صفحة الكاتب : عبدالاله الشبيبي

ايهما افضل الكلام ام السكوت؟!...
عبدالاله الشبيبي

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

نجد هناك احاديث واقوال وحكم واشعار تمدح طرف وتذم طرف، فمره تمدح السكوت وتصف من يتحلى به سالم من مفاتن الدهر وحافظ اللسان من الزلات، ومن سلك مسلك الصمت والسكوت لم يندم، كقول الشاعر: ندمت على السكوت مرة ... وندمت على الكلام مراراً.
ومن يمدح الكلام ويصفه بالطريق الذي يعبر مخاطر الحياة وبالكلام يرفع القيود والاغلال ويكشف ما تحت لسان، والصمت يتلاشى عند كلمة حق... وأن الكلام في موضعه من أشرف الخصال الممدوحة، وان لا يقيد لسان في مواضع هو قادر على الكلام بها، وقد قيل لا خير في الصمت عن العلم، كما لا خير في الكلام عن الجهل.
ان موقع اللسان من الإنسان موقع ينبغي أن يمتاز بالبحث والتحقيق عن حاله وبيان وظائفه عقلاً وشرعاً واجتماعاً، فإنه من أعظم ما يمتاز به الإنسان عن أبناء جنسه، ولذا قال تعالى: (خَلَقَ الْإِنْسَانَ عَلَّمَهُ الْبَيَانَ). واللسان هو الطريق الوحيد العام لانتقال ضمائر الإنسان وعلومه ومعارفه إلى بني نوعه.
وأما البيان بالقلم، كما قيل: إن البيان بيانان: بيان باللسان، وبيان بالبنان، فهو يختص من حيث الملقن والملقن له، وكيفية التلقين بالعلماء ولا يعم الجميع. المصدر: دروس في الاخلاق، ج1، ص134.
وعليه لزوم السيطرة على ما يصدر عن لسان الانسان، والمراقبة الدقيقة له، فقد ورد التحذير الكثير من الشارع المقدس في هذا المجال، إدراكاً منه لوجود هذا الشعور في داخل الانسان، والاضرار البالغة التي يمكن أن تترتب على هفوات اللسان وأخطائه، خصوصاً في مجال العلاقات الاجتماعية. المصدر: دور اهل البيت في بناء الجماعة الصالحة.
اذ روى صاحب سفينة البحار عن الأمام زين العابدين وسيد الساجدين أنه سئل عن الكلام والسكوت أيهما أفضل؟ فقال: لكل واحد منهما آفات، فاذا سلما من الآفات، فالكلام أفضل من السكوت لأن الله عزوجل ما بعث الأنبياء والأوصياء بالسكوت، انما بعثهم بالكلام، ولا استحقت الجنة بالسكوت، ولا استوجبت ولاية الله بالسكوت، ولا توقيت النار بالسكوت, كل ذلك بالكلام. انك تصف السكوت بالكلام، ولا تصف الكلام بالسكوت.
يعلق المرحوم الشيخ مغنية على هذا الكلام بالقول التالي: قبل كل شيء نشير إلى هذه البديهة: كل شيء يأتي في وقته، ويوضع في محله اللائق به فهو خير وحسن وحكمة وتدبير، وكل شيء يتجاوز حده إلى غيره فهو سفاهة وجهالة.. ومثال الأول قول الإمام أمير المؤمنين (ع): الغدر بأهل الغدر وفاء عند الله. ومثال الثاني قوله: الوفاء لأهل الغدر غدر عند الله.
هذا من حيث الفكرة والقاعدة العامة الشاملة للكلام وغير الكلام سكوتاً كان أو أي شيء، أما الحديث عن الكلام بصرف النظر عن السكوت، وعن السكوت بصرف النظر عن الكلام، فان كلاً منهما لا يوصف بخير أو شر من حيث هو، بل يختلف تبعاً لثماره وآثاره التي تختلف هي بدورها تبعاً للمقامات والحالات، فقد يكون السكوت شراً كالسكوت عن الحق حيث وصف الرسول الأعظم الساكت عنه بالشيطان الأخرس، وقد يكون خيراً كالذّي يسكت عن كلمة خبيثة كيلا يسمع كلمات. المصدر: فلسفة الاخلاق الشيخ مغنية، ص46.
وأيضاً يكون الكلام خيراً إن أمر بصدقة أو معروف أو إصلاح بين الناس، كما في الآية (لَا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلَاحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً)، ويكون شراً إن يكن الكلام كذباً أو غيبة أو شتماً أو لغواً.
ويصدق هذا كل الصدق على العديد من الذين يتطفلون على المنابر في هذا العصر حيث يدورون ويلفون ويسرفون في الكلام من غير طائل، ويتبسطون في السخف إلى أبعد حد!.
هذا بالنسبة إلى الكلام في ذاته والسكوت في ذاته، أما المقارنة والمفاضلة بينهما كما هو موضوع السؤال والجواب فان الكلام أفضل اذا كان في محلة، والا السكوت افضل.
أولاً: أن الكتب والأسفار وما يدرس في المعاهد والجامعات ويدور في الأسواق والشوارع، كل ذلك وغير ذلك كلام وبيان، وهل توجد حياة اجتماعية بلا تفاهم وتخاطب؟.
ثانياً: ان التخاطب والحوار يوقظ الفكر، ويفتح له آفاقاً جديدة كالتحليل في المختبر، خاصة إذا كان الحوار بين أهل العلم والفهم.. ونقول هذا عن حسٍ وتجربة.
وعن الإمام جعفر الصادق(ع): لقد تجلى الله تعالى لعباده في كلامه، ولكن لا تبصرون. ومراد الإمام أن عظمة الله سبحانه تجلت في كلامه المعجز تماماً كما تجلت في الكون ومن فيه وما فيه.
وفي روضة الواعظين: قال امير المؤمنين(عليه السلام): الكلام في وثاقك مالم تتكلّم به، فإذا تكلّمت به صرت في وثاقه. فاخزن لسانك كما تخزن ذهبك وورقك، فربّ كلمة سلبت نعمة. ولا تقل ما لا تعلم.
وعنه ايضاً قال: سمعت رسول الله(ص) يقول: الكلام ثلاثة: فرابح، وسالم، وشاحب. فأمّا الرابح فالّذي يذكر الله، وأمّا السالم فالّذي يقول ما أحبّ الله، وأمّا الشاحب فالّذي يخوض في الناس.
أقول: الشاحب، بالحاء المهملة، كما في هذين الموضعين، لا يناسب هنا، فإنّه بمعنى المهزول والمتغيّر، والظاهر إنّه شاجب بالجيم بمعنى الهالك.
قال في المجمع في لغة شجب: وفي الخبر: المجالس ثلاثة: سالم وغانم وشاجب، أي هالك، والمعنى إمّا سالم من الإثم أو غانم بالأجر أو هالك بالإثم، والشاجب الناطق بالخناء المعين على الظلم. المصدر: مستدرك سفينة البحار.
وقد روي عن الامام الصادق عليه السلام انه قال: ان أردت أن تقر عينك، وتنال خير الدنيا والاخرة، فاقطع الطمع، مما في أيدي الناس، وعد نفسك في الموتى، ولا تحدثن نفسك انك فوق احد من الناس، واخزن لسانك كما تخزن مالك.
وقال الإمام الباقر (عليه السلام) لرجل وقد كلمه بكلام كثير: أيها الرجل تحتقر الكلام وتستصغره؟!
اعلم أن الله عزوجل لم يبعث رسله حيث بعثها ومعها ذهب ولا فضة، ولكن بعثها بالكلام، وإنما عرف الله عزوجل نفسه إلى خلقه بالكلام والدلالات عليه والأعلام.
وعن النبي(ص) في وصيته لابي ذر يبين فيها الموازنة الصحيحة بين الكلام والسكوت، فقد قال: يا أبا ذر، الذاكر في الغافلين كالمقاتل في الفارّين في سبيل الله. يا أبا ذر، الجليس الصالح خير من الوحدة، والوحدة خير من جليس السوء، وإملاء الخير خير من السكوت، والسكوت خير من إملاء الشر. يا أبا ذر، اترك فضول الكلام، وحسبك من الكلام ما تبلغ به حاجتك. يا أبا ذر، كفى بالمرء كذباً أن يحدّث بكل ما سمع. يا أبا ذر، إنه ما من شيء أحق بطول السجن من اللسان. يا أبا ذر، إن الله عند لسان كل قائل، فليتّق الله امرؤ وليعلم ما يقول.
فعن أبي عبد الله(عليه السلام) أنه قال: كلام في حق خير من سكوت على باطل. ولكن قد ورد: أن الكلام لو كان من فضة كان ينبغي للصمت أن يكون من ذهب، وظاهره أن الصمت في موضع رجحانه أفضل من الكلام في مورد رجحانه، فهذا: إما بنحو الموجبة الجزئية، أو أن الجملة مسوقة لبيان حال أكثر الناس، حيث أنهم جاهلون بسطاء، وكلامهم لو كان خيراً فهو خير قليل، فسكوتهم أفضل منه.
وأنه: جمع الخير كله في ثلاث خصال: النظر والسكوت والكلام، فكل نظر ليس فيه اعتبار فهو سهو، وكل سكوت ليس فيه فكر فهو غفلة، وكل كلام ليس فيه ذكر فهو لغو، فطوبى لمن كان نظره عبراً وسكوته فكراً وكلامه ذكراً. المصدر: دروس في الاخلاق، ج1، ص135.
وأن اللسان جموح بصاحبه، وما أرى عبداً يتقي بتقوى الله تنفعه حتى يختزن لسانه. وأن لسان المؤمن من وراء قلبه، وأن قلب المنافق من وراء لسانه. وأن اللسان بضعة من الإنسان، فلا يسعده القول إذا امتنع، ولا يمهله النطق إذا اتسع. وأن تلافيك ما فرط من صمتك أيسر من إدراكك ما فات من منطقك وحفظ ما في الوعاء بشد الوكاء.
وأن الله يعذب اللسان بعذاب لا يعذب به شيئاً من الجوارح، فيقول له: خرجت منك كلمة فبلغت مشارق الأرض ومغاربها، فسفك بها الدم الحرام، وانتهب بها المال الحرام، وانتهك بها الفرج الحرام.
اما من يروج للمقولة المشهورة اذا كان الكلام من فضة، فان السكوت من ذهب، يدل على أن السكوت أفضل من الكلام، وكأنه مبني على الغالب وإلا فظاهر أن الكلام خير من السكوت في كثير من الموارد، بل يجب الكلام ويحرم السكوت عند إظهار اصول الدين وفروعه، والامر بالمعروف والنهي عن المنكر، ويستحب في المواعظ والنصائح، وإرشاد الناس إلى مصالحهم وترويج العلوم الدينية، والشفاعة للمؤمنين، وقضاء حوائجهم وأمثال ذلك، فتلك الاخبار مخصوصة بغير تلك الموارد أو بأحوال عامة الخلق فان غالب كلامهم إنما هو فيما لا يعنيهم، أو هو مقصور على المباحات.
وفي حديث هشام أن أمير المؤمنين (عليه السلام) كان يقول: إن من علامة العاقل أن يكون فيه ثلاث خصال يجيب إذا سئل، وينطق إذا عجز القوم عن الكلام، ويشير بالرأي الذي فيه صلاح أهله، فمن لم يكن فيه من هذه الخصال الثلاث شيء فهو أحمق.
فإن كان للكلام مقتض فلا خير في السكوت، وان لم يكن فلا خير في الكلام، فكلامه عليه السلام هو القول الفصل في المقام. ولبعضهم:
عجبت لإزراء العيي بنفسه ... وصمت الذي كان بالقول أعلما
وفي الصمت ستر للعيي وإنّما ... صحيفة لب المرء أن يتكلّما
وقال ابن مسكويه: أمر بعض الملوك أن يستخرج له كلمات من الحكمة ليعمل بها، فاستخرجت له اربعون الف كلمة، فاستكثرها، فاختير منها أربعة آلاف كلمة، ثم لم يزل ينقص منها حتى رجعت الى أربع كلمات، وهي: لا تثقن بامرأة، لا تحملن معدتك فوق طاقتها، احفظ لسانك، خذ من كل شيء ما كفاك. وقالوا: سعد من لسانه صموت، وكلامه قوت.
وقالوا: إذا سكت عن الجاهل فقد اوسعته جواباً، واوجعته عقاباً. وقالوا: إعراضك صون أعراضك. وكان يحيى بن خالد يقول: ما جلس الي احد قط الا هبته حتى يتكلم، فإذا تكلم اما أن تزداد تلك الهيبة أو تنقص. وكان يقال: لا خير في الحياة الا لصموت واع، أو ناطق محسن.
وقال الامام علي عليه السلام: الكلام كالدواء قليله ينفع وكثيره قاتل. وقال: إيّاك وكثرة الكلام فإنّه يكثر الزلل ويورث الملل. وقال: كثرة الكلام تملّ السمع. وقال: إياك والهذرَ، فمن كثر كلامه كثرت آثامه. ومما روي عنه عليه السلام من الشعر، قوله:
إنّ القليل من الكلام بأهله ... حَسَن وإنَ كثيرَه مَمْقُوتُ
ما زَلَ ذو صَمْتٍ وما من مُكْثرٍ ... إلاّ يزلّ وما يُعابُ صَمُوتُ
إنْ شُبه النُطْقُ المبينُ بِفِضةٍ ... فالصَمْتُ دُر زانَه ياقوتُ
فمن هنا نستخلص الى القول التالي ان لكل موقف تصرف مناسب له، فقد يكون السكوت مناسب احياناً حينما يكون لا داعي للكلام ويكون الكلام غير مفيد، ولكن يكون الكلام ضروري في مواقف مهمة كالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ونصرة الدين والدفاع عن المظلومين وغيرها من المواقف المهمة التي لابد من الكلام بها، وتبيان الحق وكشف الحقيقة، وان لا نندم فيما بعد بحجة استخدام اسلوب السكوت والصمت وخسران الامر ورفع المظلومية الى الرب يوم ينادي المنادي اين الساكتين على حقهم في الدنيا، بل يجب الجهر بالكلام انياً واظهار الحق والجهر بالكلام، كما يجب علينا قبل ان نتكلم بأي موضوع ان نزن كلامنا ونفكر فيه وفي عواقبه ولا نتسرع في الكلام ابداً فتلحقنا الندامة والحسرة بعد ذلك فكل كلمة محاسبين عليها، عند من لا يغادر صغيرة ولا كبيرة الا احصاها، وقد قال عزوجل في محكم كتابه الكريم: (مَّا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ).

 

قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


عبدالاله الشبيبي
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2018/12/14



كتابة تعليق لموضوع : ايهما افضل الكلام ام السكوت؟!...
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net