صفحة الكاتب : د . عبد الحسين العطواني

ديمقراطية العراق .. وتشكيل الحكومة
د . عبد الحسين العطواني

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

لقد تبنى العراق بعد 2003 خلال التحاقه بالديمقراطية نوع من التوافق السياسي الذي هيمن على معظم تشكيلاته المؤسساتية وهو ما لم يكن معهودا في الديمقراطيات ويتنافر مع قواعد العمل في الأنظمة التعددية إذ تبقى المقولات المتطرفة من الميزات التي تنتجها بعض الأصوليات الدينية أو المذهبيات التي تعيش على ضفاف النظام السياسي , فالديمقراطية العراقية كإطار يحكم العلاقات السياسية بين الشرائح والفئات كانت دائما في موقع المتلقي لما تنتجه التوازنات بين الطوائف , إما الصبغة الطائفية التي يتم التفاعل معها وتقف في خلفية المشهد السياسي فهي المبادر والثابت في الواقع الداخلي , إذ تتغير كل التعاقدات السياسية بحسب التحولات والتوازنات التي تطرأ على المعطيات الطائفية من حين لأخر . 
فالدولة مازالت مفهوما حديثا تحتاج إلى عملية تجديد وحماية دائمين , وقد افتقدت إلى العصبيات الوطنية كشرط من الشروط التي تحدث عنها ( ابن خلدون ) لمرحلة بناية الدولة , بل شهدت هذه المرحلة , بالقدر الذي كانت الدولة تبنى على أساس تحرري تكون بفعل الخلاص من الاستعمار , تراجعا لعصبية وطنية تتعلق بمفهوم الدولة في مقابل العصبيات التي تمت على خلفية قبلية ومذهبية أو دينية , وشكلت الدول على هذه القاعدة بعد مرحلة الاستقلال , وفي أحسن الأحوال سخرت العصبيات الوطنية والقومية لصالح الأحزاب والتيارات التي حولت مفهوم الدولة إلى هيئة سياسية لإدارة العلاقة , تتصاعد أو تتراجع وفقا لمواقف مرجعياتها من حيث التأييد أو التنديد .
لذلك لم تنجح التجربة السياسية في العراق في صنع أنموذج أو مشروع تنموي بدرجة مقبول على أقل تقدير , لا مرموق كالنموذج السنغافوري , أو الماليزي الذي بدأ اقرب للدول الإسلامية إلى بناء أنموذج عصري ومتميز , وهكذا فان الشعب العراقي لم يذق تطبيقيا طعم الحكم الديمقراطي , ولم يعش تجربة حقيقة ومتكاملة لتلمس حلوله ومشكلاته , بل كون أفكاره ومواقفه مما تحشوه رغبات الأحزاب والكتل السياسية , ومما تستدعيه أجندتها , ولهذا بقي هذا الشعب مترسيا في قاع التغيير وهو يعاني حالة من انعدام الجاذبية الإيديولوجية الحضارية لتوجيه مجهوداته نحو بناء الذات وتكوين الطاقات الإستراتيجية لصناعة مشروع نهضته .
فأي حراك أو تظاهر جماهيري ينشأ ويتحدث عن مطالب آيا كان نوعها : إنشاء مشاريع خدمية , أو ضد المحاصصة الطائفية , أو تحرر من بعض الوصايا الإقليمية , أو مكافحة الفساد المستشري في الأجهزة الحكومية , غالبا ما توضع هذه المطالبات في خانة المدسوسين , ويتهم أنصارها بالمتآمرين , وبالتالي تتغلب أنظمة الأحزاب على تطلعات الشعب , ثم يتغلب الإطار على المحتوى , على الرغم من أن التغير السياسي في العراق نشأ مفعما بروح الديمقراطية والتحرر , إلا أنها انتهت في كنف الأحزاب الحاكمة . فما هو مستوى التطور الذي طرأ على العملية السياسية , سوى تشريع القوانين التي تؤمن المكاسب المادية للمسؤولين , وتعطيل القوانين التي تمس حياة المواطنين , واستغلال المواقع الرئيسة وتسخيرها لمصالح المتنفذين , مما سببت عرقلة مسيرة تطور البلد ونهب ثرواته دون أن تكون خطة إستراتيجية ترسخ أسس التنمية المستدامة في استغلال الموارد والثروات الوطنية في تحقيق المشاريع الخدمية الطموحة والحد من البطالة , حتى يوحي أو يشير حدوث تغير في نظرة الشعب أن هناك إدارة فاعلة ومناسبة لدى الحكومة أساسها الحفاظ على المال العام , وبرنامج مخطط لاستغلال الموارد المتاحة . 
فقد أصبح لدى الشعب شعور متنامي بحجم الأزمة السياسية التي تواجه تشكيل الحكومة وتراجع بعض الكتل عن التزاماتهم تجاه تخويل رئيس الوزراء الدكتور عادل عبد المهدي في حرية اختيار الوزراء , إلا أن حقيقة هذا التخويل لا يعبر عن الواقع بقدر ما يعكس حالة اقتضتها المغانم السياسية خصوصا بعد أن ظهرت الاختلافات واضحة على من يتولى مسؤولية الوزارات السيادية لاسيما وزارتي الدفاع والداخلية رغم الاجتماعات البرلمانية المتوالية للاتفاق وحل الخلاف .
إن عملية النهوض بالبلد تحتاج إلى ثقة وإرادة مليئة بالرغبة المخلصة في التغيير, ومليئة في المحاولات وبالزخم وبالجهود وبالعمل الإنتاجي وبالمبادرات الدؤوبة , لا بالخمول المتكئ على التبريرات والمسوغات والأعذار , وبهذا يكتمل رأسمال العملية التغييرية , الإنسان والعلم والإيمان والإرادة والعمل , ودروس الماضي وذاكرته , وجهود الحاضر الايجابية ومواجهة تحدياته , ورؤية المستقبل واستشراف طموحاته .
لذلك فان استعادة الثقة والتفوق على عوامل الإحباط والتردد المستمدين من الإيمان ومن أرادة التغيير لإحالة الفعل النفعي الحزبي الضيق , أو ألمصلحي إلى عمل وطني مسؤول وإبداعي وصالح , وجميعها مرتبطة بالإنسان وبالزمن , وهي تلك أرضية الصراع بين الحق والباطل , أو بين الخير والشر , أو بين الفوز والخسارة , لكي نسعد بعراق سلطاته عادلة , ومؤسساته عامرة , و خيراته شاملة.
.


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


د . عبد الحسين العطواني
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2018/12/06



كتابة تعليق لموضوع : ديمقراطية العراق .. وتشكيل الحكومة
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net