عْاشُورْاءُ السَّنَةُ الخامِسَةُ (٢١)
نزار حيدر
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
نزار حيدر

إِذا كانَ رَسُولُ الله (ص) قد شرعنَ مفهوم {لَّسْتَ عَلَيْهِم بِمُصَيْطِرٍ} الإِستراتيجي بسيرتهِ ومسيرتهِ وبطريقةِ تعاملهِ مع الآخر المُختلِف معهُ بالدِّينِ والعقيدةِ! فإِنَّ الحُسين السِّبط (ع) قد ضحَّى من أَجلِ حمايةِ المفهوم من عبثِ السُّلطة عندما رفضَ البيعة للطَّاغية يزيد ليفضح عدم أَهليَّتهِ لها، وعلى اعتبارِ أَنَّها [البَيعة] مسؤُوليَّة شرعيَّة [واليَوم وطنيَّة] لا يجوزُ لأَيٍّ كانَ أَن يتدخَّل في تحديدِ خياراتها واتِّجاهاتها لا بالتَّرغيبِ ولا بالتَّرهيبِ!.
تظنُّ السُّلطة أَنَّ مُجرَّد سيطرتها على زمامِ الأُمور ومقاليد الحُكم فانَّ ذَلِكَ يبسُط يدها في التصرُّف بكلِّ شَيْءٍ ويعطيها حقَّ التصرُّف حتَّى بخَيارات النَّاس وأَرواحهم ومُعتقداتهم وبمتبنَّياتهم السياسيَّة وغير ذلك! وهذا قِمَّة الظُّلم الذي ظلَّ يرفضهُ ويُحاربهُ رَسُولُ الله (ص) طِوالَ حياتهِ، قبل البعثةِ وبعدَ البِعثةِ! ولعلَّ الآية الكريمة الأَشهر التي تُشيرُ إِلى حريَّة الدِّين والمُعتقد هي قولُ الله تعالى {لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ} وقولهُ تعالى {أَنُلْزِمُكُمُوهَا وَأَنتُمْ لَهَا كَارِهُونَ}.
وبرأيي فإِنَّ هنالك طرفان في مُعادلة السَّيطرة والسَّطوة التي يمارسُها الحكَّام بحقِّ الشُّعوب؛
الطَّرف الأَوَّل؛ هي السُّلطة نفسها التي تبذل قُصارى جُهدها لشرعنةِ تدخُّلها في عقائدِ النَّاس وتفتيشها في دينِ الناس بحجَّة ولاية الأَمر تارةً وكونها ظلُّ الله تعالى في الأَرْضِ تارةً أُخرى، وهكذا!.
ولقد تصدَّى المشرِّع لكلِّ هَذِهِ المُحاولات عندما أَكَّد في آياتٍ عدَّة على حريَّة الدين والمُعتقد، كما أَنَّ سيرة رَسُولُ الله (ص) كرَّست هذا المفهوم بشَكلٍ واضحٍ، فضلاً عن سيرة أَمير المُؤمنينَ (ع) الذي أَعاد للمفهوم الإِستراتيجي مكانتهُ في العلاقةِ بين السُّلطة والمُجتمع، من خلالِ إِعتمادِ العدلِ والمُساواة وتمافُؤ الفُرَص حتَّى في أَعلى هرم السُّلطة وغير ذلك في إِطار تحقيقِ الصَّالحِ العامِّ!.
أَمَّا الإِمام الحُسين السِّبط (ع) فلقد ضحَّى بكلِّ شَيْءٍ من أَجلِ أَن لا يسمحَ للسُّلطةِ بتمريرِ أَكاذيبِها بهذا الصَّدد عندما فضحَها وفضحَ أُكذوبة نظريَّة [الجبر والتَّفويض] التي تبنَّاها الأَمويُّون ونشرُوها على نطاقٍ واسعٍ لإِثباتِ شرعيَّة سُلطتهِم!.
أَمَّا الطَّرف الثَّاني؛ فهو المجتمع نفسهُ الذي يسمح لنفسهِ أَن ينخدعَ بكلامِ السُّلطة الجائرة بكلِّ سهولةٍ ويُسرٍ من دونِ تثبُّتٍ ولا تحقيقٍ ولا وعيٍ!.
فَلَو كانَ المُجتمعُ عالماً بحقوقهِ وواجباتهِ، عارفاً بطبيعةِ العلاقةِ السَّليمةِ بين الرَّاعي والرعيَّة! واعياً بالمعايير التي يجب أَن تحكم هَذِهِ العلاقة، فاهِماً بطبيعةِ عَمَلِ وواجباتِ ومسؤُوليَّات الحاكم! لما صدَّق قولهُ أَنَّهُ ظلُّ الله في الأَرْضِ وأَنَّ السُّلطة قميصٌ يقمِّصهُ الله تعالى لبعضِ عبادهِ دُونَ سِواهُم! فلا يجوزُ لِمَن قمَّصهُ الله تعالى سلطةً أَن ينزعها لأَيِّ سببٍ كانَ أَو يُهلك!.
تأسيساً على ذَلِكَ يُمكننا القول بأَنَّ المُجتمع هو الذي يمنح السُّلطة الغاشِمة فُرصة التَّفتيش بعقائدهِ ودينهِ، بجهلهِ تارةً وباستسلامهِ للواقع تارةً ثانيةً وبهروبهِ من التصدِّي لمسؤُوليَّة المواجهة من أَجلِ التَّغيير تارةً ثالثةً وهكذا!.
وبالعلمِ والمعرفةِ يمكنهُ أَن يواجهَ كلَّ مُحاولات التَّضليل والخداع التي تُمارسها السُّلطات باسمِ الدِّين! فلا تتمكَّن من أَن تُعَمَّسَ عَلَيْهِ الْخَبَرَ! على حدِّ وصفِ أَميرِ المُؤمنينَ (ع).
٦ تشرِينُ الثَّاني ٢٠١٨
لِلتَّواصُل؛
E-mail: nazarhaidar1@hotmail. com
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat