صفحة الكاتب : نزار حيدر

أَسْحارٌ رَمَضانِيَّةٌ السَّنةُ السَّادِسَةُ (٢١) 
نزار حيدر

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

   {مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ ۖ فَمِنْهُم مَّن قَضَىٰ نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ ۖ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا}.
   ٥/ كما أَنَّهُ لم يوظِّف السُّلطة للتجبُّر على النَّاس وبناء سياجٍ يحجزهُ عنهم! بالحماياتِ المُدجَّجةِ بالسِّلاح أَو من وراءِ جُدُرٍ وبزُمَر الطبَّالين والأَبواق التي تفتح لَهُ الطَّريق عن بُعدٍ والذين يصفونهُم بالمُستشارينَ!.
   فلقد ظلَّ قريباً من الرعيَّة يُصغي إِليهم ويحثَّهم على إِبداءِ آرائهِم بلا خوفٍ أَو تردُّدٍ!.
   قال (ع) وقد لقِيهُ عند مسيرهِ إِلى الشَّام دهاقين الأَنبار، فترجَّلُوا لَهُ واشتدُّوا بين يدَيهِ؛ مَا هذَا الَّذِي صَنَعْتُمُوهُ؟ فقالُوا: خُلُقٌ مِنَّا نُعَظِّمُ بِهِ أُمَرَاءَنَا.
   فقالَ(ع) {وَاللهِ مَا يَنْتَفِعُ بِهذَا أُمَرَاؤُكُمْ! وَإِنَّكُمْ لَتَشُقُّونَ بِهِ عَلَى أَنْفُسِكْمْ [فِي دُنْيَاكُمْ] وَتَشْقَوْنَ بِهِ فِي آخِرَتِكُمْ، وَمَا أخْسرَ الْمَشَقَّةَ وَرَاءَهَا الْعِقَابُ، وَأَرْبَحَ الدَّعَةَ مَعَهَا الاَْمَانُ مِنَ النَّارِ!}.
   أَوليسَ هو تربية وخُلُق رسول الله (ص) الذي يحدِّثنا (ع) عن أَخلاقهِ وسيرتهِ بقَولهِ {فَتَأَسَّ بِنَبِيِّكَ الاَْطْيَبِ الاَْطْهَرِ (ص) فَإِنَّ فِيهِ أُسْوَةً لِمَنْ تَأَسَّى، وَعَزَاءً لِمَنْ تَعَزَّى ـ وَأَحَبُّ الْعِبَادِ إِلَى اللهِ الْمُتَأَسِّي بِنَبِيِّهِ، وَالْمُقْتَصُّ لاَِثَرِهِ ـ قَضَمَ الدُّنْيَا قَضْماً، وَلَمْ يُعِرْهَا طَرْفاً، أَهْضَمُ أَهْلِ الدُّنْيَا كَشْحاً، وَأَخْمَصُهُمْ مِنَ الدُّنْيَا بَطْناً، عُرِضَتْ عَلَيْهِ الدُّنْيَا فَأَبَى أَنْ يَقْبَلَهَا، وَعَلِمَ أَنَّ اللهَ سُبْحَانَهُ أَبْغَضَ شَيْئاً فَأَبْغَضَهُ، وَحَقَّرَ شَيْئاً فَحَقَّرَهُ، وَصَغَّرَ شَيْئاً فَصَغَّرَهُ، وَلَوْ لَمْ يَكُنْ فِينَا إِلاَّ حُبُّنَا مَا أَبْغَضَ اللهُ، وَتَعْظِيمُنَا مَا صَغَّرَ اللهُ، لَكَفَى بِهِ شِقَاقاً للهِِ، وَمُحَادَّةً عَنْ أَمْرِ اللهِ. 
   وَلَقَدْ كَانَ (ص) يَأْكُلُ عَلَى الاَْرْضِ، وَيَجْلِسُ جِلْسَةَ الْعَبْدِ، وَيَخْصِفُ بَيَدِهِ نَعْلَهُ، وَيَرْقَعُ بِيَدِهِ ثَوْبَهُ، وَيَرْكَبُ الْحِمَارَ الْعَارِيَ، وَيُرْدِفُ خَلْفَهُ، وَيَكُونُ السِّتْرُ عَلَى بَابِ بَيْتِهِ فَتَكُونُ فِيهِ التَّصَاوِيرُ فَيَقُولُ: «يَا فُلاَنَةُ ـ لاِِحْدَى أَزْوَاجِهِ ـ غَيِّبِيهِ عَنِّي، فَإِنِّي إِذَا نَظَرْتُ إِلَيْهِ ذَكَرْتُ الدُّنْيَا وَزَخَارِفَهَا».
