صفحة الكاتب : حميد آل جويبر

أيُّ سور … لأيِّ وطن
حميد آل جويبر

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

في ترنيمة ببغاوية حشروها في وعينا عنوة ، كنا نردد منذ كانت الحقائب المدرسية تتدلى على ظهورنا " الجيش سور للوطن … يحميه ايام المحن " . و كنا باحتفالية طفولية ننتظر حلول ايام السبت  لترديد هذا النشيد الذي وضع في لحن جميل ، كانت حينها اجسادنا تتمايل طربا ونحن نردده بشيء من الحماس رغم اننا لم نكن نعي ما نقول بالضبط . آنذاك كان اي مخلوق يرتدي لونا خاصا من اللباس ويعتمر قبعة يمثل بالنسبة لي عسكريا . فيدب الخوف الى اوصالي وانا طفل صغير ، ويتضاعف ذلك الخوف كلما اتسع لمعان النجمات الذهبية او الفضية على الاكتاف. هل كان ذلك الخوف نبوءة بريئة بما سيحمله لنا هذا الكيان الذي استنزف خيرة خيرات العراق خاصة في العقود الاربعة الاخيرة ؟ ربما... مع بواكير تشكل الوعي والدخول الجاد في معترك الحياة ، بدأت كلمات النشيد القديم تنحسر من الذاكرة رويدا رويدا حتى اصبح  جزءا من الماضي السحيق الذي لم يعد يعني لي شيئا ذا مدلول . وعيت على الاشياء بين مدينتي النجف وبغداد واذا بي ارى خيرة شبابنا يذهبون الى جبهات قتال داخلية فلا يرجعون ، واذا عادوا فانهم سيهيأون لمطحنة اخرى في الشمال الذي كان حبيبا قد لا يعودون بعدها ابدا وكنت اتلمس جسدي في حينها مع كل دفعة يزج بها نحو فوهات المدافع. وكان النزيف يلتهم خيرة العراقيين في معركة الشمال والجنوب . والتلفزيون الحكومي لا ينفك يخدش اسماعنا ببطولات الجيش الذي هو سور للوطن المنذور لحماية الوطن . وعندما كانت جبال كردستان تتروض رويدا رويدا بعد ان التهمت ما التهمت من ارواحنا واجسادنا بلا ثمن ، كانت الخيوط تحاك في ليل لبذل وجبة اخرى من تلك الارواح على المسلخ ، وهذه المرة كانت من اجل دفع نـُذُرِ رياح صفراء قيل انها حاقدة هبت عليه من الشرق لتهديد بوابة العرب . "وابتدا المشوار" ، وعلى مدى ثماني سنوات عجاف كان اولاد الخايبة من الطرفين ينزفون بجنون ، ولاني كنت محشورا بلا خيار ضمن تلك المؤسسة فقد شهدت من الفظائع التي ارتكبها جيشنا "سور الوطن" ضد عرب اقحاح في قرى الاهواز والمحمرة ودزفول ما يندى لها جبين البغايا حياءً ، وكانت الماكنة الاعلامية في حينها تريد ان تقنعنا بان عرب ايران يستحقون منا كل هذه التضحيات لانقاذهم من براثن ظلم المجوس ، في ذلك الوقت كانت المئات من العربيات خارج حدودنا الشرقية يحملن سفاحا من جنودنا الاشاوس الذين هبوا لتحريرهن من احقاد اكاسرة الفرس . فدست من دست منهن جسدها بالتراب حقنا للعار وهامت على وجهها من هامت في الارض لا تلوي على شيء والى يومنا هذا فتحولت قصصهن المسلية الى افلام ايرانية تفوز بجوائز عالمية . كل هذا وسور الوطن يحقق الانجاز وراء الانجاز والانتصار تلو الانتصار . حيث دخلنا المحمرة منتصرين وخرجنا منها باذلال منتصرين مخلفين خمسة وعشرين الف اسير في خمطة مجوسية واحدة ، اعتبرت الاسوأ في تاريخ الحروب بين بلدين . كل هذا والدفوف تدق فوق رؤوسنا معزوفات النصر المبين . وحين دارت الايام دورتها واصبحنا محتلين "اسم مفعول" بعد ان كنا محتلين "اسم فاعل" وخرج ميناء الفاو من ايدينا ، كانت اغاني النصر المبين التي حققها جيشنا الباسل تتدفق كالشلال على رؤوسنا ، فما ان يفرغ جعفر الخفاف من تلحين نشيد ، حتى استلم منه المبادرة شيخ الملحنين طالب القره غولي "احنه مشينه مشينه للحرب" . وما ان يفرغ الاخير من مهمته حتى يستلمها منه فاروق هلال او المطرب فاضل عواد الذي كان المرض يبطش باوصاله فاطل علينا من الشاشة وهو يتوكأ على صاحبه في الفرقة المنشدة كي لا يفوته شرف المساهمة في قادسية الشرف … وهكذا كان الاخرون سعدون وحسين والياس حريصين على الامساك بذلك الشرف العظيم الذي كان الدم العراقي يراق على جميع جوانبه بكل سخاء. وبينما كانت حرب الدفاع عن البوابة الشرقية توشك ان تضع اوزارها كانت طائرات الجيش العراقي الغيور توزع اكياس الحلوى ودمى العيد على اطفال مدينة حلبجة من الجو، تلك الاكياس التي لم يلق بها طيار ايراني أواسرائيلي ، بل عسكري عراقي الدم واللسان ، حولت خلال سويعات المدينة الوادعة الى مقبرة جماعية للاطفال وامهاتهم وآبائهم من شدة الفرح بمطر الهدايا المنهمر. واستبشر العراقيون خيرا عندما توقفت ماكنة الدم بين البلدين . ولم يعد نشيد الطفولة يعني لهم شيئا ولا آلاف الاناشيد التي تسابق الوطنيون على كتابة كلماتها وتلحينها وغنائها ظفرا بالخمسمئة دينار التي كانت "تعوّر" في ذلك الوقت . وليس مهما ان نكون عُدنا من تلك الحرب بابخس من خفي حنين ، فلا نظام الملالي في قم وطهران انهار خلال ايام حسب الخطة المرسومة ، ولا عرب الاهواز استعادوا حريتهم من بطشه ، ولا القرى العراقية الحدودية التي قيل انها كانت مغتصبة استيعدت ، بل اننا فقدنا بها جزءا مهما من شط العرب والعديد من المخافر الحدوية والمناطق النفطية، وخلفت لنا منظمة ارهابية لقيطة عاشت افضل ايامها على شقاء العراقيين . ولمن يريد ان يطلع على المزيد من الاذلال الذي تحملناه يكفي ان يطلع على الرسائل التي تبادلها الرئيسان صدام التكريتي وعلي اكبر رفسنجاني ففيها العجب العجب من دروس الذل والمهانة . ولان الجيش كان يحضر لمهمة جنوبية في زيارة مفاجئة لاخوتنا الاعداء ، فقد تحملنا ذلك الاذلال ودفعنا ضريبته عن يد ونحن صاغرون . وفي ليل بهيم كانت دبابات جيشنا العراقي الباسل على مشارف قصر السيف تكافىء آل الصباح على مجهودهم الحربي ضد ايران . والغطاء هذه المرة ايضا هو تخليص جارنا من حكم ولاته الجائرين من الاسرة الحاكمة . وابتدأ العزف وانطلقت الاناشيد التي رافقها سلب ونهب منظمان طالا حتى ارشيف الكويت الوطني . اما الاجهزة والمطابع الحديثة وسيارات الليموزين وقطع الذهب فكانت من الغنائم التي يُظـفر بها من اي عدو غادر . ولان الكويت المدللة ليست ايران المغضوب عليها ، فان غضب الارض والسماء صب على العراقيين ليعودوا منتصرين الى خلف حدودهم . وعادوا مكللين باناشيد النصر ، حيث لا يكاد زقاق عراقي يخلو من " العزيز انته انته" . ويبدو لي الان ان صواريخ ارض - ارض "الحنيّنة أوي" والتي ضن بها جيش العراق على اعدائه في حرب الكويت كان يدخرها لمهمة اكثر قداسة وشرفا . فاستقبلت ازقة النجف المتهاوية اربعين منها بكل فخر واعتزاز فيما استقبلت كربلاء عددا مشابها وتوزعت الباقيات الصالحات على مدن اخرى . حتى اذا نفد ما في المخازن من تلك الصواريخ راحت طائرات جيشنا الباسل تتكفل بمهمة التعويض فتهدي للمدن العراقية صواريخها الجميلة بالعدل والاحسان وايتاء ذي القربى ، كل هذا الصنيع وما زال الجيش سورا للوطن . ترى من منا سيشعر ولو بقليل اسف على تفكك هذا الجيش الذي كان خنجرا مغروزا في خاصرة اهالي الوطن على مدى اربعين عاما ؟ جيش كان يقوده حثالة من نفايات وشقاوات الشعوب من امثال المهيب الركن  صدام  وصهره الكامل وابن عمه الكيمياوي المجيد وامثالهم . من كان منكم وطنيا حقا ويشعر ان هذا الكيان العسكري الفتاك هو جزء منه لحماية سور الوطن ؟ فليلقمني بحجر واقبل منه بكل رحابة صدر تهما بالخيانة العظمى والصفوية الحاقدة والعمالة للاجنبي ، لانها جميعا فقدت معناها بالنسبة لي لكثرة الاستخدام النمطي الساذج  

 


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


حميد آل جويبر
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2012/01/07



كتابة تعليق لموضوع : أيُّ سور … لأيِّ وطن
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net