صفحة الكاتب : لطيف عبد سالم

حين يموت الضمير!
لطيف عبد سالم

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

من نافلة القول إنَّ القيمَ الصادقة تُعَدّ من أهم الركائز الأساسية التي تُبنى عليها المجتمعات البشرية، بوصفها مجموعة المعايير التي تحقق الاطمئنان للحاجات الإنسانية التي من شأنها المساهمة في الحفاظ على سلامة المجتمع واستقراره. وفي هذا السياق يشير بعض الباحثين إلى أنَّ مصيبةً الإنسان العظمى تتحقق في موته وهو حي بسبب موت ضميره، فالضمير على وفق هذا التحديد كالإنسان إما حي أو ميت، فيما يؤكد آخرون أنَّ الضميرَ الحي هو الضمير الذي يتمتع بقدر كبير من الحرية من صاحبه، فحينما يموت الضمير تغفو العقول في برك آسنة، ما يعني امتلاك هذا النوع من البشر القدرة على فعل كل ما يخالف المبادئ الإنسانية؛ لانَّ الضميرَ يعني وعي الفرد بتوافق ما يقوم به من عمل أو تعارضه مع المعايير الناظمة لمنظومة القيم الإنسانية النبيلة. ولا ريب أنَّ كل الأزمات والويلات والمحن والمصائب التي شهدتها المجتمعات الإنسانية – وما تزال تعيشها – تفرعت عن الأزمة الأم المتمثلة بأزمة الضمير الإنساني.

تشهدُ الكثير من بلدان العالم ازدهاراً في صناعة المنتجات الطبية العلاجية المغشوشة بعملياتٍ صناعية واسعة النطاق أو عمليات صغيرة تجري في الخفاء، حتى بات من غير الممكن وجود بلد لم تمسه تلك المشكلة. ويمكن الجزم بأنَّ سهولةَ الحصول على المتطلبات التقنية الخاصة بصنع الأدوية المغشوشة ومثيلاتها من أنواع العقاقير غير فاعلة التأثير كالأفران والمعدات التخصصية والآت إنتاج الأقراص ومواد التغليف وغيرها من المكونات يُعَدّ من بين أهم العوامل المساهمة في انتعاش المصانع السرية لهذه التجارة التي تشكل انتهاكاً جسيماً لمبادئ القانون الإنساني الدولي ولوائح حقوق الإنسان، إذ تعكس هذه الشوائب السلوكية التي أضحت سمة المفسدين في الأرض بهذا العصر اختلالاً هائلاً في الموازين الضابطة للسلوك البشري، والتي مردها بشكلٍ رئيس إلى موت الضمير الإنساني.

لعلَّ المذهل في أمر هذه المشكلة التي تفشت في مجتمعنا بشكلٍ مثير للحيرة والقلق هو صعوبة كشف حقيقة تلك الأدوية بفعل الدقة المعتمدة في إخراجها، إذ تبدو في أغلب الأحيان مصممة بشكلٍ مطابق من ناحية الشكل للمنتج الطبي العلاجي الأصلي. ويضاف إلى ذلك الدور الكبير لمافيا التجارة المحرمة دولياً، والتي تمتلك العديد من آليات تسويق الأدوية المزورة إلى مختلف بلدان العالم، وبخاصة المتخلفة أو التي تعاني صراعات أو مشكلات في طريقة الإدارة، إذ توسعت أذرعها التجارية ووصلت إلى درجةٍ غير معقولة بعد أن شملت منتديات المستهلكين والأعمال التجارية. كذلك أفضت ثقافة التشخيص الذاتي للحالات المرضية والتحديد الذاتي لوصفات علاجها إلى إلزام مصنعي العلاجات الطبية المغشوشة ونظيراتها متدنية النوعية - التي قد تتسبب في حالات وفيات - بإقامة ما لا يحصى من مواقع الشبكة الدولية، فضلاً عن استثمار قنوات التواصل الاجتماعي وتوظيفها في مهمة الترويج لمنتجاتها الفاسدة أو بضائعها التالفة، بالإضافة إلى سهولة توزيعها في ظل ضعف الإجراءات الرقابية.

في أمان الله.


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


لطيف عبد سالم
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2019/05/04


  أحدث مشاركات الكاتب :

    • صدور الطبعة الثانية من كتاب "مَرَاثِيّ الوَالِدَيْن فِي قَصَائِدِ الشُعرَاءِ العَرَبِ المُعَاصِرين"، للباحث والكاتب الأديب لطيف عبد سالم  (قراءة في كتاب )

    • كتاب (للحُسَين نَكْتُب).. الإصدار الأدبي الأول لـ (مؤسسة البيان الثقافية)  (قراءة في كتاب )

    • روحٌ اِسْتَبَدَّ بِها الوَهْن، فاستوطنتها رَغْبَة مَجْنُونة طافِحة بلَذّةِ الدم..قراءةٌ فِي رِوايَةِ (وكر السلمان) للأديب شلال عنوز  (قراءة في كتاب )

    • الاِحتفاء بالمُنجزِ الأدبيّ للشاعرِ والكاتب محمد مظلوم في مُؤسسةِ أضواء القلم الثقافيَّة  (نشاطات )

    • قراءةٌ في رِّوَايَةِ (المَلْعُون المقدَّس) للرِوائِيِّ اللُبْنانيّ محمد إقبال حرب  (ثقافات)



كتابة تعليق لموضوع : حين يموت الضمير!
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net