   فَأَعْرَضَ عَنِ الدُّنْيَا بِقَلْبِهِ، وَأَمَاتَ ذِكْرَهَا مِنْ نَفْسِهِ، وَأَحَبَّ أَنْ تَغِيبَ زِينَتُهَا عَنْ عَيْنِهِ، لِكَيْلاَ يَتَّخِذَ مِنْهَا رِيَاشاً، وَلاَ يَعْتَقِدَهَا قَرَاراً، وَلاَ يَرْجُو فِيهَا مُقَاماً، فَأَخْرَجَهَا مِنَ النَّفْسِ، وَأَشْخَصَهَا عَنِ الْقَلْبِ، وَغَيَّبَهَا عَنِ الْبَصَرِ}؟!.
   ثم يحدِّثنا (ع) بعدَ ذَلِكَ عن سيرتهِ في النَّزاهة والتقشُّف فيقولُ {وَاللهِ لَقَدْ رَقَّعْتُ مِدْرَعَتِي هذِهِ حَتَّى اسْتَحْيَيْتُ مِنْ رَاقِعِهَا، وَلَقَدْ قَالَ لِي قَائِلٌ: أَلاَ تَنْبِذُهَا؟ فَقُلْتُ: اغْرُبْ عَنِّي، فَعِنْدَ الصَّبَاحِ يَحْمَدُ الْقَوْمُ السُّرَى}.
   ولقد كتبَ (ع) في عهدهِ للأَشتر لمَّا ولَّاهُ مِصر {وَاجْعلْ لِذَوِي الْحَاجَاتِ مِنْكَ قِسْماً تُفَرِّغُ لَهُمْ فِيهِ شَخْصَكَ، وَتَجْلِسُ لَهُمْ مَجْلِساً عَامّاً، فَتَتَواضَعُ فِيهِ لله الَّذِي خَلَقَكَ، وَتُقعِدُ عَنْهُمْ جُنْدَكَ وَأَعْوَانَكَ مِنْ أَحْرَاسِكَ وَشُرَطِكَ، حَتَّى يُكَلِّمَكَ مُتَكَلِّمُهُمْ غَيْرَ مُتَعْتِع، فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ(ع) يَقُولُ فِي غَيْرِ مَوْطِن: "لَنْ تُقَدَّسَ أُمَّةٌ لاَ يُؤْخَذُ لِلضَّعِيفِ فِيهَا حَقُّهُ مِنَ الْقَوِيِّ غَيْرَ مُتَعْتِع". 
   ثُمَّ احْتَمِلِ الْخُرْقَ مِنْهُمْ وَالْعِيَّ، وَنَحِّ عَنْكَ الضِّيقَ وَالاَْنَفَ، يَبْسُطِ اللهُ عَلَيْكَ بَذلِكَ أَكْنَافَ رَحْمَتِهِ، وَيُوجِبُ لَكَ ثَوَابَ طَاعَتِهِ، وَأَعْطِ مَا أَعْطَيْتَ هَنِيئاً، وَامْنَعْ فِي إِجْمَال وَإِعْذَار!}.
   ٦/ لم يُناقض كلامهُ فعلهُ، ولَم يأمر النَّاس قَبْلَ أَن يأمرَ نفسهُ.
   يَقُولُ (ع) {أَيُّهَا النَّاسُ، إِنِّي، وَاللهِ، مَا أَحُثُّكُمْ عَلَى طَاعَة إِلاَّ وَأَسْبِقُكُمْ إِلَيْهَا، وَلاَ أَنْهَا كُمْ عَنْ مَعْصِيَة إِلاَّ وَأَتَنَاهَى قَبْلَكُمْ عَنْهَا}.
   ٧/ وتبقى عندهُ السُّلطةُ وسيلةً وليست هدفاً، وهي للبناءِ والإِزدهارِ وليست للثَّراءِ على حسابِ معاناةِ النَّاس وجُهدهُم وعرَقِ جبينهِم!.
   كتبَ في عهدهِ المذكور {هذَا مَا أَمَرَ بِهِ عَبْدُ اللهِ عَلِيٌ أَميِرُ الْمُؤْمِنِينَ، مَالِكَ بْنَ الْحَارِثِ الاَْشْتَرَ فِي عَهْدِهِ إِلَيْهِ، حِينَ وَلاَّهُ مِصْرَ: جِبْوةَ خَرَاجِهَا، وَجِهَادَ عَدُوِّهَا، وَاسْتِصْلاَحَ أَهْلِهَا، وَعِمَارَةَ بِلاَدِهَا}.
   وأَضافَ (ع) {وَتفَقَّدْ أَمْرَ الْخَرَاجِ بِمَا يُصْلِحُ أَهْلَهُ، فَإِنَّ فِي صلاَحِهِ وَصلاَحِهِمْ صَلاَحاً لِمَنْ سِوَاهُمْ، وَلاَ صَلاَحَ لِمَنْ سِوَاهُمْ إِلاَّ بِهِمْ، لاََنَّ النَّاسَ كُلَّهُمْ عِيَالٌ عَلَى الْخَرَاجِ وَأَهْلِهِ.
   وَلْيَكُنْ نَظَرُكَ فِي عِمَارَةِ الاَْرْضِ أَبْلَغَ مِنْ نَظَرِكَ فِي اسْتِجْلاَبِ الْخَرَاجِ، لاَِنَّ ذلِكَ لاَ يُدْرَكُ إِلاَّ بَالْعِمَارَةِ، وَمَنْ طَلَبَ الْخَرَاجَ بِغَيْرِ عِمَارَة أَخْرَبَ الْبِلاَدَ، وَأَهْلَكَ الْعِبَادَ، وَلَمْ يَسْتَقِمْ أَمْرُهُ إِلاَّ قَلِيلاً.
   فَإِنْ شَكَوْا ثِقَلاً أَوْ عِلَّةً، أَوِ انْقِطَاعَ شِرْبٍ أَوْ بَالَّة، أَوْ إِحَالَةَ أَرْض اغْتَمَرَهَا غَرَقٌ، أَوْ أَجْحَفَ بِهَا عَطَشٌ، خَفَّفْتَ عَنْهُمْ بِما تَرْجُو أَنْ يصْلُحَ بِهِ أَمْرُهُمْ، وَلاَ يَثْقُلَنَّ عَلَيْكَ شَيْءٌ خَفَّفْتَ بِهِ الْمَؤُونَةَ عَنْهُمْ، فَإِنَّهُ ذُخْرٌ يَعُودُونَ بِهِ عَلَيْكَ فِي عِمَارَةِ بِلادِكَ، وَتَزْيِينِ وِلاَيَتِكَ، مَعَ اسْتِجْلاَبِكَ حُسْنَ ثَنَائِهِمْ، وَتَبَجُّحِكَ بِاسْتِفَاضَةِ الْعَدْلِ فِيهِمْ}.
   وكتبَ إِلى عمَّالهِ على الخَراجِ {فَأَنْصِفُوا النَّاسَ مِنْ أَنْفُسِكُمْ، وَاصْبِرُوا لِحَوَائِجِهِمْ، فَإِنَّكُمْ خُزَّانُ الرَّعِيَّةِ، وَوُكَلاَءُ الاُْمَّةِ، وَسُفَرَاءُ الاَْئِمَّةِ.
   وَلاَ تَحْسِمُوا أَحَداً عَنْ حَاجَتِهِ، وَلاَتَحْبِسُوهُ عَنْ طَلِبَتِهِ، وَلاَ تَبِيعُنَّ لِلنَّاسِ فِي الْخَرَاجِ كِسْوَةَ شِتَاء وَلاَ صَيْف، وَلاَ دَابَّةً يَعْتَمِلُونَ عَلَيْهَا، وَلاَ عَبداً، وَلاَ تَضْرِبُنَّ أَحَداً سَوْطاً لِمَكَانِ دِرْهَم، وَلاَ تَمَسُّنَّ مَالَ أَحَد مِنَ النَّاسِ، مُصَلٍّ وَلاَ مُعَاهَد، إِلاَّ أَنْ تَجِدُوا فرَساً أَوْ سِلاَحاً يُعْتدى بِهِ عَلَى أَهْلِ الاِْسْلاَمِ، فَإِنَّهُ لاَ يَنْبَغِي لِلْمُسْلِمِ أَنْ يَدَعَ ذلِكَ فِي أَيْدِي أَعْدَاءِ الاْسْلاَم، فَيَكُونَ شَوْكَةً عَلَيْهِ}.       
  


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


نزار حيدر
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2019/05/26



كتابة تعليق لموضوع : أَسْحارٌ رَمَضانِيَّةٌ السَّنةُ السَّادِسَةُ (٢١) 
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net