المتقاعدون خلي ياكلون مادام خالهم طيب !
كامل المالكي
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
كامل المالكي

يقال والعهدة على الموروث الشعبي ان رجلا زار بيت شقيقته وبدل ان يجيب عن تساؤلاتها عن حال واحوال الاهل راح يستعرض لها مشاهداته في الاسواق وهو في الطريق اليها وكان كلما يعبر لها عن اعجابه بفاكهة أو مادة غذائية يسيل لها لعاب اولادها الذين اصطفوا لمشاهدة خالهم الكريم ويديه الخاليتين, كانت تجامله وتقول له ( خوية انت منين لك ) لكنه كان يواصل التعبير عن اعجابه بنعم الله والاخت تجامله , وما كان منه الا ان ختم اعجابه بما شاهد في الطريق وهو الذي لم يجلب لاطفال شقيقته حبة واحدة من أي صنف ليفرحوا بها ليقول لها بفخر ( يمعودة خل ياكلون مادام خالهم طيب ) .
ان حكاية هذا الخال الطيب جعلتنا نتذكر حال المتقاعدين مع جل الاحترام والتقدير لهم ولما قدموه في بناء هذا الوطن العزيز , ويبدو ان الدولة العراقية الجديدة قد استمرأت هذه الحكاية وراحت تتقمص دور ذلك الخال , فلا يمر يوم الا وتطالعنا الصحف ووسائل الاعلام الاخرى بسيل من التصريحات حول الزيادات والمكاسب الكبيرة التي سيجنيها المتقاعدون من خالهم المتمثل باللجنة المالية في مجلس النواب ووزارة المالية ايتداء من وزيرها السابق واللاحق وانتهاء بأقسام الوزارة التي تقف كما يقول رئيس جمعية المتقاعدين في تصريحاته الصحفية الاخيرة بالضد من تطلعات وحقوق المتقاعدين , ففي الوقت الذي كان فيه المتقاعدون يمنون النفس في انتشالهم من هوة الفقر السحيقة في بلد يطفو على بحيرة من النفط من خلال وعد خالهم ’ صدر قانون التقاعد رقم (27) لسنة 2006 المعدل ليزيد الطين بلة حينما قسم المتقاعدين الى صنفين فاصبح المتقاعدون قبل صدور هذا القانون يتقاضون رواتب اقل بكثير من رواتب اقرانهم الذين يحالون بعد صدوره في خرق فاضح للدستور الذي يدعون احترامه , حيث يؤكد هذا الدستور بأن المواطنين متساوون أمام القانون فأين المساواة في هذا القانون ؟ الذي لم يكتف الى هذا الحد انما التف على المتقاعدين في محاولة غير مباشرة لمنعهم من التعاقد مع مؤسسات الدولة لتحسين وضعهم المعاشي حيث قضت الفقرة أولا من المادة (11) من القانون المذكور بان ( يتقاضى المتقاعد الذي يعاد تعيينه بأية صفة في وظيفة غير تقاعدية أو بعقد خاص راتبه التقاعدي أو المكافأة الشهرية ومخصصات الوظيفة المعاد تعيينه فيها ايهما أكثر ولايجوز الجمع بينهما , ويتساءل المرء اذا كان لايجوز الجمع بين الراتبين فكيف يحسن المتقاعد من وضعه المادي المأساوي ثم لعيون من يعمل وراتبه الذي تعاقد به في اغلب الاحيان يتساوى مع مقدار راتبه التقاعدي الشحيح بمعنى آخر ان متقاعدا ما يتقاضى راتبا تقاعديا مقداره مائتا الف دينار واستطاع ان يحصل على عقد في دائرته للاستفادة من خبرته وبنفس مقدار راتبه التقاعدي أو يزيد فليلا فما فائدة عودته للعمل مجددا اذا تنازل عن أحد الراتبين , ان هذه الفقرة من القانون انما تهدف الى منع المتقاعد للعمل وانتشال نفسه وعائلته مما يعاني من فاقة , وبسبب هذه الفقرة (( الماكرة )) ولجهل المتقاعدين بمثل هذه التفاصيل والفقرات القانونية فضلا عن ان الدوائر التي تعاقدوا معها لم تبلغهم بالامرأو تبلغ دائرة التقاعد لايقاف رواتبهم كما يقضي القانون فان الكثير منهم باتوا مطالبين بتسديد ما تقاضوه من رواتب عملهم بموجب العقد ولعدة سنوات دفعة واحدة ولم تقبل دائرة التقاعد العامة باعادة المبلغ على شكل اقساط شهرية لبراءة ذمتهم في وقت لايملكون فيه الا مايسد قوت يومهم , فاين العدالة واين الانسانية من هؤلاء ؟ في وقت تم فيه اعفاء المتجاوزين على شبكة الحماية الاجتماعية من الاموال التي تقاضوها بدون وجه حق وهناك اصوات في مجلس النواب بدأت تطالب باعفاء المعادين للخدمة من اعادة الرواتب التي تقاضوها بدعوى الفصل السياسي وثبت انهم لم يكونوا مفصولين سياسيا ناهيك عن بالون الاختبار الذي اطلق بشأن اعفاء مزوري الشهادات من تبعات تزويرهم .
ان عدم مساواة المواطنين امام القانون ومخالفة الدستور الذي صوت عليه الشعب لم تقف عند هذا الحد فقد اصدروا القانون الخاص والتعليمات التي توفرلكبار المسؤولين وبعض حاشيتهم رواتب تقاعدية خيالية قد تتجاوز عشرة ملايين شهريا لقاء خدمة في الدولة لاتتجاوزعند بعضهم بضعة شهور واخيرا اصدروا قانون تقاعد خاص بهم يبدا بشمول من لديه خدمة لاتتجاوز ستة اشهركحد ادنى ليتقاضى نظير (( اتعابه)) خلال هذه الشهور الست العجاف عدة ملايين من الدنانير, في حين ان متقاعدا خدم اكثر من ثلاثين عاما ويحمل شهادة جامعية وبدرجة وظيفية متقدمة لايتجاوز راتبه التقاعدي بموجب قانون التفاعد النافذ في احسن الاحوال اكثر من 400 الف دينار , وقبل احالة الموازنة العامة تزاحمت التصريحات بزيادة لامناص منها في هذه الموازنة بعد أن تلاشت الآمال لاصدار قانون تقاعد موحد أو منصف للمتقاعدين حتى وان شكل صدوره زعلا في اروقة البنك الدولي , لكن هذه التصريحات سرعان ماتلاشت وحل محلها صوت السيد وزير المالية وهو يقدم الميزانية بان لازيادة في رواتب المتقاعدين في هذه الموازنة , وكان هذا التصريح بمثابة لطمة أو لنقل فترة الصمت الاعلامي لنواب الشعب بشأن حقوق المتقاعدين الوهمية , ولكن هذا الصمت لم يدم طويلا حين سارعت اللجنة المالية في مجلس النواب للبحث بما في الميزانية من (( خردة)) وتمخض هذا البحث عن كلام ووعود بأن ثمة زيادة طارئة لحين اصدار القانون الموحد الجديد ,البعض حدد الخردة عفوا الزيادة ب70 الف دينار شهريا والبعض الآخر ومنهم النائب هيثم الجبوري عضو اللجنة المالية الذي توصل مع زملائه كما يقول الى حل وسط بدل اصدار قانون موحد وهو اعطاء منحة طوارىء للمتقاعدين لم يحدد مبلغها , وبنفس الوقت ذكر احد السادة النواب بأن ثمة زيادة في رواتب المتقاعدين تبلغ 50 بالمائة من رواتبهم , ونحن نقول للسيد الجبوري واعضاء اللجنة المالية ولغيرهم من المتلاعبين بعواطف الناس انما حالكم حال ذلك الخال الحالم الذي قال لابناء شقيقته اكلوا مدام خالكم طيب وهو الذي جاءهم خالي الوفاض وكأن لسان حالكم يقول للمتقاعدين كما قال المثل الشعبي (( قرصة خبز لاتكسرين باقة فجل لاتحلين اكلي لما اتشبعين)) .
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat