متى استبعدتم الناس وقد ولدتكم أمهاتكم أحرار؟ !
سيد صباح بهباني
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
سيد صباح بهباني

عن المرء لا تسأل وسل عن قرينه فكل قرين بالمقارن يقتدي
إلى هؤلاء الساكتين على الظلم وخصوصاً في الدول التي فيها ملوك وشيوخ نعم أن هؤلاء الملك يضنوا أنهم تملكوا الناس عبيد وأن الله جعلهم أحرار
بسم الله الرحمن الرحيم
قال رب العزة عن الظلم : (ولا تحسبن الله غافلا ًعما يعمل الظالمون،إنما يؤخرهم ليوم تشخص فيه الأبصار
إن الله لا يظلم مثقال ذرة
وما للظالمين من نصير
فويل للدين ظلموا من عذاب يوم أليم
عن رسول الله صلى الله عليه وآله وأصحابه وسلم:" بين الجنّة والعبد سبع عقاب (أي عقبات)، أهونها الموت، قال أنس: قلت: فما أصعبها ؟ قال: الوقوف بين يدي الله عزّوجلّ إذ تعلّق المظلومون بالظالمين "
عن رسول الله صلى الله عليه وآله وأصحابه وسلم: " من أعان ظالماً على ظلمه جاء يوم القيامة وعلى جبهته مكتوب آيسٌ من رحمة الله"
قال رسول الله صلى الله عليه وآله وأصحابه وسلم : ( إن الله ليملى للظالم حتى إذا أخذه لم يفلته ).
قال الإمام على ابن أبى طالب عن الظلم :يوم المظلوم على الظالم أشد وطأة من يوم الظالم على المظلوم
فإن الظلم عاقبته وخيمة، ولا يصدر إلاَ من النفوس اللئيمة، وآثاره متعدية خطيرة في الدنيا والآخرة؛ وإذا تفشى الظلم في مجتمع من المجتمعات كان سببا لنزع البركات، وتقليل الخيرات، وانتشار الأمراض والأوجاع والآفات.
والظلم قبيح من كل الناس ولكن قبحه اشد وعاقبته أضر إذا صدر من ولاة الأمر نحو رعاياهم، حيث يصعب رفعه عنهم وإزالته منهم، لما للحكام من السطوة والأعوان، ولأن من أهم حقوق الرعية على الرعاة دفع الظلم عنهم، وحماية الضعفاء من جور الأقوياء، ولهذا قال أبو بكر رضي الله عنه عندما ولي الخلافة: "الضعيف منكم قوي عندي حتى آخذ الحق له، والقوي منكم ضعيف عندي حتى آخذ الحق منه"، أو كما قال.
وظلم ولاة الأمر يُجَرِّئ اتباعهم وأعوانهم على الظلم ويدفعهم إليه دفعا لما لهم من المكانة والحظوة واستقلال النفوذ.
إذا كان رب البيت للدف ضارباً فشيمة أهل البيت كلهم الرقص
لقد انتبه بعض الحكام الكفار الذين هم ينتسبون للإسلام بالاسم لخطورة الظلم فخافوه وهابوه، لآثاره الظاهرة ومضاره الواضحة في الدنيا قبل الآخرة، من نزع البركات وقلب النعم نقمات، بمجرد إضمار السوء وإبطان المكر، قبل إعلانه والإفصاح عنه.
خلق الله تعالى الناس وهم أحرار في أرادتهم واختيارهم ؛ في الاعتقاد به والالتزام برسالته ، وجعلهم متساويين في حرية الإرادة والاختيار ، فالله تعالى منحهم العقول والغرائز ليتوصلوا من خلال الآيات والبينات إلى اتخاذ المنهج
الناس ـ في حدود ما شرعه الله تعالى ـ متساوون في الحرية ، فالإنسان خُلق حرّاً ، فلا عبودية إلا ّلله ولا استعباد من أحد لأحد ، قال تعالى : (مَا كَان َلِبَشَرٍأَن ْيُوَتِيَهُ الله الْكِتَاب َوَالْحُكْم َوَالنُّبُوَّة َثُمَّ يَقُول َلِلنَّاسِ كُونُوا عِبَادًا لِي مِنْ دُونِ اللَّهِ) سورة آل عمران : 3 | 79
فلا يحقّ للإنسان ـ وإن كان في قمة التمتع بالخصائص المعنوية والروحية ـ أن يستعبد غيره ، فالإنسان مولود ترافقه الحرية في جميع مراحل حياته ، وقد خلقه الله تعالى على هذه الشاكلة ، قال الإمام عليّ عليه السلام : «ولا تكن عبد غيرك وقد جعلك الله حرّاً» تحف العقول : 52
وقال عليه السلام : « أن آدم لم يلد عبداً ولا أمة ، وإنّ الناس كلهم أحرار»
روضة الكافي | ثقة الإسلام الكليني 8 : 69 | 26 ، دار صادر ، بيروت ، 1401هـ
فالناس أحرار في علاقات بعضهم ببعض ، وهم عبيد إلى الله وحده ، ومتساوون في هذه العبودية التي تستلزم نفي جميع الوان العبودية لغيره تعالى ، وان كان مقرباً إليه تعالى طبقاً لموازين ومعايير القرب منه سبحانه ، كأن يكون رسولاً منه إلى البشرية ، قال تعالى : (وَإِذْ قَالَ الله يَاعِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أأنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ قَالَ سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ ... مَا قُلْتُ لَهُمْ إِلأَ مَا أَمَرْتَنِي بِهِ أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ...) سورة المائدة : 5 | 116 و 117
وقد أمر الله تعالى الناس أن يعبدوه وحده ، كما هو ظاهر الآيات الشريفة التالية : (وَمَا أُمِرُوا إِلأَ لِيَعْبُدُوا إِلَهًا وَاحِدًا لأ إِلَهَ إِلأَ هُوَ) سورة التوبة : 9 | 31
(وَمَا أُمِرُوا إِلأَ لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ...)
سورة الأعراف : 7 | 59
(اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ) سورة البينة : 98 | 5
فهم متساوون في العبودية لله تعالى التي تستلزم نفي عبادة غيره من عبادة للهوى أو الأنا أو عبادة الأصنام البشرية ، أو عبادة أصحاب المؤهلات الكبيرة كالأنبياء وأوصيائهم والرهبان والقساوسة أو عبادة الأبطال الذين لهم دور في حركة التاريخ الإنساني ومع وضوح هذا الأمر في العقيدة الإسلامية ، إلاّ أنّ أبا بكر خطب بالمسلمين بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وآله قائلاً : «أيها الناس من كان يعبد محمّداً فإنّ محمّداً قد مات»؟ وهذا القول مرفوض في مدرسة أهل البيت عليهم السلام لأنه من الغلو المفرط ، ولم يسبقه إليه سابق ولم يقل به أحد بعده ، سوى الغلاة .
وعبّر القرآن الكريم عن جميع الشخصيات النموذجية بالعبيد مساواة لغيرهم من بني الانسان في العبودية لله ، ونفى العبودية لغيره تعالى ، وفي القرآن الكريم آيات كثيرة بهذا المعنى ، كقوله تعالى : (لَنْ يَسْتَنْكِفَ الْمَسِيحُ أَنْ يَكُونَ عَبْدًا لِلَّهِ )
سورة النساء : 4 | 172
(ذُرِّيَّةَ مَنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ إِنَّهُ كَانَ عَبْدًا شَكُورًا) سورة الإسراء : 17 | 3
(وَاذْكُرْ عَبْدَنَا أَيُّوب...) سورة ص : 38 | 41 وَاذْكُرْ عَبْدَنَا دَاوُدَ ذَا
الأَيْد...) سورة ص : 38 | 17
(وَإِن كُنتُمْ فِي رَيْبٍ مِّمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فآتوا بِسُورَةٍ مِّن مِّثْلِهِ...) سورة البقرة : 2 | 23
والمساواة في الحرية تستلزم تحرير الإنسان من جميع الأغلال والقيود التي ما أنزل الله بها من سلطان ، وبهذه المساواة يتخلّص من أغلال التحجر العقلي والتقليد الجامد ، والتبعية اللاواعية للغير ، ويتربّى على حرية التفكير واستقلال الإرادة
رابعاً ـ المساواة في التكريم:
الإنسان مخلوق مكرّم من قبل الله تعالى ، وقد أكّد القرآن الكريم هذا التكريم في جهات عديدة ، فهو مكرّم في خلقه ، قال تعالى : (لَقَدْ خَلَقْنَا الإِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ) سورة التين : 95 | 4
مكرّم بالتمتع بما سخّره الله له ، لا فرق بين إنسان وآخر ، قال تعالى:
سورة البقرة : 2 | 29 (هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعًا)
، (وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ جَمِيعًا) سورة الجاثية : 45 | 13
فللناس جميعاً لا فرق بين أسودهم وأبيضهم حقّ الاستثمار والتعمير والاستفادة من الإمكانيات المسخرة لهم لإدامة الحياة وإدامة الحركة التاريخية ، فالتكريم في هذا المجال شامل للجميع لا فرق بينهم ، فالناس مكرمون جميعاً من
(إن الذين توفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم قالوا فيم كنتم قالوا كنا مستضعفين في الأرض قالوا ألم تكن أرض الله واسعة فتهاجروا فيها فأولئك مأواهم جهنم وساءت مصيرا (97
الله تعالى ، فليس هنالك قيمة تعلو على قيمة الإنسان أو تهدر من أجلها قيمته.
وأما التكريم الموضوع على أسس وقواعد صالحة ، كالأيمان ، كما في قوله تعالى : (وَلَعَبْدٌ مُوَمِنٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكٍ )
سورة البقرة : 2 | 221
والتقوى ، كما في قوله تعالى : (إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ) سورة الحجرات : 49 | 13
، والعلم ، كما في قوله تعالى : (قُلْ هَلْ يَسْتَوِى الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لأ يَعْلَمُونَ) سورة الزمر : 39 | 9
، فإنّ هذا التكريم لا ينافي المساواة في التكريم العام للناس جميعاً وبأمور شتى بها تميّز إنسانيتهم وتقوّم حياتهم ، وإن كان في هذا التكريم الخاص تفاضل واضح ، فهو إنما لتحفيز الإنسان على ما به كماله واحترام إنسانيته.
خامساً ـ المساواة في التكليف والجزاء:
الناس جميعاً متساوون في التكليف الإلهي في الحياة الدنيا ، ومتساوون في الجزاء من ثواب وعقاب في الدار الآخرة ، دون تمييز وتفريق أو ترجيح ، فالجميع مكلفون بالأيمان بالله والأيمان باليوم الآخر ، بعدما تبرز لهم البينات ، وتتضح لهم البراهين ، بأنهم حادثون ومخلوقون للمطلق العليم ، وقد جعلهم الله تعالى متساوين في الاطلاع على البينات والبراهين والادلة ، فهو يخاطب فطرتهم وعقولهم ليحرك دفائنها ، ويثير كامن النفس للاستسلام للحقائق التي توصل إلى معرفته تعالى ، قال تعالى : (أَمَّـنْ يَبْدَؤاْ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَمَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ) سورة النمل : 27 | 64 ، وقال تعالى : (وَتِلْكَ الأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ
يَتَفَكَّرُونَ) سورة الحشر : 59 | 21
ولم يكلّف الله تعالى الناس حتى بعث النبيين والمرسلين ، قال تعالى : (وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً) سورة الإسراء : 17|15
ـ والتعذيب فرع التكليف ـ وكان آخر هم نبينا محمّد صلى الله عليه وآله الذي بعث إلى الناس جميعاً لإرشادهم وإلقاء الحجّة عليهم في الهداية ، فهو لم يبعث لقوم دون قوم ، ولا للون دون لون ، وإنما للناس على مختلف ألوانهم وأجناسهم ، كما ورد في الآيات الكريمة : (قُلْ يَاأَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا) سورة الأعراف : 7 | 158
(وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلأَ كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا) سورة سبأ : 34 | 28
(قُلْ يَا أيُّهَا النَّاسُ إِنَّمَا أَنَا لَكُمْ نَذِيرٌ مُبِينٌ) سورة الحج : 22 | 49
وبدأ رسول الله صلى الله عليه وآله بتبليغ الرسالة الإلهية إلى الناس جميعاً ؛ إلى العرب والعجم وإلى الوثنيين وأهل الكتاب بلا فرق ولا تمييز.
والناس متساوون في التكليف حسب الطاقة الإنسانية المحدودة ، قال تعالى : (لأ يُكَلِّفُ الله نَفْسًا إِلأَ وُسْعَها )
سورة البقرة : 2 | 286
وقال تعالى : (مَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ) سورة الحج : 22 | 78
وقال تعالى : (يُرِيدُ الله بِكُمُ الْيُسْرَ وَلأ يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ) سورة البقرة : 2 | 185 )
فالناس متساوون في التكليف في الأصول والفروع ، فهم مكلفون بالعقيدة والشريعة على حدٍّ سواء ، وقد جعل الله تعالى هذه الحياة قنطرة للحياة الأخرى التي يتساوى الناس فيها في محكمة العدل الإلهي فلا يظلم أحد قط ، وكلّ منهم يجد ما عمله أمامه ، وقد خاطب القرآن الكريم الناس جميعاً بذلك : (يَاأَيُّهَا الإِنْسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحًا فَمُلأقِيهِ) سورة الانشقاق : 84 | 6
والله تعالى جامع الناس بلا تمييز لليوم الآخر : (رَبَّنَا إِنَّكَ جَامِعُ النَّاسِ لِيَوْمٍ لأ رَيْبَ فِيهِ إِنَّ اللَّهَ لأ يُخْلِفُ الْمِيعَادَ) سورة آل عمران : 3 | 9
(وَلِتُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ) سورة الجاثية : 45 | 22
(لِيَجْزِيَ الَّذِينَ أَسَاءُوا بِمَا عَمِلُوا وَيَجْزِيَ الَّذِينَ أَحْسَنُوا بِالْحُسْنَى)
سورة النجم : 53 | 31
فهم متساوون في ذلك اليوم بلا تمييز لعنصر على عنصر أو جماعة على جماعة ، فالجنة مثوى المؤمنين الصالحين ، والنار مثوى الكافرين والطالحين وان انتسبوا إلى الأنبياء بأن كانوا أبناءهم أو بناتهم أو نساءهم ، أو ينتمون إلى لغتهم أو قوميتهم أو عنصرهم.
سادساً ـ المساواة في الإرادة والاختيار :
خلق الله تعالى الناس وهم أحرار في أرادتهم واختيارهم ؛ في الاعتقاد به والالتزام برسالته ، وجعلهم متساويين في حرية الإرادة والاختيار ، فالله تعالى منحهم العقول والغرائز ليتوصلوا من خلال الآيات والبينات إلى اتخاذ المنهج
الإلهي في الحياة ، في عقولهم ونفوسهم ومواقفهم ، وبعد إلقاء الحجّة عليهم ، ترك سبحانه لهم حرية اختيار ما يرونه بلا إكراه ، قال تعالى : (إِنَّا خَلَقْنَا الإِنْسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعًا بَصِيرًا * إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا) سورة الإنسان : 76 | 2 و 3
سورة البلد : 90 | 10 والناس متساوون في هدايتهم لنجد الخير ونجد الشر ، قال تعالى : (وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ )
وهم أحرار في اختيار الهدى أو الضلال ، قال تعالى : (قُلْ يَاأَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَكُمُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا وَمَا أَنَا عَلَيْكُمْ بِوَكِيلٍ) سورة يونس : 10 | 108
والناس متساوون في اصلاح نفوسهم وعدم اصلاحها ، فقد ألهَمَ الله تعالى كل نفس عناصر الفجور والتقوى ، ثم رسم لها طريق الصلاح والطلاح ، والأمر عائد للإنسان نفسه : (وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا * فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا * قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا * وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا) سورة الشمس : 91 | 7 ـ 10
سابعاً ـ المساواة أمام السنن الإلهية:
في هذه الحياة سننٌ إلهية ثابتة لا تتبدّل ولا تتغيّر ولا تختلف ، والناس متساوون أمامها دون فرق أو تمييز ، فالله تعالى لا يغيّر ما بهم حتى يغيّروا ما بأنفسهم : (إِنَّ اللَّهَ لأ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ) الرعد/11 .
ومن السنن الثابتة التي يتساوي أمامها الناس جميعاً ، هي التمتع ببركات الله في حالتي الإيمان والتقوى ، والحرمان منها في صورة التكذيب بآيات الله سبحانه ، قال تعالى : (وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ) سورة الأعراف : 7 | 96)
وانّ الله تعالى يبتلي دون تمييز أمة عن أمة وقوم عن قوم ولون عن لون ، لكي يعودوا إلى الإيمان به والاستقامة على منهجه ، قال الإمام عليّ عليه السلام : «إنّ الله يبتلي عباده عند الأعمال السيئة بنقص الثمرات وحبس البركات واغلاق خزائن الخيرات ليتوب تائب ويقلع مقلع ويتذكّر متذكّر ويزدجر مزدجر» شرح نهج البلاغة 9 : 76 | الخطبة (143 ).
والناس متساوون في العقوبة الإلهية إن غيّروا حركة التاريخ المتوجهة نحو الكمال والسمو ، قال تعالى : (إِنَّا مُنْزِلُونَ عَلَى أَهْلِ هَذِهِ الْقَرْيَةِ رِجْزًا مِنَ السَّمَاءِ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ) سورة العنكبوت : 29 | 34)
عن المرء لا تسأل وسل عن قرينه فكل قرين بالمقارن يقتدي
فإن كانت الصحبة عن ضرورة وتقية فقد مضى القول فيها في " آل عمران " و " المائدة " . وصحبة الظالم على التقية مستثناة من النهي بحال الاضطرار . والله أعلم.
الرابعة : قوله تعالى : فتمسكم النار أي تحرقكم بمخالطتهم ومصاحبتهم وممالأتهم على إعراضهم وموافقتهم في أمورهم.
قوله تعالى : ( إن الذين توفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم ) الآية ، نزلت في ناس من أهل مكة تكلموا با......لإسلام ولم يهاجروا ، منهم : قيس بن الفاكه بن المغيرة وقيس بن الوليد بن المغيرة وأشباههما ، فلما خرج المشركون إلى بدر خرجوا معهم فقتلوا مع الكفار ، فقال الله تعالى : ( إن الذين توفاهم الملائكة ) أراد به ملك الموت وأعوانه ، أو أراد ملك الموت وحده ، كما قال تعالى : " قل يتوفاكم ملك الموت الذي وكل بكم " ( السجدة - 11 ) ، والعرب قد تخاطب الواحد بلفظ الجمع ( ظالمي أنفسهم ) بالشرك ، وهو نصب على الحال أي : في حال ظلمهم ، قيل : أي بالمقام في دار الشرك لأن الله تعالى لم يقبل الإسلام بعد هجرة النبي صلى الله عليه وآله وأصحابه وسلم إلا بالهجرة ، ثم نسخ ذلك بعد فتح مكة فقال النبي صلى الله عليه وآله وأصحابه وسلم : " لا هجرة بعد الفتح " ، وهؤلاء قتلوا يوم بدر وضربت الملائكة وجوههم وأدبارهم ، وقالوا لهم : فيم كنتم؟ فذلك قوله تعالى : ( قالوا فيم كنتم ) أي : في ماذا كنتم؟ أو في أي الفريقين كنتم؟ أفي المسلمين؟ [ ص: 273 ] أم في المشركين؟ سؤال توبيخ وتعيير فاعتذروا بالضعف عن مقاومة أهل الشرك ، و ( قالوا كنا مستضعفين ) عاجزين ، ( في الأرض ) يعني أرض مكة ( قالوا ) يعني : الملائكة ( ألم تكن أرض الله واسعة فتهاجروا فيها ) يعني : إلى المدينة وتخرجوا من مكة ، من بين أهل الشرك؟ فأكذبهم الله تعالى وأعلمنا بكذبهم ، وقال : ( فأولئك مأواهم ) منزلهم جهنم وساءت مصيرا ) أي : بئس المصير إلى جهنم)
قوله تعالى : ولا تركنوا إلى الذين ظلموا فتمسكم النار وما لكم من دون الله من أولياء ثم لا تنصرون فيه أربع مسائل : الأولى : قوله تعالى : ولا تركنوا الركون حقيقة الاستناد والاعتماد والسكون إلى الشيء والرضا به ، قال قتادة : معناه لا تودوهم ولا تطيعوهم . ابن جريج : لا تميلوا إليهم . أبو العالية : لا ترضوا أعمالهم ; وكله متقارب . وقال ابن زيد : الركون هنا الإدهان وذلك ألا ينكر عليهم كفرهم.
الثانية : ...قرأ الجمهور : تركنوا بفتح الكاف ; قال أبو عمرو : هي لغة أهل الحجاز . وقرأ طلحة بن مصرف وقتادة وغيرهما : " تركنوا " بضم الكاف ; قال الفراء : وهي لغة تميم وقيس . وجوز قوم ركن يركن مثل منع يمنع.
الثالثة : قوله تعالى : إلى الذين ظلموا قيل : أهل الشرك . وقيل : عامة فيهم وفي العصاة ، على نحو قوله تعالى : وإذا رأيت الذين يخوضون في آياتنا الآية . وقد تقدم . وهذا هو الصحيح في معنى الآية ; وأنها دالة على هجران أهل الكفر والمعاصي من أهل البدع وغيرهم ; فإن صحبتهم كفر أو معصية ; إذ الصحبة لا تكون إلا عن مودة ; وقد قال حكيم:
متى استعبدتم الناس وقد ولدتكم أمهاتكم أحرار
كل الشعوب تحررت وتملك القرار برجالها ونسائها عدا هنا
وقال كعب الأحبار لعمر بن الخطاب رضي الله عنهما: "ويل لسلطان الأرض من سلطان السماء"، فقال عمر: "إلا من حاسب نفسه"؛ فقال كعب: "والذي نفسي بيده إنها لكذلك: إلاَ من حاسب نفسه ، ما بينهما حرف"، يعني في التوراة.
ومن الأمثال السائدة في السلطان: إذا رغب الملك عن العدل رغبت الرعية عن الطاعة؛ لا صلاح للخاصة مع فساد العامة؛ لا نظام للدهماء مع دولة الغوغاء؛ الملك يبقى على الكفر ولا يبقى على الظلم.
وقال مجاهد: المعلم إذا لم يعدل بين الصبيان كتب من الظلمة.
والله أسأل أن يجنبنا وجميع المسلمين والمتعايشين معنا الظلم، وأن يوفقنا للعدل والإنصاف، في الشدة والرخاء، والرضا والغضب، وأن يصلح الرعاة والرعية، وأن يؤمن المسلمين والمتعايشين معا في أوطانهم، وأن لا يسلط عليهم عدواً من غير أنفسهم، وأن يقيهم شر أنفسهم وقال الإمام علي أبن أبي طالب كرم الله وجهه وسلامه عليه في التحذير من الظلم:
أمــــا والله إن الظـــــــلم شـــــــــــــؤمٌ . . . ولا زال المــــســـيء هو الظلـــــــــومُ
إلــــى الديــــــان يوم الديـــــن نمضــي. . . وعنـــــد الله تجـــــتمع الخـــــصـــــومُ
ســـتعلم فــــي الحســــاب إذا التــقينـــا. . . غــدا عنـــد المليــــك – من الملــــوم؟
ســــتنقطــــع اللذاذة عـــــن أنـــــــاس. . . مــــــن الدنيــــــا وتنقطـــــع الهمـــوم
لأمــــــر مـــا تصـــــرّمت الليـــالـــــــي. . . لأمـــــر مــا تحركـــــــت النـــــجـــــوم
ســـــــل الأيــــــــام عــن أمم تقضـــــتْ. . . ســتنبــــيك المعــــــالم والرســـــــــومُ
تــــروم الخـــــــلد فـــــي دار الدنــــايـا. . . فكـــــــم قــــد رام غيـــرك مـــــا ترومُ
تـــــــنام ولـــــم تـــنم عنـــك المنـــايـــا. . . تـــنــبه للمنـــــــية يــــــــا نـــــــــؤوم
لـــــهوت عــــــن الفنــــــاء وأنت تفنى. . . فــــــما شــــيءٌ من الدنيـــــــا يــــدوم
تـــــموت غــــــدا وأنــــت قرير عيــــن. . . مـــن الشـــــهوات فـــي لُجج تعــــــوم
قال تعالى: ﴿وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا الْقُرُونَ مِن قَبْلِكُمْ لَمَّا ظَلَمُوا﴾
قال تعالى: ﴿فَتِلْكَ بُيُوتُهُمْ خَاوِيَةً بِمَا ظَلَمُوا﴾
الظلم في كلمات الإمام أمير المؤمنين علي بن أبى طالب عليه السلام
من كلامٍ لأمير المؤمنين عليه السلام: "والله لأن أبيت على حسك السعدان مسّهدا أو أُجرّ في الأغلال مصفّدا، أحبّ إليّ من أن ألقى الله ورسوله يوم القيامة ظالماً لبعض العباد، وغاصباً لشيء من الحطام، وكيف أظلم أحداً لنفس يُسرع الى البلى قفولها، ويطول في الثرى حلولها "
وعنه عليه السلام: " من ظلم عباد الله كان الله خصمه دون عباده"
مَن سَل سيف البغى قُتل بة **لا تظلمن ما كنت مقتدر ** فالظلم مرتعهم يفضي إلى الندم ** تنام عينك والمظلوم منتبة ** يدعو عليك وعين الله لم تنم
قال رب العزة عن الظلم : (ولا تحسبن الله غافلا ًعما يعمل الظالمون،إنما يؤخرهم ليوم تشخص فيه الأبصار
إن الله لا يظلم مثقال ذرة
وما للظالمين من نصير
فويل للدين ظلموا من عذاب يوم أليم
وأعتدنا للظالمين عدابا ً أليما
وسيعلم الذين ظلموا أى منقلب ينقلبون
ألا لعنة الله على الظالمين
ما للظالمين من حميم ولا شفيع يطاع
ومن يظلم منكم نذقة عذابا ً أليما
قال رسول الله صلى الله عليه وآله وأصحابه وسلم : ( إن الله ليملى للظالم حتى إذا أخذه لم يفلته ).
(ا ن الناس إذا رأوا الظالم فلم يأخذوا على يديه ( اى لم يمنعوه ) أوشك الله أن يعمهم بعقاب منه)
(أشد الناس عذابا يوم القيامة مَن أشركه الله فى سلطانه فجار فى حُكمه )
(إتق دعوة المظلوم فإنها ليس بينها وبين الله حجاب)
إن النبيَّ صلى الله عليه وآله وأصحابه وسلم والإمامَ علياً عليه السلام يقسمان الظلمَ إلى ثلاثةِ أقسامٍ أو أنواعٍ، فالأولُ هو الظلمُ الذي لا يَغفرُهُ اللهُ عز وجل وهو الشركُ بالله العظيم ، يقول تعالى عن لسان لقمان ضمن نصِّ موعظتِهِ لإبنه ( يَا بُنَيَّ لا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ ).
عباد الله : إنّ الشركَ بالله عزّ وجل يقع في مقاماتٍ عديدةٍ ، فالشركُ يكون في مقامِ الذاتِ الإلهيةِ بأن يعتقدَ العبدُ بتعدد الذاتِ الإلهية (أي يعتقد بأن لهذا الكونِ أكثرَ من إله) ، ويكون – الشرك - في الصفات باعتقاد أن لله عزّ وجل صفاتٌ زائدةٌ على ذاته ، يقول الإمامُ أميرُ المؤمنين عليه السلام : ( وكمالُ الإخلاصِ له نفيُ الصفاتِ عنه ، لشهادةِ كلِّ صفةٍ أنها غيرُ الموصوف وشهادةِ كلِّ موصوفٍ أنه غيرُ الصفة ، فمن وصفَ اللهَ سبحانه فقد قرنه ...الخ ) ، ويكون في الأفعالِ ، باعتقاد وجودِ فاعلٍ آخر مع الله له الاستقلالية في التأثير في الكونِ وفي الأمورِ والأفعالِ ، ويكون في الطاعةِ ، باعتقاد أن هناك من تجب طاعتُهُ مع الله كطاعتِهِ سبحانه ممن لم يأمر اللهُ عزّ وجل بطاعته وامتثالِ أمرِهِ ، ويكون في مقامِ العبادة ، باعتقادِ أنَّ هناك من تجب عبادتُهُ مع الله عزّ وجل ، فمن يعتقد بوجودِ إلهٍ أو آلهةٍ مع الله ، أو من يعتقد بأنَّ صفاتَ اللهِ عزّ وجل زائدةٌ على ذاته ، أو من يعتقد أن الموتَ والحياةَ والرزقَ وغيرها من الأفعال المختصةِ بالله عزّ وجل صادرةٌ عن غيرِهِ سبحانه وبدون إذنه ، أو من يعتقد أنَّ هناك أحداً تجب طاعتُهُ كطاعةِ اللهِ عزّ وجل ممن لم يأمر اللهُ عزّ وجل بطاعته وأنه شريكٌ مع الله في الطاعة ، أو من يعتقد أن هناك من تجب عبادتُهُ غيرَ الله فإن مثل هذا الشخص مشركٌ بالله عزّ وجل فيكون ظالماً ، لأنه أشرك به سبحانه فوضعَ الشركَ مكان التوحيد.
والنوع الثاني من أنواعِ الظلمِ هو ظلمُ العبدِ لنفسِهِ ، بارتكابه المعاصي والذنوب الصغيرة منها والكبيرة ، وهذا النوعُ من الظلم قابلٌ للغفران شريطة أن لا تكون الكبيرةُ كفراً أو شركاً بالله عزّ وجل ، لأن الله عزّ وجل لا يغفرُ لمشركٍ شركَه ولا لكافرٍ كفرَه ما لم يتب منهما في الحياة الدنيا ويؤمن بالله تعالى ويوحده.
