احتلال كريم خان زند للبصرة
د . عبد الهادي الطهمازي
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
د . عبد الهادي الطهمازي

في عام (1775م- 1189هـ) بعث كريم خان الزند الذي استولى على الحكم في إيران واتخذ من شيراز عاصمة له، حملة عسكرية بقيادة أخيه صادق خان لاحتلال البصرة، وجدَّ والي البصرة العثماني سليمان آغا في بناء سور المدينة ووضع الاستحكامات، وتقسيم المدافعين عن المدينة على المناطق المختلفة.
وفي آذار من تلك السنة وصلت جيوش الخان الى ضفاف شط العرب جنوب القرنة، وكانت قبائل المنتفق هي المسؤولة عن حماية هذه المنطقة، لكن القوة الإيرانية وصلت بعد انسحاب المنتفق من المنطقة بسبب طول مدة الانتظار، فعبرت جيوش الخان الى ضفة النهر الغربية دون مقاومة تذكر، ثم حاصرت البصرة.
وجرت محاولات للمقاومة من قبل بعض عشائر المنتفق في منطقة العشار، وساهم قسم آخر منهم في إيصال القوافل والمؤن الى المدينة المحاصرة، إلا أن الحصار كان محكما، ولم تصل إمدادات للمدافعين من بغداد، فسلم الوالي العثماني المدينة لصادق خان سلما بعد حصار دام أربعة عشر شهرا، وبعد أن نفذت المؤن وضعف الأهالي عن المقاومة.
أما بلدة الزبير فقد حافظت على استقلالها بضعة أشهر بفضل دفاع المنتفق عنها، حتى شن عليها علي محمد خان نائب صادق خان على البصرة هجوما عاصفا عام 1192هـ، فسقطت البلدة بيده وقتل الكثير من أبنائها في المعركة.
لم يحرك الولاة العثمانيون في بغداد ساكنا تجاه ما يجري من أحداث في البصرة، فالمماليك العثمانيون كانوا غارقين في الصراعات على السلطة. فتركت البصرة في مواجهة الخان.
أما صادق خان فقد وضع على البصرة علي محمد خان نائبا وابقى عنده 10 -12 ألف مقاتل وانصرف هو الى شيراز.
لكن ثورات العشائر ضد حكومة الخان في البصرة لم تهدأ، وكانت أشد العشائر تمردا هي عشائر تحالف المنتفق، فقرر علي محمد خان والي البصرة بتجريد حملة تأديبية للمنتفق.
وقعة الفضيلية.
خرج علي محمد خان من البصرة على رأس جيش قوامه ستة آلاف مقاتل، وعدد مماثل من المشاة، وثمانية عشر زورقا تحمل المدافع وتوغل بذلك الجيش لاحتلال مناطق المنتفق. (الناصرية)
وجمع الشيخ ثامر السعدون زهاء ثلاثين ألفا من عشائر المنتفق واعتصم في منطقة تدعى الفضيلية بين الناصرية وسوق الشيوخ، واتخذ خطة دفاعية تهدف الى استدراج قوات علي محمد خان الى داخل الأهوار، وأخذ رجال العشائر بالتراجع حسب الخطة.
وبينما كانت قوات الخان تتعقبهم، وصلت الى أرض منبسطة يحيطها نهر الفرات من جانب والهور من جانب آخر، ففتحت قبائل المنتفق منافذ المياه على الجيش الإيراني، فتوحلت الأرض بالطين وتعسرت الحركة على الجنود، فهموا بالرجوع الى الجنوب، فتلقاهم رجال أشداء من المنتفق فقتلوا منهم الكثير، ومات آخرون غرقا ولم ينج من جنود الخان سوى ثلاثة أنفار، فروا راجعين الى البصرة.
جلاء قوات كريم خان الزندي من البصرة، ومعركة أبي حلانة
طرقت أخبار الهزيمة في الفضيلية مسامع صادق خان فخف راجعا من شيراز، وتجهز لمواجهة المنتفق، ويبدو أن عشائر المنتفق قد تشجعت بعد الانتصار الذي حققته في الفضيلية، فأخذت تتقدم نحو البصرة ببطئ وحذر، حتى التقى الفريقان في منطقة أبي حلانة التي تبعد عن البصرة 27 كم شمالا.
وراعت كثرة جيوش الخان المنتفقيين فطلبوا الصلح، لكن شروط الخان كانت مجحفة ففضلوا الموت، وجرت بين الطرفين معركة دموية قتل فيها علي محمد خان وأخوه، وفر صادق خان بمن بقي معه الى البصرة.
وأقبلت عشائر المنتفق حتى أحاطت بأسوار المدينة، واتفق في أثناء ذلك وصول خبر وفاة كريم خان الى البصرة، فانصرف صادق خان بمن معه من الجنود الى شيراز، بعد احتلال دام أربع سنوات.
ودخلت عشائر المنتفق البصرة، ثم كاتبت والي بغداد بإرسال متسلم ليضبط المدينة.
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat