صفحة الكاتب : د . مصطفى يوسف اللداوي

صندوقُ النقدِ الدولي عدوُ الشعوبِ ومدمرُ البلدانِ
د . مصطفى يوسف اللداوي

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

صنعه الكبار ليتحكموا في الصغار، وأسسه الأقوياء ليسيطروا على الضعفاء، ووضع أسسه المنتصرون وأرسى قواعده المستعمرون، الذين أرادوه قصداً أداة لهم للسيطرة، ووسيلة للهيمنة، وأسلوباً للتحكم، وشكلاً للبقاء ومبرراً للوجود، وسبيلاً لتمرير سياساتهم والمحافظة على امتيازاتهم.

 

إنه صندوق النقد الدولي وتابعه البنك الدولي، وجه الاستعمار الجديد وسلاحه الحاد، وأداته الخشنة، وسكينه القاطعة، وشروطه القاهرة، ووصفاته المميتة، ووسائله المذلة، يسلطونه على من يشاؤون، ويطلقونه ضد من يريدون، فيتدخلون في شؤون الدول، ويعدلون في سياسات الحكومات، ويبدلون في النظم الاقتصادية والمعايير التجارية، ويفرضون أشكال الحياة ومظاهر العيش.

 

أوجدوه بعد رحيلهم من البلاد التي كانوا يحتلونها، ضد الشعوب المقهورة ليجوعوهم ويحرموهم، ويعذبوهم ويقهروهم، ويسلبوا خيراتهم وينهبوا ثرواتهم، حيث لم يكن لهذه الدول التي تحررت منهم حديثاً نظماً اقتصادية ولا هياكل مالية، ولا خطط مستقبلية أو مشاريع إنتاجية وتصوراتٍ إنمائية، إذ كان استقلالها ناقصاً وتبعيتها كبيرة، وقدراتها على مجاراة الغرب القادر اقتصادياً وتقنياً ومعلوماتياً محدودة جداً.

 

صندوق النقد الدولي، عدو الشعوب النامية، والمتسلط على الفقراء والمعدمين، المحارب لهم في خبزهم وقوتهم اليومي، إنه صاحب وصفات العلاج التقشفية، والشروط التعجيزية، ورفع الدعم عن السلع الأساسية، وتخفيض قيمة العملات الوطنية، وتحرير أسعار الصرف، والتخلي عن الفئات الشعبية الفقيرة، والطبقات الاجتماعية البسيطة، وإعلان الحرب على الشركات العامة وخصصتها، وحرمان المواطنين من خدمات الدولة الأساسية وبيعها للرأسمالية الخاصة المتوحشة.

 

إنها المؤسسة الدولية الرأسمالية، الأكثر وحشيةً والأشد عدوانيةً ضد المواطنين، التي تتعمد تركيز رؤوس الأموال في أيدي فئاتٍ قليلةٍ جداً من المجتمع، ليزدادوا ثراءً وفحشاً، وجشعاً وطمعاً، في الوقت الذي تعمل فيه بكل استطاعتها لحرمان الفقراء مما بقي معهم، وتجريدهم مما كان لهم تمويناً أو دعماً، أو مرافق عامة وتسهيلات دولة، حتى أصبحت مرافق الدولة ومؤسسات الشعب كلها شركات للأغنياء، ينظمونها بشروطهم، ويخضعونها لأطماعهم، ويفرضون فيها تصوراتهم، فغدت نوادي للكبار ومرافق للأغنياء فقط، فلا يتمتع بها الفقراء، ولا يستفيد منها العامة، وقد كانت كلها من قبل لهم ولغيرهم.

 

كثيرةٌ هي الدول التي خضعت لصندوق النقد الدولي، وقبلت بوصفته، واستسلمت لخبرائه، وغيرت هياكلها الاقتصادية وقوانينها الاستثمارية، ووافقت على رفع سعر رغيف الخبز وتنكة البنزين، وخفظت قيمة عملتها الوطنية، وتلقت مساعدات مادية، وحصلت على ديونٍ ماليةٍ بفوائد مختلفة، ونفذت التعليمات وأخذت بالتوصيات، واضطرت إلى مواجهة شعوبها، وقمع أبنائها، والتصدي للمعارضين والمتظاهرين، ورغم ذلك فقد انهارت هذه الدول أكثر، وضعف اقتصادها، وتراجع مدخولها، وبقيت تعاني مما كانت تعاني منه من قبل وصفات صندوق النقد الدولي وأكثر.