والنوعُ الثالثُ من أنواعِ الظلمِ هو ظلمُ العباد ، وهو الاعتداءُ على الغير مادياً ومعنوياً ، كبخس الناس حقوقهم والاعتداءِ عليهم بالسبِّ أو الاغتيابِ أو البهتانِ أو الضربِ أو القتلِ أو مصادرةِ أموالِهم أو انتهاكِ أعراضهم وما شابه ذلك من الظلامات القولية والفعلية.
وقد حذرت الشريعةُ الإسلاميةُ من ظلمِ الآخرين قولاً وفعلاً وزجرت عنه أشدَّ الزجز ، فيجب على الإنسانِ الابتعادُ عنه مهما استطاع ، لأن آثارَهُ في العوالمِ الثلاثةِ ( عالمِ الدنيا وعالمِ البرزخ وعالمِ الآخرة ) خطيرةٌ وعظيمةٌ ، قال الله تعالى : ﴿ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ ﴾ وقال : ﴿ وَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَيُوَفِّيهِمْ أُجُورَهُمْ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ ﴾ ، وقال عزّ من قائل : ﴿ وَإِنَّ الظَّالِمِينَ لَفِي شِقَاقٍ بَعِيدٍ ﴾ وقال : ﴿ إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ ﴾ وقال الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام : ( الظلمُ في الدنيا بوارٌ وفي الآخرةِ دمارٌ )
فمن آثارِ الظلمِ الوضعيةِ وأنواعِ العقابِ الإلهي التي يتعرض لها الظالمُ في هذه الحياةِ الدنيا ، أن الظلمَ سببٌ في زوال النعمِ عن العبد ، يقول الإمام أمير المؤمنين عليه السلام : ( بالظلمِ تزول النعمُ ) ، وأنه سبب في قصرِ عمرِ العبد يقول أميرُ المؤمنين عليه السلام : ( من جارَ قُصِمَ عُمُرُهُ ) ، إضافة إلى الكثيرِ من المصائبِ والمضايق التي يصيب الله عز وجل الظالمَ بها في هذه الحياة كعقابٍ له على ظلمه ..وأسألك اللهم معتق الرقاب ورب الأرباب ومنشئ السحاب ومنزل القطر من السماء إلى الأرض بعد موتها , فالق الحب والنوى ومخرج النبات وجامع الشتات صل على محمد وآل محمد واسقنا غيثا مغيثا مغدقا هنيئا مريئا , تنبت به الزرع وتدر به الضرع وتحيي به مما خلقت أنعاما و أناسي كثيرا ... ولا تنسوا عباد الله أن الله يأمر كما قال :
﴿ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْأِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ ﴾ اذكروا الله فإنه ذكر لمن ذكره , وسلوه رحمته وفضله فإنه لا يخيب من دعاه ولا يقطع رجاء من رجاه . وأريد أن أوضح لبعض الأخوات السعوديات اللواتي يراسلني حول السب الذي أمر به معاوية لسيدنا علي ؟ فأجيبهم نعم هو فعل على ما يذكره التاريخ ولم أكن هنا ولكن الرواة من الطريفين يذكرون ذلك وهذا نص من قاله الرواة والمحدثين:
والحديث عن بغي معاوية وخروجه على الخليفة الحق يجرنا للحديث عن الأمر الثالث – أي دعوى أن معاوية كان يقتل من يمتنع عن سب علي بن أبي طالب - والذي استنكره بقوله:
نقول : قبل الحديث عن قتل الممتنع عن سب علي والبراءة منه ، هل يقر بأن معاوية كان يسب عليا ؟ أوليس سب علي من أكبر الظلم ؟! ألم تعتبره أم سلمة (رض) سباً لرسول الله (صلى الله عليه وآله وأصحابه وسلم ) ؟! حينما قالت لأبي عبدالله الجدلي : أيسب رسول الله (صلى الله عليه وآله وأصحابه وسلم) فيكم ؟ فقلت : معاذ الله او سبحان الله أو كلمة نحوها ، فقالت : سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله وأصحابه وسلم ) يقول : " من سب عليا فقد سبني".
قال الحاكم : " هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه " ، وقال الذهبي في التلخيص : " صحيح " (1
المستدرك على الصحيحين ج3 ص 130 ، وقد بحثنا حول صحة الحديث بصورة مفصلة في الجزء الأول من النفيس ص 157
خالفنا عليا لفضل منا عليه ، لا والله إن هي إلا الدنيا نتكالب عليها ، وأيم الله لتقطعن لي قطعة من دنياك أو لأنابذنك ؟ فقال : فأعطاه مصر ، يعطي أهلها عطاءهم وأرزاقهم ، وما بقي فله " (1
ولكن الهالكين بهلكة معاوية أكثر وأكثر !! فإنا لله وإنا إليه راجعون.
والفهم الفطري للخبر والحدث فهم عبدالله بن عمرو ، فقد روى الحاكم عن أبي بكر بن محمد بن عمر بن حزم عن أبيه قال:
" لما قتل عمار بن ياسر (رض) دخل عمرو بن حزم على عمرو بن العاص ، فقال : قتل عمار وقد قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وأصحابه وسلم ) : تقتله الفئة الباغية ، فقام عمرو فزعا حتى دخل على معاوية فقال له معاوية : ما شأنك ؟ قال : قتل عمار ، فقال معاوية : قتل عمار فماذا ؟ فقال عمرو : سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله وأصحابه وسلم) يقول : تقتله الفئة الباغية ، فقال له معاوية : دحضت في بولك أو نحن قتلناه ؟ إنما قتله علي وأصحابه الذين ألقوه بين رماحنا أو قال بين سيوفنا ".
قال الحاكم : " هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه بهذه السياقة " ، وقال الذهبي : " على شرط البخاري ومسلم " (2).
كما يظهر الفهم الصحيح من ندم ابن عمر على أنه لم يقاتل مع الإمام علي (ع) ضد معاوية كما ذكر الهيثمي : " قال ابن عمر لم أجدني آسى على شيء إلا
(1) تاريخ دمشق ج46 ص 166- 167 ، ورواه الذهبي في ( سير أعلام النبلاء ) ج3 ص 72
(2) المستدرك على الصحيحين ج2 ص168 ، وذكره الذهبي في ( سير أعلام النبلاء ) ج1 ص 420 ، قال محقق الكتاب : إسناده صحيح ، وذكر مصادر أخرى للخبر وقال بعدها : وهذه مغالطة من معاوية غفر الله له وقد رد عليه علي (رض) بأن محمدا (صلى الله عليه وآله وأصحابه وسلم ) إذا قتل حمزة حين أخرجه ، وقال ابن دحية : هذا من علي إلزام مفحم لا جواب عنه وحجة لا اعتراض عليها.
- ج 2 ص 324 -
أني لم أقاتل الفئة الباغية مع علي ، رواه الطبراني بأسانيد وأحد رجاله رجال الصحيح " (1
انظر أخي القارئ إلى هذا الكاتب الذي يستنكر أن يقال لمعاوية ظالم في حين أن المناوي ينقل عن الإمام الجرجاني إجماع الأمة على وصفه بهذه الصفة : " وقال الإمام عبد القاهر الجرجاني في كتاب ( الإمامة ) : أجمع فقهاء الحجاز والعراق من فريق الحديث والرأي منهم مالك والشافعي وأبو حنيفة والأوزاعي والجمهور الأعظم من المتكلمين والمسلمين أن عليا مصيب في قتاله لأهل صفين كما هو مصيب في أهل الجمل ، وأن الذين قاتلوه بغاة ظالمون له " (2
وهناك أمر آخر يجب ان يناقش وأهمل وهو أن رسول الله (صلى الله عليه وآله وأصحابه وسلم ) حدد موقف المسلمين من معاوية وأنه يجب قتله ، فقد نقلنا ما رواه مسلم عن عبدالله بن عمرو : " فإن جاء آخر ينازعه فاضربوا عنق الآخر " (3) بالإضافة إلى الخبر الآخر الذي نقله عن أبي سعيد الخدري قال : قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وأصحابه وسلم ) : " إذا بويع لخليفتين ، فاقتلوا الآخر منهما " (4)
أو ليست هذه نصوص صريحة في الأمر بقتل معاوية وأنه مستباح الدم ؟
نعم ، المانع هي الحصانة التي يجب أن تكون لمعاوية ستر أصحاب محمد (صلى الله عليه وآله وأصحابه وسلم ) حماية لما وراء الستر.
والحديث عن بغي معاوية وخروجه على الخليفة الحق يجرنا للحديث عن الأمر الثالث – أي دعوى أن معاوية كان يقتل من يمتنع عن سب علي بن أبي طالب - والذي استنكره بقوله:
(1) مجمع الزوائد ج7 ص242
(2) فيض القدير ج6 ص 449
(3) صحيح مسلم ج3 ص 1472 - 1473
(4) المصدر السابق ج 3ص1480
- ج 2 ص 325 -
" كذب محض يعجز ... ... كل شيعي على وجه الأرض ... أن يأتي بمثال واحد على هذا الكذب"
وبعد أن عرفنا أن الظلم حرام وضياع للحق والوقت يجب علينا أن نضع الأيد مع بعض ونتآخى ونتعاون لبناء الأوطان ونترك كل خلاف ونعود لطاولة التفاهم والاتحاد هو مصدر كل خير وقوة ورخاء والله الله بالعلم والعم والتآخي وزرع روح الحب والبهجة في الصفوف وبمناسبة قرب السنة الميلادية لأخوة المسيحيين أتقدم للجميع ولهم ولنا سنة حب واحترام وتعاون وإخاء ولا تنسوا المحتاجين والضعفاء والأيتام والأرامل والله خير حافظ وهو ارحم الراحمين .
أخوكم المحب المربي
السيد صباح بهبهاني
behbahani@t-online.de
behbahaniseyedsabah@ymail.de
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat