صفحة الكاتب : ليث العبدويس

إلى بَغدادَ دَمعي.. مَعَ التَحيّة
ليث العبدويس

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

 قَدَرُ العِراقِ أن يَضِلَّ الطَريقَ إلى الحُريّة، وَكَمْ مِنَ باحِثٍ عَنْ النورِ ارتَكَسَ في حمأةِ ديجورٍ كَثيف، قَدَرُهُ أنْ يَستَمِرَّ في حالة الاحتِضار الأبدي، مُعَلّقٌ بينَ السماواتِ والأرضينِ، وبينَ الحياة المُرّةِ والموتِ اليومي تتأرجَحُ مصائِرُ شَعبٍ يُكابِدُ مَعَ مَطلَعِ كُلّ صَباح شَكلاً جديداً مِنْ أهوال القيامَة.

 
 ضاقِتْ عليهِ المَخارِجُ والدُروبُ والمسالِكُ، وَنَهَضتْ أمامَ مُقلَتيهِ اللتانِ جرحتهُما الليالي السودُ ظِلالٌ ثَقيلةٌ لِدولَةٍ أمنيّةٍ جَديدةٍ تَفِحُّ البُغضَ وَتزفِرُ الكراهية، دُموعُ العِراقِ تأبينٌ مؤثِرٌ يُعلِنُ موتَ الديمُقراطيّة وانتِحارَ الحُرّيات وَتقاعُدَ الليبراليّة، بَلَدي عالِقٌ في مملَكة الرَماد، حيثُ كُلُّ شيءٍ يتَشِحُ بالسَواد، وَكُلُّ شيءٍ يُنذِرُ بِواقِعَةٍ وَشيكة، واللُغَةُ همهَماتٌ كَتَحشرُجِ الموتى، كارتِعاشات الذَبيح، كصوت انطِباق القُبور، فَهَل الفَجيعَةُ حتميَتُكَ يا وَطَني؟
 
 وَطَني أدمَنَ تعاطيَ المِلحِ حتى تَخشَبَتْ مِنهُ الأصابِعُ وَتَكلَّسَتْ الشِفاه، قَدَرُهُ أنْ يَسمِلَ مُعذَبوهُ عينيهِ البابِليتينِ الجَميلَتينِ ويقطَعوا لِسانَ كِلكامِش الصادِحَ فيهِ وَيُلقوهُ في غياهِبِ التيهِ والضياع، وينتَزِعوا مِنْ دُروبِهِ الشائِكاتِ كُلَّ علاماتِ الدَلالة، فيا للنَذالة!.
 
 قَدَرُهُ أنْ هولاكو الوَثَني لَمْ يَزلْ يُمطِرُ كتيبَةَ كَلبِهِ (كَتبَغا) بألفِ أمرٍ لِحَرقِ بَغداد، وأنَّ ألفَ طوسيٍ يَخون، وألفَ عَلقَميٍ يُرجِفُ في أرجاء المَدينَةِ الخائِفة، وَبغدادُ عَذراءُ التاريخ الأخيرة، تَكتُمُ شهقَةَ الذُعرِ خَلفَ أطلالٍ لِتمثالِ الرَشيد نَسَفَتهُ جِرذانُ المَجاريرِ الكَريهة، بغدادُ تَلوذُ بِصَمتِها المُهاب، تُخفي تَحتَ جِلبابِها الطاهِرِ آخِرَ رَضيعٍ أَمَوي، آخِرَ سيفٍ معقوفٍ مِنْ فُتوحاتِ الأندَلُس، آخِرَ كأسٍ لِيَسوع، آخِرَ تَنقيحٍ للياليها المُدبِراتْ، آخِرَ فيروزَةٍ في تاجِ الخِلافةِ نَجَتْ مِنْ نَهبِ القراصِنةِ الملاحِد، وألفُ مُغتَصِبٍ حَقير يَترَنّحُ في أرجاء الَمدينة، يَنتَشونَ اليوم بانتِصارٍ هَزيلٍ على (جان دارك) العربيّة، فهنيئاً لَهُمُ تَسافُلُ ظَفرِهِم، وهنيئاً لبغداديَ الحسناءُ مرتَبَةَ القُدُسيّة.
 
 حَزينَةٌ أنتِ إنْ هُم أنزَلوا رايةُ الأمجادِ التَليدةِ مِنْ قُصرِكِ المَنيف؟ حَزينَةٌ إنْ هُم نَصّبوا الأخرَق حاكِماً بأمرِهُ على سُكّانِ الَكرخِ وأهلِ الرَصافة؟ ذلكَ المعتوهُ الذي بُحّتْ حُنجُرَتُهُ المَشروخَةُ مِنَ التسوّلِ، ذلكَ الذي أتلَفَ الأفيونُ فيهِ المروءة والرِجولة، يا عروسَ الشَرقِ التي جردوها مِنْ كُلِ زينة، سَرقوا مِنها المَحاجِرَ وقواريرَ الكُحلِ الحِجازي الأصيل، سرقوا مِنها ذاكِرةَ الوُجودِ والدواةِ والقَلَم.
 
 إشمَخي (إنطوانيتُ) وأنتي تُساقينَ إلى المَقصَلَة، أطَعَني بِكبرياء المُلوكِ رِقابَ الرِعاع النابِحينَ بِزوالِكِ، زَهوكِ أطوَلُ مِنْ أعمارِ كُلّ قاتِليكِ، وقامَتُكِ أعلى مِنْ كُلّ شواهِدِ قُبورِهِم المُتهَدّمة.
 
      
 
ليث العبدويس – بغداد – alabedwees@yahoo.com

قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


ليث العبدويس
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2012/01/30



كتابة تعليق لموضوع : إلى بَغدادَ دَمعي.. مَعَ التَحيّة
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net