وقفات مع السيد كمال الحيدري في الادعاء بأن في القرآن اساطير...3
د . هاشم سلمان الموسوي

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

 في هذه الوقفة سنتناول انكار السيد الحيدري لحقيقة قصة آدم وزوجه وقصة سجود الملائكة لآدم، كما نشير الى انكاره حقيقة ما حدث بين موسى وفرعون.

يتساءل السيد الحيدري:
هل القصص القرآنية حقيقة أم مجرد أمثلة لحقائق تكوينية.. هنا أحتاج الى ذكر مقدمة، هذه المقدمة مرتبطة بأصل منظومة المنهج القرآني. هل أن قصة آدم وزوج آدم قصة حقيقية أم تمثيل لحقائق تكوينية، لا توجد عندنا واقعة اسمها آدم وزوجه بالنحو الذي أشار اليه القرآن في القصص.

طبعا هذا البحث قد يقول قائل مختص بآدم وزوجه، لا.. تنتقل الى مجموع القصص القرآنية هل هي أمثلة أم هي حقيقة؟
وهذه واقعا تقلب منظومة الوقائع القرآنية كلها.. لأنه إذا قصة حقيقية فلنتكلم عن آدم وزوجه، إذا هي قضية حقيقية، يأتي سؤال أولا: في أي عالم كان هذا؟ في عالم الدنيا أو في عالم قبل الدنيا؟ فاذا كان في عالم قبل الدنيا، هل يوجد تكليف شرعي أو لا يوجد تكليف شرعي؟ واذا كان في هذا العالم لماذا يخرج منها وأين يخرج.. وعشرات بل مئات من الأسئلة..

ثم يتطرق الحيدري لقضية السجود لآدم بالقول: ثم اسجدوا لآدم، ماذا يعني السجود لآدم؟ يعني أن الله تعالى أتى بآدم الذي يمثل قصة حقيقية وأوقفه وأوجد صالون-لا أعلم هذا الصالون ما هو حجمه لأنه يقول فسجد الملائكة كلهم أجمعون.

ثم يتساءل الحيدري: كم مليار مليار من الملائكة، نحتاج صالون بأي حجم، هؤلاء كلهم يقعد في وسطهم.. وقف ابليس غير ساجد.. تصوروا ما هي القضية؟ ثم الملائكة موجودات مادية أو موجودات فوق المادة..شلون موجودات غير مادية سيسجدون؟ ثم ما هو هذا السجود؟ هل هو السجود الشرعي الذي نسجده في الصلاة؟ الملائكة عندهم تكليف شرعي أم ليس عندهم تكليف شرعي؟ هذا الأمر –اسجدوا لآدم- أمرٌ تشريعي لو أمر تكويني؟

اذا كان تشريعيا.. الملائكة عندهم أوامر تشريعية لو ما عندهم؟ ويجيب "ما عندهم".

وإذا كان تكوينيا هل كان ابليس يستطيع أن يعارض أو لا يستطيع؟ ثم يجيب "لا يستطيع".

مولانا.. عشرات بل مئات الأسئلة تجد لها حلا أو لا تجد لها حلا؟ هذا إذا حملنا القضية على أنها قضية واقعية خارجية شخصية آدم وحواء مثلي ومثلك.

أما إذا حملناها على ماذا؟ قصة رمزية تمثيلية لتكوين حقائق تكوينية ولكن بيّنها القرآن بلسان ماذا؟

قد يقول قائل أن قضية موسى وفرعون أيضا ماذا.. أنه السحرة هكذا وهكذا.. كلا هذه ليست قصة واقعية وانما أيضا رموز عن حقائق.

(وتلك الأمثال نضربها للناس وما يعقلها الا العالمون).

"انتهى الاقتباس"

 

هذا بعض الاقتباس لما قاله السيد كمال الحيدري حرفيا.. ونشير أولا الى أنه خلط بين القصة وبين الأمثال.. فالأمثال واضحة في القرآن الكريم ولن نناقشها هنا ولكن نشير الى بعضها لكي يتضح اختلافها التام عن القصص، فالأمثال تتميز بإيجاز اللفظ ومنها:

(مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ نَارًا فَلَمَّا أَضَاءَتْ مَا حَوْلَهُ ذَهَبَ اللَّهُ بِنُورِهِمْ وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُمَاتٍ لَا يُبْصِرُونَ) البقرة 17

(أَوْ كَصَيِّبٍ مِنَ السَّمَاءِ فِيهِ ظُلُمَاتٌ وَرَعْدٌ وَبَرْقٌ) البقرة 19

والمتخصص يدرك الفرق الشاسع بين المثل والقصة، فلا أعرف كيف حدث الخلط لديه بينهما فاستدل بالآية التي تتحدث عن الأمثال في سياق حديثه عن القصص القرآني.

والمسألة لا تحتاج الى ذكاء خارق لمعرفة أن السيد الحيدري يعتبر قصة آدم وزوجه غير حقيقية وكذلك قصة موسى وفرعون قصة غير واقعية وانما رموز عن حقائق..
وان تعجب فما زلت أراك الدهر عجبا.. هل فعلا هذه الأسئلة يطرحها عالم دين تربّى في الحوزة العلمية؟ يتحدّث عن صالون يجمع الملائكة وكيف سيستوعب هذا الصالون جميع الملائكة وهل الأمر بالسجود تشريعيا أم تكوينيا، فاذا كان تشريعيا فان الملائكة ليس عندهم تكليف، واذا كان تكوينيا فلا يستطيع ابليس أن يعصي أمرا تكوينيا..

يعني بصريح العبارة أن ابليس لم يعص الله لأنه لا وجود أساسا لأمر تشريعي ولا وجود لأمر تكويني، وأن الملائكة لم يسجدوا لآدم، ولا توجد إمكانية لديهم للسجود سواء من ناحية طبيعة خلقهم فهم فوق المادة وبالتالي فلا يستطيعون السجود، أو من ناحية التكليف الشرعي فهم غير مكلفون، أو من ناحية الإمكان فلا يوجد صالون يجمعهم جميعا..

والقضية تنسحب على موسى وفرعون فما يرويه عنهم القرآن ليس له واقع، وبالتالي فلا فرعون قتل الأبناء واستحيا النساء، ولا موسى لديه عصا تتحول الى حية، ولم تجرِ ملاحقة في البحر ويغرق فرعون.. كل ذلك من قبيل التمثيل أو رموز عن حقائق..

ولسنا نبتدع على السيد الحيدري فالتسجيلات موجودة ونقلناها حرفيا ومن أراد فليستمع بنفسه.

أنا في الواقع ما زلت مصدوما.. كيف لعالم دين لديه سعة اطلاع أن تصدر منه مثل هذه التساؤلات التي تشكك في قدرة الله..

هل يعقل أن يتساءل اين سيسجد الملائكة وكيف سيصنع الله هذا الصالون الذي يجمعهم؟ وهل أنزل سماحة السيد قدرة الله في حدود تفكيرنا البشري المحدود؟.

هذا الكون الهائل الذي نعيش نحن في جزء بسيط جدا منه فمجرتنا بنجومها الذي يتجاوز مئة ألف مليون نجم، تبدو كنقطة صغيرة أمام هذا الكون الذي يحوي مئات المليارات من المجرات، ثم يتساءل السيد أين سيسجد الملائكة؟ وأي صالون سيستوعبهم؟

وهل السجود يكون حسب مفهومنا أن يتجمع الملائكة كما نتجمع في مكان محدود تبنيه ايدي البشر؟ هذه التساؤلات الغريبة التي يسألها السيد الحيدري ألا تشي بأسئلة أخرى هي: كيف يستوعب الكون مليارات الملائكة التي خلقها الله تعالى؟ وكأننا لا سمح الله نشكك في قدرة الله تعالى.

وهل يصدق عاقل بأن الله تعالى يستعرض القصة في أكثر من موضع وبتفصيل يوضح خلق آدم وسجود الملائكة ورفض ابليس واخراجه من الجنة ووقوع اللعنة عليه واغوائه للبشر وتوعد الله كل من يتبعه بالنار، هل يعقل أن يكون كل ذلك تمثيل وغير مطابق للواقع؟ وهل الله تعالى بحاجة لأن يروي رموزا وأساطير للبشر لكي يعتبروا؟.

ولكي تتضح الصورة نستدل فقط ببعض الآيات التي روت قصة خلق آدم:

إ(ِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَرًا مِّن طِينٍ، فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ، فَسَجَدَ الْمَلَائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ، إِلَّا إِبْلِيسَ اسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ، قَالَ يَا إِبْلِيسُ مَا مَنَعَكَ أَن تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ ۖ أَسْتَكْبَرْتَ أَمْ كُنتَ مِنَ الْعَالِينَ، قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِّنْهُ ۖ خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ، قَالَ فَاخْرُجْ مِنْهَا فَإِنَّكَ رَجِيمٌ، وَإِنَّ عَلَيْكَ لَعْنَتِي إِلَىٰ يَوْمِ الدِّينِ، قَالَ رَبِّ فَأَنظِرْنِي إِلَىٰ يَوْمِ يُبْعَثُونَ، قَالَ فَإِنَّكَ مِنَ الْمُنظَرِينَ، إِلَىٰ يَوْمِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ)[1].

 

يعني قضية الخلق ونفخ الروح والدعوة للسجود واستكبار ابليس وخروجه من الجنة واللعنة الحاصلة عليه بسبب رفضه أمر الله كلها رموز وغير حقيقة، وأن الله تعالى لا يقص الحق، أهذا منطق عالم دين؟

أين موقع الآية اذن (إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ ۖ يَقُصُّ الْحَقَّ ۖ وَهُوَ خَيْرُ الْفَاصِلِينَ).

ألا تدل هذه الآية وغيرها على أن ما يقصه الله تعالى هو الحق، وهو ليس بحاجة لرموز وتمثيل ولا الى أساطير؟.

ولم يتوقف السيد الحيدري عند التشكيك في صحة قصة آدم وزوجه، ولكنه بدأ يعتمد الاسرائيليات ليعتبرها دليلا على عدم حقيقة القصة، فيتساءل عن الحية وكيفية دخولها الجنة وأنها غشّت الملائكة ودخلت الجنة، حيث يقول:

"أي منهج هذا الكلام الذي أقوله الآن والموروث الروائي يتكلم عنه مبني على أن قصة آدم وزوجه هي قصة حقيقية. اذن الأصل الموضوع في هذه الروايات، حيّة وما أدري كيف دخلت الحيّة.. غشّوا الملائكة ودخلوا للجنة ثم غشّوا حواء ثم حواء أغوت آدم ثمّ ثمّ الخ.."

ونحن بدورنا نسأل السيد الحيدري: أين تجد ذكر الحية في القرآن الكريم؟ وهل الاسرائيليات التي اعتمد عليها بعض المفسرين ولم يوثقوها أصلا، هي حجتك لاعتبار القصة رمزية؟

ولأننا نتجنّب الخوض في تفاصيل كثيرة تجنبا للإطالة، فسنختم بإشارته لمصدر مهم وهو الميزان للسيد الطباطبائي، معتبرا بأن السيد الطباطبائي لا يحتمل بأنها قصة حقيقية وأنه خاف من زمانه فلم يصرح بذلك، ثم يقول بأنه لا يجزم بأن السيد الطباطبائي يقول بأنها قصة غير حقيقية ، ولكنه يعلق بما يدل على جزمه:

الميزان مجلد1 الآية 35-39 "وبالجملة يشبه أن تكون هذه القصة التي قصّها الله تعالى من إسكان آدم وزوجته ثم اهباطهما لأكل الشجرة كالمثل يمثل به" كالمثل يعني خوفا من ظروف زمانه."

"وأما بيني وبين الله هو مردد في أنها قصة واقعية أو قصة تمثيلية (كالمثل يمثل به ما كان الانسان قبل نزوله) يقول الانسان قبل نزوله كان في سعادة وعندما جاء الى الدنيا صار ماذا-في شقاء- أراد الله أن يبين هذه الحقائق لنا –كيف بينها لنا- بأي لسان؟ بلسان القصة".

"والاّ ماكو -آدم والملائكة انزلوا واصعدوا- ليس بهذا الشكل، يقول ما كان الانسان فيه قبل الدنيا من السعادة والكرامة بسكونه في منزل القرب، ودار نعمة وسرور ثم انه يختار مكانه بكل تعب وعناء ومكروه، ثم الله يشير اليه بأن هناك قوى في هذا العالم".

"قوى مؤيدة لك وهم الملائكة، وقوى ماذا؟ معارضة لك وهم الشياطين، والسجود رمز على أنها مؤيدة لك وعدم السجود رمز وتمثيل أنها معارضة، هذا بيان والمتكلم لا يستطيع أحد أن يتهمه أنه ليس من أهل الاختصاص".

 

والآن لننظر الى ما قاله الطباطبائي في الميزان حول خلق آدم في تفسير الآيات المشار اليها والتي حاول السيد الحيدري أن يستدل من بعض الكلمات بأن الطباطبائي يرى بأن القصة تمثيلية، فهو يبدأ التفسير بحديث واضح عن شخصية حقيقية وعن حدث واقعي، حيث يقول:

"وسياق الآيات وخاصة قوله تعالى في صدر القصة: إني جاعل في الأرض خليفة يعطي أن آدم (ع) إنما خلق ليحيا في الأرض ويموت فيها وإنما أسكنهما الله الجنة لاختبارهما ولتبدو لهما سوآتهما حتى يهبطا إلى الأرض، وكذا سياق قوله تعالى في سورة طه: فقلنا يا آدم، وفي سورة الأعراف: ويا آدم اسكن حيث سبك قصة الجنة مع قصة إسجاد الملائكة كلتيهما كقصة واحدة متواصلة، وبالجملة فهو (ع) كان مخلوقا ليسكن الأرض، وكان الطريق إلى الاستقرار في الأرض هذا الطريق، وهو تفضيله على الملائكة لإثبات خلافته، ثم أمرهم بالسجدة، ثم إسكان الجنة"[2].

"إن إسجاد الملائكة لآدم (ع) إنما كان من جهة أنه خليفة أرضي، فكان المسجود له آدم وحكم السجدة لجميع البشر، فكان أقامه آدم (ع) مقام المسجود له معنونا بعنوان الأنموذج والنائب"[3].

هذا هو كلام صاحب الميزان فهل مثل هذا الكلام يحتمل التأويل في الايمان بحقيقة القصة، وهل من يخاف زمانه يبدأ بعبارات صريحة عن وجود آدم وزوجه والسجود له وأنه كان مخلوقا ليسكن الأرض؟

وهناك أدلة أخرى استدل بها سنناقشها في وقفات قادمة..


[1] - ص 71-81

[2] - تفسير المبزان، ج1، الآية من 35-39

[3] - تفسير الميزان ج1، الآية 35-39


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


د . هاشم سلمان الموسوي

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2019/05/28



كتابة تعليق لموضوع : وقفات مع السيد كمال الحيدري في الادعاء بأن في القرآن اساطير...3
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net