تيمور لنك احتل بغداد أربع مرات
د . عبد الهادي الطهمازي
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
د . عبد الهادي الطهمازي

مطاردات تيمور لنك العسكرية للسلطان أحمد بن أويس الجلائري حاكم العراق كثيرة، حيث احتل تيمور بغداد عدة مرات بسبب العداء الذي نشب بينه وبين السلطان أحمد الجلائري.
الجلائريون قبيلة من المغول جاءت مع جيش هولاكو، وكان جدهم الأعلى إيلكان أحد قادة هولاكو، ثم صار ابنه حسين بن إيلكان من قادة أباقا خان ابن هولاكو، وهكذا حتى صار ابنه حسن الطويل أحد قادة السلطان المغولي أبو سعيد بهادر.
تزوج حسن الطويل مؤسس الدولة الجلائرية من أخت جوبان أمير الأمراء في البلاط الأليخاني، وكان اسمها بغداد خاتون، وصادف أن رآها السلطان الأليخاني أبو سعيد بهادر وكانت جميلة جدا، فأمر حسن الطويل أن يطلقها ليتزوجها هو، وتحت ضغط السلطان قام حسن الجلائري بتطليقها.
بعد فترة من الزمن وصلت وشايات الى السلطان أبي سعيد أن حسن الطويل يتصل بزوجته بغداد خاتون سرا، فأراد أن يبعده على البلاط فقام بتعيينه واليا على بلاد الأناضول –الجزء الغربي من تركيا حاليا-.
بعد وفاة أبي سعيد بهادر سنة 736هـ، قويت شوكة حسن الطويل، فصار يعين الملوك ويعزلهم، ثم أعلن نفسه سلطانا على البلاد سنة 741هـ، وبذلك تأسست الدولة الجلائرية في تركيا والعراق وأذربيجان وفارس من إيران.
وبعد وفاة حسن الطويل سنة 757هـ تولى ابنه أويس السلطنة، ولما مات أويس 776هـ دفن الى جوار أبيه في الجهة الشمالية لحرم الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام لأن الجلائريين كانوا من الشيعة، وحتى السلطان الأليخاني أبو سعيد بهادر وأبوه من قبله محمد خدا بندة (أوليجايتو)
وقد ظهر سرداب أثناء الحفر لإجراء إصلاحات على الحرم العلوي في العهد العثماني، فظهرت قبور السلطانين ذلك السرداب وعليه الشواهد قبري الشيخ حسن الجلائري وابنه أويس والى جانبهم طفلة يظهر أنها بنت للأسرة الحاكمة آنذاك، ثم طمر السرداب مرة أخرى وضاعت معالمه.
والمهم: بعد وفاة السلطان أويس تولى ابنه حسين السلطة، وبقي في سدة الحكم الى سنة 784هـ حيث قتل على يد أخيه أحمد بن أويس في تبريز، وتولى أحمد السلطنة منذ ذلك الحين، وفي عهده احتل تيمور لنك بغداد عدة مرات وطارده مطاردة حثيثة لكنه لم يظفر به.
احتل تيمور الكثير من البلدان ثم توجه الى شيراز فاستنجد الشاه منصور والي شيراز من قبل أحمد بن أويس بسيده السلطان، فهب أحمد بن أويس لمساعدته، لذلك عندما قتل تيمور منصورا بعث برأسه الى أحمد بن أويس كنوع من التهديد.
وفجأة وصل تيمور مشارف بغداد في 29 شوال سنة 795هـ، فقطع أحمد بن أويس الجسر ليمنع جيش تيمور من العبور، لكن هذه الحيلة لم تنفع وعبرت الجيوش ولم يكن أمام السلطان الجلائري سوى الفرار الى حلب ومنها الى مصر.
ودخل تيمور بغداد ونصَّب عليها نائبا عنه اسمه مسعود السبزواري، ثم عاد الى عاصمته سمرقند.
أخذ حاكم مصر برقوق وأحمد بن أويس يعدان العدة للكرة على بغداد، فجمع له جيشا كبيرا في الشام، وسار أحمد بالجيوش فلما وصل بغداد خرج إليه مسعود السبزواري، لكنه هزم في المعركة وعاد السلطان أحمد الى بغداد أواخر عام 796هـ.
وفي سنة 800هـ قصد تيمور لنك بغداد مرة أخرى، فتحصن السلطان أحمد بن أويس بأسوارها، فلم يفلح تيمور بشيء فعاد الى همدان لتنظيم جيشه وتزويده بالعدة والعدد.
ثم عاد تيمور في العام التالي أعني 801هـ وعرف أحمد أن لا طاقة له بمواجهته فكاتب السلطان العثماني بايزيد الأول يطلب منه السماح له باللجوء إليه، فترك بغداد وأمر نائبه فرح نامة بتسليم المدينة الى تيمور، وفرَّ الى حلب ثم منها الى انقرة.
دخل تيمور بغداد وفتك بأهلها وهدم مبانيها، ثم عاد عنها الى تبريز، فلما علم أحمد الجلائري برجوعه، عاد هو الى بغداد وشرع في إعادة تعميرها.
ووصلت أخبار عودته الى تيمور، فأرسل أربعا من قواده لطرده منها، وما أن اقترب الجيش حتى فرَّ أحمد بن أويس الى الحلة، وترك ولده طاهر على بغداد، فثار طاهر هذا على أبيه، فعاد أحمد الى بغداد، فهجم عليه ولده طاهر وأخذ منه أمواله، لكن تدخل قرة يوسف (مؤسس الدولة الجلائرية الثانية في العراق) بمن معه من الجنود ضد هذا الثائر، ففرَّ طاهر وأقحم فرسه نهر دجلة ظانا أنه سينجو لكنه غرق ومات.
وعاد تيمور الى بغداد سنة 805هـ ففر أحمد بن أويس كالعادة الى حلب ومنها الى بايزيد الثاني سلطان العثمانيين.
فاشتد غضب تيمور على السلطان العثماني لإيوائه عدوه اللدود، وجهز جيشا كبيرا لمحاربة بايزيد العثماني. فبدأ أولا ببلاد الشام فاستخلصها من المماليك الجراكسة حكام مصر، ثم مضى الى أنقرة.
وقد بالغ المؤرخون في عدد هذا الجيش فقيل أنه بلغ مليون وأربع مائة ألف مقاتل، وسار بهم الى انقرة، فخرج إليه بايزيد في مليون ومائتي ألف مقاتل حسب روايات المؤرخين، وكان ضمن الجيش العثماني عدد لا يستهان به من التركمان وكان هؤلاء قد أخذ السلطان العثماني أراضيهم وممتلكاتهم فحنقوا عليه، فلما نشبت الحرب، خذل التركمان السلطان العثماني وانضموا الى تيمور لنك الذي ضمن لهم إعادة أراضيهم إليهم.
ودارت المعركة من الفجر حتى غسق الليل، في سهل جوباق آباد قرب أنقرة، وكانت معركة كبيرة انهزم فيها الجيش العثماني شرَّ هزيمة، ووقع السلطان بايزيد واثنان من ابنائه وزوجته في الأسر، فوضعه تيمور في قفص حديدي، وأجبر زوجته أن توزع انخاب النصر على أعوانه بشكل يخدش الحياء ذكره، فمات السلطان العثماني كمدا وحزنا، بعد سنة من أسره أي سنة 1403م.
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat