صفحة الكاتب : مصطفى الهادي

أوهام نظرية صفاء العرق الأوربي.العنصرية في الفكر الغربي. 
مصطفى الهادي

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

 إلى قتلى نيوزيلاند ، اهدي هذا البحث.

يتميز الفكر الغربي في تعامله مع الشعوب الأخرى بالاستعلاء والفوقية انطلاقا من عقدة نفسية زرعها الفكر اليهودي المتطرف في مناهج الثقافة الغربية معتبرا ان الاصل الشمالي الأوربي ذو العيون الزرق والشعر الأصفر هم العنصر الأكثر نقاءا في الأرض وأن بقية العروق ما هي إلا هجائن لا تستحق العيش إلا بالقدر الذي يخدم العرق الأوربي النقي.ومن هنا انطلقت الصيحات من كبار رجال العلم الغربي وفلاسفته لإبادة (السلاف).

يقول ماركس عن احتلال بريطانيا لبعض اجزاء العالم : أن على انكلترا أن تحقق رسالة مزدوجة ، الاولى تدميرية ، والثانية إحيائية تجديدية ، إفناء المجتمع الآسيوي وإرساء الاسس المادية للمجتمع الغربي في آسيا.

وكتب انغلز ، يقول : إن افناء جميع الشعوب ضيقة التفكير والتي تستحق الرثاء ، حتى وان بلغ ذلك محو أسمائهم ، ينتج عنه ليس فقط اختفاء الطبقات والسلالات الرجعية من على وجه الارض ، بل وايضا شعوب رجعية بكاملها . وان ذلك ايضا خطوة نحو الامام .

وأما هربرت جورج ويلز الليبرالي فقد كتب في مقال له بعنوان (التوقعات) : ان هذه الهجمات من السود والسمر والبيض القذرين (السلاف) والشعوب الصفراء ، الذين لايتماشون مع المقتضيات الجديدة للكفاءة ، عليهم أن يرحلوا ، وان العالم ليس مؤسسة خيرية واتوقع لهم أن ينقرضوا.(1)

وكتب الفيلسوف برنارد شو ، يدعو العلماء إلى اختراع طرقة علمية للابادة ، وفي رأيه أن : عمليات الابادة بجب أن توضع على أسس علمية إذا ما أريد لها أن تنجز بصورة إنسانية وبصورة اعتذارية ولكنها تامة .فيقول: إذا كنا نرغب في نوع معين من الحضارة والثقافة ، فأن علينا أن نبيد جميع أنواع البشر الذين لاموقع لهم فيها.

في ميزان العلم فإن ما تقدم من قول ماهو إلا تخرصات نابعة من حسد وحقد على الآخرين وطمعا في ثرواتهم ، فقد كان الخلط كبير عند هؤلاء ، فمن المعروف انه لا توجد أمة يتجانس نموذجها الوراثي لكي تعتبر (نقيّة خالصة العرق) وعلى سبيل المثال أن الذي شاع عن الاسكندنافيين والإيطاليين والألمان من أنهم انقى الامم عرقا وأنهم الأمم السامية فهذا أيضا لم يثبت علميا لأن هذه الأمم أيضا تفترق فيما بينها بدرجة لا يبقى منهم معها إلا أقلية يُشك في أنها شمالية صافية الأعراق ، وهذه المسألة أبرز بكثير لدى الأمم الاوربية الأخرى.

فالمانيا مثلا التي رفعت نفسها إلى قمة الدعوى القائلة بصفاء العرق الآري وخلوصه فقد اصيبت بصدمة نفسية هائلة وخصوصا عندما أوكلت مهمة التحقيق في ذلك الى العالم ديكسون الذي أوقف الأبحاث الانتروبولوجية في منتصف الطريق لأنها كشفت عن عدد هائل جدا من الالمان غير منسجمين مع النموذج الجرماني الصافي النقي بل أنهم اقرب إلى الهجائن.

وهذا يعني أن المحاولات التي قام بها الالمان في عهد الدكتاتورية النازية للاحتفاظ (بصفاء) عرق امتهم ، بالمعنى الانتروبولوجي كانت مستحيلة ، وقد رأى كثير من الباحثين الالمان كم كان من الصعب أن يوفقوا بين غاياتهم السياسية وبين المذاهب الانتروبولوجية ، ولذلك فقد اصيبت الآمال الالمانية بنكسة عدم التوفيق بين الالماني ، وبين الرجل الطويل الاشقر ، ذي العينين الزرقاوين ، وهكذا فعل أيضا الفكر الايطالي الذي أخذ يعزف على نفس النغمة الالمانية العنصرية.

وقد تعب علماء غربيون كثيرون من اجل ترسيخ فكرة تفوق الاجناس الأوربية ولكنهم فشلوا فشلا ذريعا وقام علماء كبار بنفي ذلك منهم (هوستون ستيورات شامبرلين) في كتابه (اسس القرن التاسع عشر) الذي حاول جاهدا ترسيخ هذه الفكرة وتسييسها لصالح الشعوب الأوربية، وللعلم أن هذه الفكرة لم تكن من خيال (شامبرلين) ولكنه سرق وقلب افكار(جوبينو مؤلف كتاب عدم مساواة الاجناس البشرية ) كما أن (روزنبرج ) سرق افكار ( تشامبرلن) وصاغها في كتابه (اسطورة القرن العشرين) وجميعهم يدعون الى عدم مساواة الاجناس البشرية لبعضها في القدرة والصفات وان الزواج المختلط بين العناصر الراقية من البشر والاخرى الادنى منها ينتج عنه نسل منحط عن العنصر المتفوق وإن العنصر (الآري) كما يُشاع من أنه أرقى العناصر وهذا العنصر متمثل في الاجناس النوردية التيتونية التي تتفوق على ما عداها في البناء الجسماني والذكاء العقلي وأن المسيحية بدعوتها إلى أن الارواح لسائر البشر هي متساوية إنما تعتبر دعوة باطلة.

وقد تأثر (هملر) مساعد هتلر ووزير دعايته وكرجل سياسة ودولة بهذه النظريات وهزته من الاعماق فكتب يقول : (أنه من الضروري المحافظة على نقاوة دماء الفلاحين النورديين النبيلة والذين هم دماءهم في مثل نقاوة الارض التي يفلحونها وغناها. ويجب عليهم أن يتكاثروا ويتناسلوا حتى تصبح دماؤهم هي الغالبة ثم يقضون على الاجناس المنحطة الذين تلوث دمائهم الجنس البشري بأكمله والذين يكمنون في الازقة المظلمة غير الصحية في المدن والبلدان) وقد وقد دفع هذا الخلط بعض التطوريين الى القول من ان الزنوج أحط من البيض ، وأن المولودين في آسيا أحط من المولودين في اوربا وامريكا وان خط العرض (45) يقسم البشرية بين عروق الشمال الراقية وعروق الجنوب المنحطة. (2)

انطلاقا من هذه النظرة العنصرية قام هملر باعداد شجرة له ولهتلر ترجع بأصولهم الى البطل الاسطوري (سيجفريد) الذي اكتسح بسيفه في القديم قوات الظلام وتبعه في ذلك الاجداد العظام من ابطال التاريخ الجرماني خلال العصور القديمة والمتوسطة من ملوك (فرانكونيا وساكسوني و بافاري و موابي). ( 3)

تتالت الهزائم النفسية لتصيب الامم الأوربية بالصميم حيث اثبت العلم بأنه لا وجود لعنصر نقي صافي العرق بينهم فقد فشل السويديون في اثبات كونهم النموذج الصافي للأوربي الشمالي. وفشل الألمان في إثبات كونهم النموذج الجرماني الأشقر ذو العينين الزرقاوين، ثم تلاهم الإيطاليون ففشلوا في اثبات تجانس العرق الإيطالي بسبب عزلته خلال ألف سنة فثبت أن الإيطالي الشمالي أكثر شقرة وأطول ورأسه اكبر أستدارة من الإيطالي الجنوبي ، وهو يشبه الفرنسي الذي يعيش في أوفيرينا. وهكذا تسببت هذه الاحباطات في تراجع الانكليز والفرنسيون التي طعنت كبرياء الامم الأوربية في الصميم ومنعوا البحث فيها.

ان التاريخ الانساني ، زاخر بوقائع الحروب والفتوحات والهجرات البشرية ، وانتقال الحضارات واختلاط الاجناس إلى حد يجعل الحديث عن عرق بشري لم يختلط بالعروق الاخرى خرافة فالفرس وصلوا في بعض الفترات التأريخية الى مصر واليمن ، وأقاموا حكمهم هناك والاسكندر المقدوني ، وصل الشرق الأوسط وتجاوز الى ضفاف نهر السند وفي العهد الاسلامي وصل العرب الى الاندلس غربا ، وخراسان شرقا وسمرقند شمالا ثم الصين وروسيا وهكذا احتل المغول الجنس الأصفر اجزاء من اوربا ووصلوا الشرق الاوسط.

يقول المؤرخون المنصفون أن اختلاط الاجناس ظاهرة بشرية قائمة منذ العصر الحجري القديم ، و أن الاختلاط بين العروق ، سبب امتزاجا في الصفات العرقية في المجتمعات البشرية ، فكل فرد فيها ذو دم هجين .

ففي عام (1911) م عقد مؤتمر عالمي حضره علماء الاجناس من اربعين دولة انتهى الى قرار أنه ليس هناك جنس بشري لم يختلط بغيره ، وليس هناك جنس ارقى من غيره . (4)

وقد قرر العلماء أن : الفروق العرقية هي مجرد مفهوم اجتماعي ومزيج مخز من التحاملات والخرافات.

الغريب الذي اصاب العالم الغربي بالصدمة هو عندما زارت البعثة الاثرية الطبية الفرنسية الالمانية المشتركة صحراء اليمن والصحراء الكبرى واجرت دراساتها على بعض القبائل العربية هناك ، فوجئوا بأمر غريب عجيب ، إن فصيلة دماء هذه القبائل اليمنية وبالاخص الطوارق منهم ، تملك فصيلة دم نادرة لم تكتشف من قبل ، وان هذه القبيلة قد حافظت على وجودها طيلة قرون ، وان هذه الفصيلة الدموية لم تسجل ضمن الفصائل المعروفة في العالم ، وان هذه القبيلة استطاعت عبر آلاف السنين أن تحافظ على خصائصها الجسمية ايضا كسواد العيون ، وصفاء سمرة بشرتهم وفصيلة دمهم ولغتهم ايضا ، فثبت ان في العرب امم تتمتع بصفة نقاء الاصول اكثر مما لدى الامم الأخرى.

وعلى ضوء هذه المعطيات ، صوّر (دزرائيلي) في روايته ( تانكرد) العرب بأنهم رموز للصفات السامية ، حيث أبدى اعجابه بمزايا العربي القديمة التي اعتبرها آتية من العزلة العرقية وسبب ذلك أن كتّاب الرحلات كانوا يستخدمون العرب بمثابة رموز ، فإذا كان الكاتب يريد الصفاء العرقي ، فالعرب هم أصحابه ، وإذا كان معجبا بالفروسية والكرم فالعرب هم أهلها ، ولما كان التقشف ــ الزهد ــ هو محل اعجاب الإنكليز وتقديرهم فأنهم كانوا يرون في البدو العرب رموزا للصفاء الخلقي والزهد ونكران الذات.

ان الادوار الاولى للحضارة الإنسانية ، ظهرت في منطقة الشرق الأوسط التي احتضنت الاديان السماوية والرسالات العامة ، والعصور التي اسماها الاوربيون عندهم بالمظلمة ، كان العالم الاسلامي فيها مشرقا في حضارته من سمرقند حتى الاندلس . وتدين النهضة الاوربية الحديثة في الكثير من جوانبها إلى الثقافة الاسلامية التي انتقلت اليها عبر الاندلس ومن خلال الحروب الصليبية ، ومن الجدير بالملاحظة أن الاوربيين يعتبرون اليابانيون عرقا اصفر ومن العروق المتخلفة غير الذكية في حين نجد اليابانيون اليوم يسببون احراجا كبيرا للتكنولوجيا الغربية التي عجزت في مجالات كثيرة منها عن اللحاق بالتكنولوجيا اليابانية.

المصادر : 
1- في عام 1933، كتب هربرت جورج ويلز كتاباً بعنوان ( شكل الأمور في المستقبل) في الصفحة (50)، كشف ويلز عن جزء من خطة عُصبة المتنورين لبدء الحرب العالمية الثالثة التي من شأنها أن تعلن الدخول إلى الدولة العالمية الحديثة التي سيحكمها المسيح الدجال والتي سوف تنشب من شيء يمكن أن يحدث في البصرة، بالعراق.
2- الجنرال هملر ، ترجمة كمال عبد الله ، الطبعة الأولى بيروت 1974 .
3- الجنرال هملر ، ترجمة كمال عبد الله ، الطبعة الأولى بيروت 1974 .
4- الأمة الإنسانية ، د احمد حسين ، طبع بيروت ص 92 .


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


مصطفى الهادي
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2019/03/17



كتابة تعليق لموضوع : أوهام نظرية صفاء العرق الأوربي.العنصرية في الفكر الغربي. 
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net