الدين والعنف !
د . مصطفى ناجي

انهيت للتو كتاب (حقول الدم-الدين وتاريخ العنف  ) لكارين ارمسترونغ . يسرد رحلة الانسان ويحللها بدءاً من مرحلة الصيد ومهد الحضارة الزراعية الى عصر العولمة والحرب على (الاٍرهاب ) اي من 6 الاف عام الى هذا الوقت ...وهو محاولة للإجابة على السؤال المركزي :ما هي العلاقة بين الدين والعنف ؟
تنتهي كارين الى تقويض الأساس التاريخي ل(أسطورة العنف الديني /او الدين والعنف )عبر الكشف عن الدوافع المركبة والعوامل السياسية والاقتصادية والاجتماعية المتشابكة التي تقف خلف العنف ..
فالدين قبل ق18 مثلاً لم يكن شأناً واقعياً ولا مفهومياً منفصلاً عن بقية شؤون الحياة الانسانية ،ولم يكن (الدين) في الحضارات ما قبل الحديثة مواجهة شخصية لين الاله والإنسان ،بل كان موقفا يتخلل سائر الأنشطة الانسانية ،وكل قراءة للتاريخ بأثر رجعي من وعينا العلماني استناداً الى هذا الفصل المفهومي بين ما هو (ديني ) وما هو (سياسي) هي قراءة مغلوطة تقوم على مفارقة لا تاريخية .
وثم مقاربة اخرى جديرة بالذكر :لا يمكن للدولة ان تقوم ولا تحافظ على وجودها من دون استعمال العنف والقوة والإكراه ،هذه الحقيقة المؤسفة لطبيعة الاجتماع البشري الحضاري طوّعت الدين -الداعي الى قيم الرحمة والعدل - في كثير من الأحيان ولوثته بالعنف ،الا ان الدين -ايضا- وفي الوقت نفسه - كان بشكل تحدياً مستمراً لعنف الدولة البنيوي والمادي ،وكان ولايزال يحاول البحث عن بديل لدائرة العنف (الضرورية بمفهوم الدولة ).او للتخفيف عن وطئتها ،جعلت العلمانية من الدين كبش فداء لخطايا الدولة ،وبالتالي فالأيديولوجيات العلمانية لم تكن اقل عنفاً من سابقتها الدينية ،بل ان الشعور القومي الذي حل محل الشعور الديني وأحاط نفسه بالهالة ذاتها من القدسية ،قد مارس عنفاً مضاعفاً على الأقليات ،،،وثم صدّرت ايدولوجيا الدولة القومية العلمانية عنفها على العالم عبر مشروع استعماري ،لم يكتف بنهب العالم ،بل قام بتفكيك ديناميكيات التحديث الثقافية والدينية الاخرى وتركها تعاني تشوهات بنيوية مستعصية في مرحلة الدولة الوطنية /دولة ما بعد الاستعمار ،وقدّم نموذجه الحديث عن (الدين ) كشأن شخصي مناف للعقل كنتيجة حتمية لتطور الوعي والتاريخ الإنساني !!الامر الذي اسهم في تشويه التقاليد الدينية الاخرى ودفعها الى التقوقع الهوياتي والأصولي للدفاع عن ذاتها في مواجهة الخطر (الخارجي ).
لا تزال القراءة العربية لسؤال العنف والدين سطحية في الغالب الأعم ،متماهية ،بوعي او من دون وعي ،مع الاطروحة الاستشراقية التي تتجاهل الأسباب لنشوء الظاهرة الاصولية وتختصر اسباب العنف في تشوّه ثقافي كامن في النص والتراث الديني ،ولا تزال هذه الرؤية قادرة على الاستطراد من دون كلل في اختزال الظواهر كافة من دون ان يدفعها تجدد أشكال العنف المعبر عنه دينيا الى تفحّص الدوافع التي تقف خلفه ،او الى أشكال العنف المنظم الذي تمارسه الأنظمة السياسية العلمانية .

د.مصطفى الناجي


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


د . مصطفى ناجي

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2019/02/12



كتابة تعليق لموضوع : الدين والعنف !
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net