 

تكاد وصفات هذا الصندوق النكد تتشابه ولا تختلف لكل دولةٍ تلجأ إليه وتطلب مساعدته أو ترغب في استشارته، فهو يدفع الحكومات لاتباع سياساتٍ تقشفيةٍ حادةٍ لمناسبة العجز المالي الذي تعاني منه، وقد أدت سياسة التقشف التي يعتمدها إلى تدمير الخدمات الاجتماعية، وتلف الضمان الصحي، وانهيار المؤسسات التعليمية، فضلا عن تفشي ظاهرة البطالة وإغلاق المؤسسات العامة، والمعامل والمصانع الصغيرة التي فقدت السند والحماية من الدولة.

 

صندق النقد الدولي يدعو إلى تحرير التجارة الخارجية ورفع القيود عنها، والسماح للمنتجات الغربية بالمنافسة والدخول إلى أسواق البلدان الوطنية، حيث تجتاح الشركات العملاقة العابرة للقارات حدود هذه الدول، الأمر الذي من شأنه أن يقود دوماً إلى حدوث حالة بطالة عامة، تسفر عن خرابٍ وفقرٍ مدقعٍ بين الطبقة الأكبر والأكثر عدداً في البلدان النامية.

 

الدول التي خضعت لوصفة صندوق النقد الدولي وطبقت شروطه، ازدادت مديونيتها وتضخمت أزماتها، وتضاعفت مشاكلها، وزادت نسبة بطالتها، وانخفضت قيمة عملتها، وتراجع مستوى دخل أفرادها، واتسعت الهوة بين مواطنيها، وخلقت طبقة صغيرة غنية فاحشة الثراء، وأخرى كبيرة فقيرة محرومة من كل شيء.

 

في ظل حالة الركود الاقتصادي المهول الذي تعاني منه دول المنطقة، وتحت ثقل العقوبات الاقتصادية التي تفرضها الولايات المتحدة الأمريكية ومجلس الأمن الدولي، فإن إدارة صندوق النقد الدولي والمشرفين عليه يتلمظون بشغفٍ، ويسيل لعابهم بطمعٍ، ويتربصون بحقدٍ، وينتظرون متى يتدخلون في شؤون دول المنطقة العربية والإسلامية، ليوهنوا قوتها، ويضعفوا اقتصادها، ويفرضوا عليها شروطاً تعجيزية ليحدوا من قدراتها، ويضعوا حدوداً لتطلعاتها، ويمنعوها من التفكير في التطوير والحداثة، وامتلاك القدرة والتقانة، ويجبروها على اتباع سياستهم وعدم معارضة توجهاتها.

 

اليوم تترشح لصندوق النقد الدولي عددٌ من الدول العربية، تمهيداً لافتراسها والسيطرة عليها، وتدمير اقتصادها وتخريب مستقبلها، فمصر والجزائر وتونس والمغرب وموريتانيا والصومال واليمن والعراق وسوريا والأردن ولبنان، تنتظر كلٌ منها دورها وتتهيأ لمصيرها، وهو مصير أسودٌ محتومٌ وبائسٌ معلومٌ، ورغم ذلك يتسابق قادتها ويهرول حكامها نحوه لمزيدٍ من الديون والقيود، واستقدامٍ للخبراء والمستشارين ذوي الامتيازات العالية والرواتب الخيالية، تدفعهم وعودٌ زائفة بالغنى والثراء، والتطور والنماء والتقدم والرخاء، وكأنهم لم يأخذوا الدروس والعبر، ولم يتعلموا مما وممن سبق، الذين ارتهنوا للصندوق وباعوا أوطانهم، وأغرقوا بلادهم، وفرطوا في خيرات شعوبهم، ودمروا مستقبل أجيالهم، وما زالوا يحلمون بجناته ويأملون في وعوده.


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


د . مصطفى يوسف اللداوي
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2019/07/16



كتابة تعليق لموضوع : صندوقُ النقدِ الدولي عدوُ الشعوبِ ومدمرُ البلدانِ
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net