صفحة الكاتب : د . مصطفى يوسف اللداوي

الفلسطينيون في اللجوء والشتات بالتهدئة يرحبون
د . مصطفى يوسف اللداوي

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

قلوب الفلسطينيين عموماً في دول اللجوء والشتات بردت، وضمائرهم هدأت، وخوفهم تبدد، وقلقهم تراجع، بعد تأكيد أنباء الاتفاق على الاقتصار في الذكرى السنوية الأولى لانطلاق مسيرات العودة، على الفعاليات السلمية الهادئة، والأنشطة الشعبية واللوحات الفولكلورية، في ظل إضرابٍ عامٍ سيشهده قطاع غزة، وستستجيب له كل القطاعات التعليمية والمهنية، والمؤسسات الحكومية والأهلية، ليتمكن المواطنون من جميع أنحاء القطاع من المشاركة في الفعاليات السلمية المدنية، وينجحوا في تنظيم مسيرةٍ مليونية، يحتشد فيها جميع الفلسطينيين من كل الاتجاهات التنظيمية والمشارب السياسية، ويشكلوا صورةً ناصعةً وجميلة للشعب الفلسطيني الواحد الموحد.

الفلسطينيون في دول اللجوء القريب والشتات البعيد، الذين يتابعون أهلهم في قطاع غزة ويتضامنون معهم، ويتمنون أن يكونوا بينهم وأن يشاركوا مثلهم، فرحوا بما تم الاتفاق عليه بين الهئية الوطنية لمسيرة العودة والوسيط المصري، لاعتقادهم أن يوم السبت الذي تهيأ له الفلسطينيون مبكراً واستعدوا له كثيراً، سيكون بموجب هذا الاتفاق يوماً هادئاً، لن يشوبه عنف، ولن يسقط فيه شهداء، ولن يتعرض الفلسطينيون لإصاباتٍ خطيرةٍ، وإن كان سكان قطاع غزة سيخرجون في مسيرةٍ مليونيةٍ، وسيكون حراكاً حاشداً ويوماً مشهوداً، تشارك فيه كل القوى والفعاليات، ولكن بوسائل ناعمة، بعيداً عما يصفونه بالوسائل الخشنة، إذ عممت الهيئة الوطنية لمسيرة العودة وجوب الابتعاد عن السلك الشائك، وعدم الاقتراب من السياج الفاصل، وعدم القيام بأي أعمالٍ قد يفسرها العدو بأنها خشنة وتستدعي الرد بقوةٍ وحسمٍ.

يأمل الفلسطينيون أن تكون الهيئة الوطنية لمسيرة العودة قد نحت القناصة الإسرائيلية جانباً، وأخرست بنادقهم وعطلت مناظيرهم، وألزمت جنود الاحتلال الابتعاد عن السلك الشائك، ومنعتهم من استفزاز المتظاهرين أو الاقتراب منهم أو إطلاق النار عليهم، فضلاً عن أنها أجبرت سلطات الاحتلال على القبول بشروطهم، والموافقة على طلباتهم، المتعلقة برفع الحصار وفتح المعابر، وزيادة عدد الشاحنات، وإلغاء قوائم الممنوعات، وزيادة مسافة الصيد المسموحة، والسماح بدخول الأموال وزيادة حصة غزة من الكهرباء، ومنح أذونات تصدير منتجات قطاع غزة إلى الضفة الغربية، وغيرها من الشروط التي أصر عليها الفلسطينيون وتمسكوا بها، وكانوا من قبل قد خاضوا مسيرات العودة من أجلها وضحوا في سبيلها.

الفلسطينيون في الشتات الذين يضاهئون شعبهم في الداخل عدداً، ويبزونه قوةً وثباتاً، ويساوونه حقاً ويشاركونه وطناً، قد سكنهم الخوف كثيراً، وأعياهم الحزن أكثر، وحزَّ في نفوسهم العجزُ وأصابهم بالأسى اقتصار أدوارهم على المشاهدة والمتابعة، والتضامن والتأييد، وكان قد آلمهم ما يلقى أهلهم في قطاع غزة وما يكابدون من ويلاتٍ، على مدى سنةٍ كاملةٍ من عمر الحصار الممتد لأكثر من اثني عشر عاماً، وهي سنة مسيرات العودة الوطنية، التي التزم بها سكان قطاع غزة ودواموا عليها، ولكنهم رأوا من أهلهم رغم فداحة الضريبة وغزارة الدم، إقداماً عزَّ نظيره، واقتحاماً يشبه المغامرة، وانتصاراً ظنه البعض قديماً عزيزاً أو مستحيلاً.

هذا الموقف النبيل لشعبنا الفلسطيني في الشتات ليس جبناً ولا عجزاً، ولا هو هروبٌ من المعركة أو فرارٌ من المواجهة، إذ لو قدر لهم أن يكونوا إلى جانب أهلهم في الداخل، في مواجهة العدو وعلى جبهات القتال، فإنهم لن يقلوا عنهم قوةً وصلابةً، وعزماً وشدةً، وصبراً واحتمالاً، ومقاومةً وصموداً، وسيكونون في مواجهته رجالاً وفي مقاومته أبطالاً، ولن تقل صفحاتهم البطولية عن إخوانهم شرفاً وفخراً، وتاريخهم القديم يدل عليهم ويخبر عنهم، فقد حملوا قضيتهم وضحوا في سبيلها بالكثير.

لكن موقفهم هذا ينم عن حبٍ وحكمةٍ، وعن غيرةٍ وحرصٍ، وخوفٍ وقلقٍ، فقد رأوا العدو يستفرد بشعبهم ويقتلهم، ويبطش بهم ويحاصرهم، وقد قتل منهم على مدى عام المسيرة الوطنية الأول أكثر من 260 مواطناً، وأصاب بجراحٍ ما يربو على الستة عشر ألف فلسطيني بجراحٍ مختلفةٍ، منهم أكثر من مائة جريحٍ قد بترت أطرافهم، ورغم أنهم يثقون في قدرات شعبهم، ويطمئنون إلى ثباته وصبره، ويدركون بسالته وشجاعته، إلا أنهم لا يأمنون مكر العدو وغدره، ويخافون على شعبهم من طيشه وجوره، خاصةً أنه بات يتعرض كل يومٍ إلى ما يسيئه ويكشف عورته، ويضعف قوته، ويكسر هيبته، فتراه يتخبط بحثاً عما يرمم قوته، ويعيد الهيبة إلى جيشه، ويحقق التميز الذي كان يدعيه، والتفوق الذي كان يباهي به.

يرى الفلسطينيون في الشتات في مقاومة أهلهم في وطنهم وعلى أرضهم، صفحات شرفٍ ومواقف عزةٍ، يباهون بهم ويرفعون بمقاومتهم رؤوسهم، ويعتقدون أن هذه الأجيال المقاومة هي التي تمثلهم وتعبر عنهم، وأنها وجه الفلسطينيين الحقيقي، الذي يصنع بمقاومته الاحترام ويجلب التقدير، ويجعل لهذا الشعب العظيم بين الأمم مكانة، ويرغم العدو على القبول والتسليم، أو يوجعه بالهزيمة والفشل، ولهذا فإنهم إليه ينتسبون وبه يفتخرون، ويريدون المحافظة على هذه المقاومة ورجالها، إذ يخشون عليها من أن يتآمر عليها القريب والبعيد، وأن يستفرد بها العدو والغريب، أو أن يجتمع عليها الأشرار وينقلب عليها الأخوة والأصدقاء، وحينها تنكسر شوكتنا إن غابت مقاومتنا، وتضعف عزيمتنا إن قتل رجالنا.

الفلسطينيون في الشتات ليسوا بهذا الموقف وحدهم، بل إن قطاعاً كبيراً من الشعب الفلسطيني في الوطن معهم، يحمل وجهة نظرهم ويؤيدهم، ويدعو مثلهم للتهدئة وسحب فتيل الانفجار من عدوهم، وهذا التفكير لا سلبية فيه ولا عيب، فلا يتهم من فكر به ودعا إليه، ونتمنى ألا يتنطع أحدٌ ويشتد فينكسر أو يشتط فيضل، فيدفع أهله إلى الهاوية أكثر، أو يأخذهم إلى الانتحار أسرع، فالحكمة تقتضي أن نخفف عن أهلنا الذي أدماه الحصار وأوجعه الاحتلال، وأن نستجم من عناء المواجهة والقتال، وأن نستمتع باستراحة المحارب قبل أن نهب من جديدٍ، ونبدأ جولةً أخرى من المواجهة.


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


د . مصطفى يوسف اللداوي
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2019/03/30



كتابة تعليق لموضوع : الفلسطينيون في اللجوء والشتات بالتهدئة يرحبون
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net