صفحة الكاتب : موقع الكفيل

المرجعيّةُ الدينيّةُ العُليا: الأغلبُ لا يتقبّل النصيحةَ والنّقدَ الإيجابيّ من الآخرين ويعدُّها انتقاصاً من منزلتِهِ وهدراً لكرامته، ويتعالى عنها بسبب الغرور أو الاعتداد بالنفس...
موقع الكفيل

أكّدت المرجعيّةُ الدينيّةُ العُليا أنّ الأغلب لا يتقبّل النصيحة والنقد الإيجابيّ من الآخرين، وهذه مشكلةٌ فكريّة واجتماعيّة وأخلاقيّة، وإنّ الكثير منّا يشعر بأنّ النصيحة والنقد انتقاصٌ من منزلته وهدرٌ لكرامته ويتعالى عن تقبّل النصيحة من الآخرين بسبب الغرور أو الاعتداد بالنفس، مبيّنةً أنّ الشخص الذي يتمتّع بالشفافيّة وقبول الآخر يستمع لنقد ونصيحة الآخر مهما كانت منزلته، ويجب التنازل وعدم التعامل بفوقيّة..
جاء ذلك خلال الخطبة الثانية من صلاة الجمعة المباركة ليوم (9جمادى الآخرة 1440هـ) الموافق لـ(15 شباط 2019م) التي أُقيمت في الصحن الحسينيّ المطهّر، وكانت بإمامة سماحة الشيخ عبد المهدي الكربلائي (دام عزّه)، وهذا نصُّها:
أيّها الإخوة والأخوات نتعرّض في الخطبة الثانية الى دروسٍ تربويّة نحتاج اليها في تصحيح مسارات الحياة، ومن جملة هذه الدروس التربويّة التي يحتاجها الفرد والمجتمع هي مبدأ وثقافة النقد البنّاء، النقد والتقييم الموضوعيّ للآخرين في مقابل النقد السلبيّ والنقد الهدّام.
أيّها الإخوة والأخوات أودّ أن أبيّن -بتعبيرنا الآن- ما يُسمّى النقد الإيجابيّ، ويعبّر عنه أحياناً بالنصيحة الصادقة وبتعبيرٍ آخر التقييم الموضوعيّ لمسيرة الحياة للإنسان فرداً ومجتمعاً، إخواني هذا المبدأ وهذه الثقافة نحتاج اليها احتياجاً مهمّاً وضروريّاً، ولاحظوا كيف غُيّب عنّا هذا المبدأ وكيف نتعامل مع هذا المبدأ القرآنيّ الذي أكّدت عليه الآيات القرآنيّة والأحاديث الشريفة، وسنبيّن مدى أهميّة هذا المبدأ والثقافة في حياتنا.
إخواني أيّ مبدأ وأيّ قيمة وأيّ فكر إذا استشعرنا أهمّية وخطورة هذا المبدأ والثقافة في حياتنا، والعطاء والمعطيات الإيجابيّة الكبيرة في حياتنا نتوجّه اليه ونهتمّ به ونحاول أن نعمل به، أمّا إذا لم نستشعر أهمّية مثل هذه المبادئ والدروس والثقافة في حياتنا حينئذٍ لا نعيرها أهمّيةً وعنايةً ونتعامل معها بسلبيّة، بحيث نخسر معطيات وفوائد وثمار مثل هذه المبادئ والثقافات.
من المبادئ المهمّة حاجتنا الضروريّة الى مبدأ وثقافة النقد الذاتيّ والنقد البنّاء والإيجابيّ والتقييم، التفتوا إخواني لدينا تقييم وتقويم، هناك فرق بينهما، نحتاج الى هذا التقييم الموضوعيّ، ابتداءً أذكر مقدّمةً ما هي ضرورة الحاجة هنا الى هذا المبدأ؟ البشر بصورةٍ عامّة -ما عدا المعصوم- كلّ إنسانٍ معرّض الى الخطأ ومعرّض الى الزلل والى العثرات والى الذنوب والآثام ومعرّض الى الإخفاق والفشل في حياته، ومعرّض الى الخطأ تارةً في مجال عباداته وعلاقته مع الله تعالى وتارةً في مسيرته الأخلاقيّة والسلوكيّة، وتارةً في ثقافاته تارةً في فكره تارةً في مبادئه وعاداته وتقاليده، جميع مجالات الحياة الإنسان معرّضٌ فيها الى الخطأ، تارةً الخطأ صغير وتارةً كبير وتارةً يتعلّق بالأخلاق والثقافة أو بالسلوك بالعلم، تارةً الخطأ يتعرّض له شخصٌ بسيط وتارةً يتعرّض له شخصٌ مهمّ في المجتمع، تارةً الخطأ يتعرّض له الفرد وتارةً يتعرّض له كيانٌ مجتمعيّ ثقافيّ تربويّ علميّ سياسيّ، وغير ذلك من الكيانات التي يكون تأثير الخطأ فيها عظيماً على الفرد والمجتمع وفي جميع مجالات الحياة.
لاحظوا إخواني هناك تنبيهٌ من الآيات القرآنيّة والأحاديث الشريفة الى هذه الحقيقة البشريّة، طبيعة الإنسان النقص والجهل وغلبة الهوى وغلبة الشهوات واستحواذ الشيطان والنزعات الشريرة، والكثير من العوامل في الطبيعة البشريّة التي تجعل الإنسان دائماً في عرضة الى الخطأ والزلل والعثرات، والتي تكون أحياناً مهلكةً للفرد والمجتمع إذا تراكمت ولم يُجرَ تشخيصها ومعالجتها، الحديثُ ماذا يقول؟ يقول: (كلّ بني آدم خطّاؤون...)، يريد أن ينبئنا يقول: أنت أيّها الإنسان مهما كنت -ما عدا المعصوم- أنت الآن في معرض الخطأ والزلل، ما هو الطريق لتصحيح هذا الخطأ؟ طالما أنا دائماً أتعرّض للخطأ (...وخير الخطّائين التوّابون)، حديثنا ليس عن التوبة ولكن نريد أن نبيّن أنّ الفرد والكيان المجتمعيّ والمجتمع يتعرّض كثيراً الى الخطأ، فيحتاج أن يُنبّه بصورةٍ دائميّة وأن يُجرى تعريف هذا الإنسان أو الكيان المجتمعيّ بأخطائه وزلّاته وعثراته وإخفاقاته وفشله، حتّى يستطيع أن يُشخّص له الخطأ ثمّ بعد ذلك يجب التقويم حتّى يلتفت ويتنبّه ولا يكون في غفلة، من أجل أن يصحّح هذا الخطأ والزلل والعثرات، لأنّها إذا بقيت وتراكمت قد تؤدّي الى هلاك الفرد والمجتمع.
لذلك نحتاج الى التنبّه الدائم تارةً -كما قلنا- خطأٌ اجتماعيّ أو خطأٌ أخلاقيّ أو خطأٌ ثقافيّ فكريّ، وأحياناً الخطأ على مستوى الفرد العادي وأحياناً على مستوى الفرد المهمّ في المجتمع، وتارةً على مستوى مجتمعٍ وكيانٍ مجتمعيّ فالمخاطر تتفاوت، لكن القاسم المشترك بينها أنّنا نحتاج دائماً الى أن ننبّه على الأخطاء ونشخّصها ونحاول أن نتدارك هذه الأخطاء والإخفاقات والفشل في حياتنا، لأنّ تركها تتراكم سيؤدّي الى هلاك الفرد والمجتمع، من هنا جاءت الآيات القرآنيّة الكريمة لتنبّه على هذه المسألة، وأنّها مسألة ضروريّة جدّاً ومهمّة في حياة الفرد سواءً كان في المجال العباديّ أو الأخلاقيّ أو السلوكيّ أو في المجال الثقافيّ وغير ذلك من الأمور، بتعبيرٍ آخر أنّ الإنسان والمجتمع بحاجة الى المراجعة، مراجعة مسيرة الحياة في كلّ جوانبها ليفتّش ويفحص عن الخطأ والزلل والعثرات ويشخّصها بدقّة ويحاول أن يضع الحلول لتدارك هذه الأخطاء ومعالجتها، كي لا تتراكم وتسبّب مشاكل كبيرة على الفرد والمجتمع.
نأتي الآن وننظر الى الآيات القرآنيّة والأحاديث الشريفة التي بيّنت أهميّة هذا المبدأ وتطبيقه في حياتنا، التفتوا الى هذه الآية والى ما في داخلها من مضامين تخاطب المؤمنين (وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ) الآية فيها عدّة معاني، تقول دائماً المؤمن معرّضٌ الى الخطأ والزلل والعثرات والإخفاقات والفشل، وعليه أن يكون دائماً في تنبّه ولا يكون لا أُبالي ولا يكترث ولا يهتمّ لأفعاله وسلوكه ومسيرته في جميع مجالات الحياة.
البعض هكذا لا يُبالي لا يكترث مهما يصدر منه من أخطاء وعثرات وزلّات، الآية تقول: لا.. المؤمن في حالة تنبّه دائميّ، كيف يتنبّه؟ قد يكون في غفلةٍ قد يكون في جهلٍ، قد ينظر أحياناً الى هذا الزلل والخطأ على أنّه أمرٌ صغير وبسيط فيتهاون ويتساهل بشأنه، الآية القرآنيّة تقول: (وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ) أي أنّهم في تنبّه لرقابة الله تعالى والمحاسبة الدقيقة، فدائماً المؤمن في حال تنبّه ويقظة ووعي، يحاول أن يصحّح مسيرته في الحياة، ثمّ في حديثٍ آخر ينبّئنا أنّك أيّها المؤمن كن دائماً نبهاً ويقظاً ولا تغفل عن مسيرة الحياة (ليس منّا منْ لم يحاسبْ نفسه في كلّ يوم)، ماذا تعني المحاسبة؟ أي أنّ الإنسان ينقد ذاته ويراجع ذاته ويراجع مسيرته في الحياة ويرى مسيرته، إن كان ما بها من أشياء صحيحة وحسنة يحمد الله تعالى ويطلب منه الزيادة في التوفيق، وما بها من سيّئات في أيّ مجالٍ كان في علمِه في ثقافتِه في فكرِه في أخلاقِه في عبادتِه في عملِه في علاقاتِه في عاداتِه في تقاليدِه، كلّ تلك الأمور السيّئة يراجعها فإن عمل حسناً حمد الله واستزاده وإن عمل سوءً استغفر الله.


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


موقع الكفيل
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2019/02/15



كتابة تعليق لموضوع : المرجعيّةُ الدينيّةُ العُليا: الأغلبُ لا يتقبّل النصيحةَ والنّقدَ الإيجابيّ من الآخرين ويعدُّها انتقاصاً من منزلتِهِ وهدراً لكرامته، ويتعالى عنها بسبب الغرور أو الاعتداد بالنفس...
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net