت تركيا نفسها فيها بسبب محاولة بعض الاطراف العراقية الاستقواء بها يجب ان يعاد النظر بها لان العراقيين هم في النتيجة عائلة واحدة كلما تشتد بهم الازمات وان النغمة الطائفية المقيتة لايمكنها ان تكون وسيلة لتقوية العلاقات بين الدول والحفاظ على مصالحها الامنية والاقتصادية والسياسية انما لغة التفاهم والحوارهي اللغة الاجدى لجميع الاطراف .
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat