صفحة الكاتب : جمعة عبد الله

قراءة في رواية ( قنزه ونزه ) البحث في أزمنة الانفلونزا العراقية
جمعة عبد الله

مغامرة روائية مبدعة يخوض غمارها الكاتب الروائي ( شوقي كريم حسن ) بكل قدرة متمكنة من تقنياتها الفنية في الحبكة السردية , واسلوب تعابيرها الدالة في المغزى البليغ الدال , في الغوص في شجون واشجان المحنة العراقية ومآسيها , عبر ازمنتها الجحيمة المتعاقبة بالخرائب . في التعاسة والجحيم . في نزيفها المستمر الذي لم يتوقف في نزيف جراحه الجارية . هذه الرؤية الفكرية لمنصات الحبكة السردية باشكالها التعبيرية المختلفة , والتي انتهجت اسلوب التداعي الحر , في خضم تداعياتها التي سقطت انثيالاتها بغزارة المطر الغزير في معاناة وجدان الذات , في زخم التعابير الدالة ,في مغزاها ودلالة في معانيها الرمزية الدالة على الوطن , الذي اصبح يبدد كل بارقة امل وحلم , في خضم وقوعه في فلك المجاهيل والطرق المتوحشة , وتحولت انسانيته الى اوهام وهذيان على ضفاف القهرالاجتماعي , المتسلط على الرقاب , والجاثم على الصدور . في عنفوان مرارتها النازفة , كأن العراقي يولد وهو يحمل فيروس الانفلونزا المزمنة , في الوجع والانتهاك والاستلاب , المفرط بالتسلط والاستبداد . الذي يقود الى الضياع . , وبالتي تقود الى ضياع الوطن , دفعه الى اكوام الخراب وتدمير الانسان من الداخل , في الخيبات والخسارات المتلاحقة والمستمرة . بهذا الشكل تخوض تجليات الحبكة السردية في النص الروائي , وهي تكشف جراحات الوطن النازفة , في دوامة من الهيجان من الفوضى العارمة . التي تعمق الازمة والتأزم اكثر واكثر . ان تجعل الانسان حقل تجارب من الاحباطات المتكسرة , ان يكون مأزوماً في الداخل والخارج , في حياته واسلوب معيشته . حيث ان المعادلة متشابكة لا يكن فصلها , يعني ضياع الوطن وهو بالحقيقة ضياع الحلم في دروب ومجاهيل موحشة متوحشة , لا أمل فيها , طالما ان هذيان الاوهام المجنونة مسيطرة على خناق الوطن , مما تصيبه بالشلل والفشل . يقدم الكاتب هذه البانوراما الكاشفة , من خلال سيرته الحياتية والذاتية , التي اتخذت صفة الذات الجماعية , في واقع صبغ في ألوان السواد والحزن والحرمان . , في توصيل الرؤية الفكرية , من خلال السرد المبسط والعميق , بتوافق وانسجام بين اللغة الفصحى واللهجة العامية . بحيث كشفت وسلطت الاضواء الكاشفة في الغور في عمق المأساة العراقية , في استخدام اسلوب الميتاسردية ( الحدث وما وراء الحدث ) . في هذه التقنيات من البوح في النص الروائي , ان يكشف الصورة الكاملة لواقع العراقي عبر ازمنة الانفلونزا , في تعقيدها المتشابك بخيوطها الاخطوبوطية , ودهاليزها التاهة في المجاهيل المجهولة . لقد طرحت مأسي الواقع , بكل جرأة صريحة وعلى المكشوف , كما تصدت بوعي ناضج لمفاهيم الموروثات والارث المتنوع بصفاته واسمائه المتعددة , في بعضها حملت جنينات النفاق والخداع , في بدعة العصمة والقدسية لها . وهي جزء مكمل من خراب الواقع . يتناولها الكاتب بأسوب السخرية والانتقاد اللاذع من التهكم . لانها تسهم في تشديد الخناق على الوعي , اوتفرض حالة من الارهاب الفكري . اي ان العقل يفقد حرية التصرف والتعبير والارادة . وان يكون ضحية الاستلاب والانتهاك القسري . ان هذه المفاهيم من ألارث الموروث . هي جزء من الانفلونزا العراقية . لذلك ان الحبكة الروائية , تحركت بأساليبها المختلفة , في تسليط الاضواء , في التشخيص والتحليل , عبر رموزها التعبيرية في الحبكة السردية . وهي : ( جورية الام . ميري . نابليون . كاترين . حصان جدي ) . وقبل تفكيك شفرات هذه الرموز الدالة . لابد من تسليط الضوء بصورة مكثفة على حياة وسيرة السارد , وهو الشخصية المحورية في المتن الروائي :

× يصدمنا بطل المعاناة العراقية منذ الصبا , اومنذ تفتح براعمه الاولى , انهالت عليه السهام والطعنات الجائرة , لتدفعه الى المعاناة بوتيرة المتصاعدة ( منذ صباي الاول وانا احلم بمكان استقر اليه , يمنحني رضاه وامنحه كلي .. هذا البحر سعة لا تتوقف , وعملية تائهة مع اللاشيء كلما حاولت الامساك ببعض محبته , رمى بي الى التيه أشد قسوة , وأشد مرارة ) ص121 . تبدأ هواجس الرحيل الى اللاشيء , الى الدروب المجهولة والوعرة , الى الطرق المتوحشة . كي يفقد الحلم والامل , مثل الوطن الذي لم يبق منه إلا مجموعة خرائب متناثرة . في كرنفالات الجنون ( فاضت سيول من الانهزمات الداخلية التي ما عفتها من قبل , منذ سنوات طويلة , ما عادت كلمة وطن تعني لي أشياء محددة , فقد امتلأت قحفة رأسي بأوطان شتى , أوطان تركت في ذاكرتي مئات الرسوم والقصص والضحكات , وحدها كلمة وطن , كانت تغيضني , بل تحيلني الى كلب مرمي عند اكوام قمامة ينتظر موته , الكلاب السائبة غدت رفيقة أيامنا ونحن نسكن الشوارع ) ص157 . بل اصبح مشرداً مطلوب رأسه حياً أم ميتاً . هذه جنون الهلوسة التي اصابت الوطن , ليقع في احضان الجحيم . بل اصبح الوطن نفسه عنوان الجحيم , او اصبح عملة رخيصة تباع في الاسواق الرخيصة .

×× الرموز الدالة في النص الروائي :

1 - جورية ( الام ) : تمثل الفلسفة الحياتية في تجربتها الشاقة في المعاناة القاسية . في كفاحها الحياتي في توقير لقمة الخبز , بعد وفاة الاب في الحرب . فكانت أمه بائعة الخبز , صمام امان والسند في مواصلة حياته الشاقة بعد اليتم ( تربت على كتفي , وتمسد رأسي , كانت الى لحظات اليتم التي عشتها , اليتم الذي جعل أمي تقف عند مفترق الطرق وهي تحمل سوراً قرآنية , ورسومات لأئمة وبخوراً , من اجل رغيف خبز لا غير , ليس سوى أم حزينة , تلوج وهي تحمل خراب سنوات أعمارنا , كانت صباحاًتها نواحاً , ومساءاتها بكاءاً , لايستقر عن أسم محدد ) ص61 . ووتلونت عذاباته بالسواد , بعدما فقدها وغادرت الى رحمة الله . فكانت تملئ وجوده ( - لا أحد غير أمي جورية ..... هي الوحيدة التي يمكن ان تؤكد وجودي .. ؟

جورية ... جورية .. ماذا لو كانت جورية قد غادرت هذه الارض منذ زمن قد يكون طويلاً ... ماذا لو وجدت ما تسميه بيتكم وقد أزيل ولم يبق سوى خربة أو مساحة أرض ) ص219 .

2 - ميري ( الراهبة ) : تمثل فلسفة الحياة والحب . التي تعتمد على مقومات أنسانية نقية في روحها وصفاءها الحياتي . . تحاول ان تدخل العزيمة والبهجة الى قلبه المكلوم , تحاول ان تشد قوته النفسية في الصبر والتجلد , في مجابهة ومقارعة الحياة ( تلاحقني ابتسامات ( ميري ) وهي تهمس أأأأحبك ... وكل ما نطلبه منك أن تنجح ... كن ناجحاً في حياتك . . لأنك بنجاحك ستنال رضا يسوع ) ص30 .

( لا تثقب قلب رجولتك بكراهيات الارباب .. اخفي زعل الروح ما دمت تريد ادراك الوقت / وترغب بلفظ اخر الطرقات / فكر يا أبن آدم , ان طرقاتك القادمة قد تكون اكثر وحشة وتوحشاً / واكثر قتامة وحزناً / عندها يا أبن آدم عليك ان تقف عند الحد مبتسماً / وتقاوم .. قاوم وامضِ .. أياك ان تتوقف عند لحظة ما دمت غير مقتنع بالوقوف او التوقف / فكر ملياً واختر طريقاً اخر أو اقول الحق / ابتكر طريقاً اخراً يدلك على ما ترغب / محنة الانسان يا أبن آدم هو الطريق ) ص28 .

( بل عليك ان تتحمل الصبر وانتظار معاً!! ) ص39

( - كل اشياؤكم غريبة .... أنتم تعشقون الغرابة .. مخيلاتكم تجنح باتجاه خلق عوالم من الرعب والفوضى ... منذ قرأت حكاياتكم التي دمرت أحلام الناس وأنا لا اطيق مخيلاتكم . . عقول لا تجيد صناعة الحياة وتعبث بأحلامها .... قل لي ما الشيء الغريب الذي تفتخرون به ؟!! ) ص97 .

3 - نابليون : يمثل روح الشباب وعنفوان حلمها . لكن هذه الاحلام والعنفوان يتكسر على صخرة الواقع الصخرية بالفساد والرذيلة , مما يرجع مكسور الجناح في غصة الوجع . انه يتعامل مع واقع اكبر من طاقته في التحمل المعاناة الثقيلة . لذلك يظل مرمياً في قاعة الانتظار , في احلام يعصفها رياح الخراب , فرمزية ( نابيلون ) هو الضحية والشاهد والمراقب والمحترق بنار الجحيم . في عالم يضعه تحت حوافر الحرب أو السجن , ولا مفر منهما . واقع يدفه الى الاستلاب بلا عودة .

( - وانت .. لا يمكن ان اغادر بدونك ؟

- مجنون .. نحن رهن وحدتنا . شظية مثل هذه تجعلنا نغادر صوب وحشة اللاعودة .

يضحك

- ها انت تجيء محملاً بأثامك وخطاياك , نابليون .. لن يفيدك إرث ولا جاه . . الحساب لحظة لابد منها ؟ ) ص32 .

( - نابليون . . أيها الامبراطور السارق لارث جده .... دعك من مثلك العليا هذه .. دعك من هذياناتك الراسمة لفشل الاحلام .. ودعني اسير الى حيث تنطش الرغبات فوق رأسي ... أنا المخبول ... قدتٌ روحي من رغباتٍ . . وأطاعت نفسي انحرافات الجسد ) ص84 .

ولكن يحث الانقلاب الكلي , وهي اشارة , بأن العراقي يحمل الازدواجية في التصرف والسلوك , في سهولة التلوين وتغيير جلده حسب المناخ والطلب والعرض . وفجأة يجد نابليون وسط القاعة يصرخ بأعلى صوته ( اللهم صلِ على محمد والٍ محمد ) ص178 .

( - أنا الآن على غير ما تركتني عليه .. انتهزت الفرصة وجئت ؟

- الجميع هنا يتحدث عن فرص

- وما الانسان غير فرصة واحدة وان ذهبت لا يمكن استردادها ) ص179 .

4 - كاترين : تمثل فلسفة الحب والجنس والايروسية . كأنها تتقمص دور , البغي التي روضت ( انكيدو) من وحشيته .

( واعتادت كاترين ايقاظي بوابل من الجليد الذي لا اعرف من أين يجيء , أشعر برغبة شديدة بالبكاء والصراخ , والركض وسط غابات التوحش .والهتاف ضد ما أسميه خرابي الانساني , لكن الفشل الذي اصاب كلي المتهدم يعيدني الى حيث كانت كاترين تضحك .... تضحك ... بنت القندرة .... رأسمالية عفنة ... كلبة بنت الكلب ) ص163.

( الانسان كائن خلق من مستحيل , لهذا ترينه دائماً يبحث عن مستحيل ليهشم وجوده .. أنا أمامك مثلاً جئت لاهشم مستحيل فحولتي بين افخاذ بنات الغرب المسكين . نحن نأتي لنمارس الدعارة بين احضان مستحيلكم ... هذا هو الفرق أستاذة كاترين ... أنتم تجيئون لتكشفوا تواريخنا الاجرية , وسرية ملوكنا ودهاء ساستنا . أنا اشعر بفتحي المبين يمجد فحولتي ) ص128

( تقول كاترين لحظة فرح تساوي كوناً فاسداً . . الرب الذي تمجده خلق الانسان من اجل ان يصنع حياة ابتهاج وفرح ) ص132 .

( تقول كاترين وهي تلز جسدها الى جسدي , شعورك بالانكسار أضعف أملكَ . السؤال الذي ينقصك هو الى اين تريد الوصول .... ولماذا جئت . لا يمكن أن يكون مجيئك من أجل قاذورات التي تلاحقها هنا وهناك . . قد تتصور ان مجتمعاتنا مجرد مواخير كبيرة , أنت واهم عيبك أنك ترى ما تريد... حاول ان تجد مكاناً اخر ) ص142 .

5 - حصان جدي : هو دلالة رمزية على الموروثات ومفاهيمها , التي تحرث في الخراب , وخرجت عن منطق العقل , الى منطق العقل الظلامي المتوارث , الذي تصهل في الطرق المتوحشة الغارقة في الانهزام والخيبات المتكسرة ( والمرسومة بلون العبودية المستكين ) ص6 . ( وقد أورثت هذه الابصار من محيط سفالاتنا التي ادمنها المعلمون الاوائل ) ( أمر الاطفال بأن يتبولوا على امجاد اجدادهم ) ص 8 . هذه الموروثات التي تنفخ في قربة مثقوبة بألف ثقب , وهي حكايات اوهام وخرافة , ماهي إلا لسفك الدماء ( ربوعنا خراب لا يجد الاجابة , لهذا ترنا معلقين بسعف نخيل الاجداد , ووصاياهم , والمباهاة بماضٍ تليد يثير القيء . ويكشف عن مدى سفالات اولئك الاجداد الذين ارتاحوا لمرآى الدم , وادمنو الترحال اليه . حاولت مراراً التخلص من اوهام رأسي المائر بفضاءات مليئة بحمام اسود , لكني فشلت . لا أحد يستطع الانتصار على ماضيه . الماضي هو رباطنا الوحيد في اسطبلات حياتنا الحاضرة )ص10 . ( - انها أرثي التاريخي من الغابات والكهوف . مقاومة الحاضر بأستدعاء عنفوان الماضي السحيق . تصور أنا سليل رجل عاش بكهف وغابة ) ص144 . هذه الامجاد الملوثة بالدم , ندفع فاتورة حسابها الآن , بجريان دماء مضاعفة , لذلك يستفز السؤال ( ليش ؟؟ ) ( صدك عود ليش نموت . واشفنه من عمرنه . ليش نموت حتى يحيى الجنرال ) ص10

× رواية ( قنزه ونزه )

× المؤلف : شوقي كريم حسن

× الطبعة الاولى : عام 2018

× عدد الصفحات : 224 صفحة

× دار ميزوبوتاميا . العراق / بغداد


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


جمعة عبد الله
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2019/02/26



كتابة تعليق لموضوع : قراءة في رواية ( قنزه ونزه ) البحث في أزمنة الانفلونزا العراقية
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net