غزة تقاوم، والأعراب بين متفرج ومحاصر ومساوم
د . بو جمعة وعلي
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
د . بو جمعة وعلي

لم نكن نتوقع ونحن في أسوأ حالات الضعف والوهن التي تعيشها الأمة، أن تصل الأمور بكثير من الأنظمة العربية إلى هذا الحد غير المسبوق من الغد والخيانة والعمالة، وأن تنحدر إلى هذا المستوى من الانحطاط والسفالة السياسية والأخلاقية اتجاه قضية الشعب الفلسطيني الذي يعاني ويلات الاحتلال الصهيوني منذ ما يزيد عن سبعين عاما، تلك القضية التي كانت إلى وقت قريب القضية الأولى للعرب والمسلمين، يرددونها كثيرا في دهاليز وكواليس مؤتمراتهم واجتماعاتهم ولقاءاهم وخاصة في منظمة المؤتمر الإسلامي وجامعة الدول العربية والأمم المتحدة وغيرها.
إن تغيير كثير من الأنظمة العربية لسياستها الرسمية وحتى الشعبية اتجاه القضية الفلسطينية من حالة التبني والدعم والمساندة السياسية والاقتصادية في المحافل الوطنية والإقليمية والدولية إلى حالة الإنكار والجحود بل والعداوة والتهجم على القضية وأصحابها وخاصة فصائل المقاومة، إلى درجة تخوين بعضها ووصفها بالصهيونية كما حدث مع حركة حماس، هو في الحقيقة سقوط لآخر أوراق التوت الشفافة أصلا على عورات الأنظمة العربية التي كانت دوما منافقة تظهر دعمها وولاءها للقضية في العلن بينما تكيد لها المكائد في الخفاء وهو الأمر الذي انفضح لدى الجميع. بل الأكثر من ذلك والأخطر هو يتحول ذلك الدعم الذي كان معظمه شكليا للشعب الفلسطيني إلى دعم صريح وحقيقي ومادي للكيان الصهيوني المحتـل، والذي وصل أوجه في يسمى إعلاميا بصفقة القرن بزعامة الرئيس الأمريكي "ترامب"، والتي ما تزال تفاصيلها الدقيقة غير معلنة إلى حد الآن، رغم بعض التسريبات التي تلخصها في أن سيناء المصرية التي اشترتها أمريكا بالأموال الإماراتية والسعودية ستكون هي الوطن البديل للشعب الفلسطيني الذي سيهجر مرة أخرى من الضفة الغربية، مما سيقبر حسب مخططي الصفقة حلم العودة لملايين من لفلسطينيي المخيمات والشتات، لكن وعي الشعب الفلسطيني ومقاومته ستفشلان هذه الصفقة كما أفشلت كل المخططات السابقة.
قبل أيام من حلول شهر رمضان المعظم وكالعادة قبل كل عيد أو مناسبة دينية، بدأ الكيان الصهيوني عدوانه الغاشم على قطاع غزة حيث نفذ قواته العسكرية مئات الغارات الجوية والمدفعية على أهداف معظمها مدنية (مساكن، عمارات، مقرات إعلامية...) أسفرت لحدود كتابة هذا لمقال عن استشهاد العشرات وجرح المئات. هذا العدوان الهمجي ردت عليه فصائل المقاومة بإطلاق مئات الصورايخ على مدن غلاف غزة وبعض الأهداف العسكرية التي تمكنت المقاومة من إصابتها إصابات مباشرة (ناقة الجند، جيب عسكري...)، غير أن سلطات الاحتلال وكعادتها تمارس التعتيم والتكتم عن الخسائر التي تكبدتها قواتها العسكرية والتي يبدو أنها ستكون كبيرة.
غير أن الجديد في هذا العدوان الصهيوني على القطاع هو الانحياز الواضح والصريح لكثير من الشخصيات السياسية ووسائل الإعلام السعودية والإماراتية للكيان الصهيوني، إلى درجة أن بعضهم وصف حركات المقاومة الفلسطينية وخاصة حركة حماس بأنها "صناعة صهيونية" مما يظهر التحول الجذري لسياسة بعض الأنظمة العربية اتجاه القضية الفلسطينية. أما مصر التي تربطها بفلسطين وخاصة غزة علاقات تاريخية وجغرافية واجتماعية فما تزال مصرة على تشديد الحصار على الشعب الفلسطيني بغزة وفصائله المقاومة ولا تفتح معبر رفح البري إلا لماما وللحالات الإنسانية، وذلك من أجل تشديد الخناق الاقتصادي عليها في أفق إجبارها على قبول التنازلات التي من شأنها تصفية القضية الفلسطينية وهو الأمر الذي لم ولن يتحقق لها بإذن الله في صمود الشعب الفلسطيني الذي ينظم مسيرات العودة في كل أسبوع.
أما الشعوب العربية فهي ليست أفضل حالا من الشعب الفلسطيني، الذي يقاوم الاحتلال منذ عشرات السنين ولا يزال رغم التواطؤ الدولي والخيانة العربية والضعف الإسلامي. ذلك إن معظمها تعيش على ماسي الثورات المضادة التي تدعمها أنظمة الشر العربي بتعبير الرئيس التونسي السابق "منصف المرزوقي" بالمال والسلاح والدعم السياسي في المحافل العربية والدولية . فالشعب المصري يعيش تحت أتون انقلاب عسكري أعاد مصر إلى الوراء عشرات السنوات من الناحية السياسية والاقتصادية والحقوقية. في حين ما يزال الشعب التونسي يقاوم عودة النظام البائد، وما تزال ثورته محاصرة لم يكتب لها النجاح النهائي بعد، أما الشعب اليمني فهو غارق في مأساة حرب أهلية ذكتها السعودية والإمارات بما يسمى "عاصفة الحزم"، وهي العاصفة التي أغرقت البلاد في الفوضى وجعلتها يعيش أسوا كارثة إنسانية في العصر الحديث حسب تقارير المنظمات الإنسانية والأمم المتحدة. بينما يعيش الشعبين الجزائري والسوداني على إيقاع ثورة شعبية عارمة أسقطت رؤوس الحكم الاستبدادي في البلدين، غير أن ثورتهما معرضة لمخاطر عديدة أهمها سرقة العسكر لها في ظل دخول السعودية والإمارات ومصر بشكل مباشر وصريح على الخط من أجل إفشالها. أما الشعب الليبي ورغم اقتلاعه لنظام معمر القذافي الذي جثم على صدور الليبيين أربعين سنة فهو ما يزال يخوض هو الأخر حربا ضارية بين قوى ثورة فبراير 2011 وقوى الثورة المضادة بقيادة الجنرال المتقاعد خليفة حفتر المدعوم بالمال الخليجي والسلاح الفرنسي والرضا الأمريكي والصمت الغربي، والمعركة ما تزال مستمرة وتزداد شراسة يوما بعد يوم في ظل إصرار حفتر على السيطرة على العاصمة طرابلس. أما ما تبقى من الشعوب العربية فهي غارقة في مشاكلها الاجتماعية والاقتصادية والسياسية كلبنان والمغرب أو تحت وطأة في أنظمة شمولية كالشعوب الخليجية.
أمام هذا الوضع المتأزم على مختلف الأصعدة كتب على غزة العزة أن تقاوم وحدها العدوان الصهيوني الغاشم المدعوم سياسيا وإعلاميا من أمريكيا وأوروبا، بينما ظل الأعراب بين متفرج ومحاصر ومساوم.
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat