كارثة نفوق الأسماك بين الرواية الرسمية العليلة وبين الإشاعات الهزيلة
هادي الموسوي
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
هادي الموسوي

كارثة بحجم كارثة ظاهرة نفوق الأسماك في العراق، لو كانت قد حدثت في دويلة إسرائيل اللقيطة المجرمة، أو في إحدى دول الكفر على حد تعبير أدبياتنا الدينية، لقامت الدنيا ولم تقعد؛ لأن الدولة المجرمة والدول الكافرة لا تجامل ولا تهادن ولا تساوم على حياة مواطنيها، وليست مستعدة للحديث والبيانات الرسمية المتهرئة المتكررة التي تشبه إلى حد كبير طريقة كتابة الإنشاء أو التعبير التي كنا نمارسها في الدراسة الإعدادية والمتوسطة، حيث كنا نعتمد في كتابتها على الخيال والمحفوظات.
لقد عاصرنا وعشنا تهاون الحكومات المتعاقبة التي تعودت على الاستخفاف بالدماء والأرواح، ولا نستغرب إن وجدناها متفرجة أو غير آبهة ولا مهتمة بنهر الفرات وهو مغطى بطبقة سميكة متراصة من ملايين الأسماء النافقة الميتة المتعفنة.
ماء نهر الفرات الذي - وكما يقول أكثر من مصدر - تعرض لتسميم متعمد بمواد كيميائية وضعت لقتل الحياة فيه، قد تعوّد هو الآخر على الإهمال والتجاهل والنسيان، حتى تحول بمرور الوقت إلى نُهير صغير متقارب الضفتين ملئ بأطنان المياه الثقيلة والخفيفة، والمخلفات الكيمياوية والطبية ونفايات المستشفيات المسمومة، وهو لا يستغرب من هذا الصمت الحكومي المؤسساتي المخزي.
لقد جاءت الرواية الرسمية للحكومة باهتة مليئة بالتكهنات والإحالات والاتكالات، ولا أدري كيف تجرأت وأصدرت هذا البيان الركيك المفبرك الذي يتحدث عن حالة مرضية ظهرت منذ ثمانينات القرن الماضي، وربطَ ربطا غير موفق بين الاقفاص غير المرخصة والأعلاف وانخفاظ منسوب المياه وبين الكارثة التي حدثت بالتدريج من أعلى الفرات مرورا بوسطه وانتهاءً بأسفله، وقد اتت على أسماكه وجميع أسماك الأقفاص التي كانت موضوعة فيه.
وقد قال الكثيرون إن الكارثة قد حدثت بفعل فاعل وتسبيب مسبب، وقد يكون صهريج مملوء بالمواد الكيميائية المسممة قد تم حقنه أو إلقاؤه في أعلى نهر الفرات، أو في نقطة ما من مسيره الطويل داخل العراق؛ ليتم القضاء على الحياة النهرية ويتم قتل جميع الأسماك وتدمير الثروة السمكية وتهديد صحة الإنسان وسلامته.
وربما الكارثة برمتها مرتبطة بأحد الاحتمالات الذي تحدث بعضهم حوله وقال: لم تُنفذ العملية بالشكل الدقيق والوقت الدقيق؛ لتحقق هدفيها الرئيسيين، حيث يتمثل الأول منهما بقتل الأسماك وتدمير الحياة النهرية، ويتمثل الثاني بإحداث فتنة كبيرة قي زيارة الأربعين، فلقد مرت زيارة الأربعين دون حوادث ومعارك وإختلافات كما خطط الأعداء لها، لكن البعض كما شاهدت وقرأت يحاولون تجريم إيران وتحميلها أسباب نفوق ملايين الأسماء، مستدلين بالضرر الذي لحق بأحد البلدان المجاورة نتيجة لمنع استيراد الاسماك منه، على زعمهم، وليس إسراع هذا البعض إلى تجريم إيران دون دليل ودون دقة وتريث إلا دليلا على وجود مآمرة مبيتة كان يراد من خلالها إحداث فتنة كبيرة مركبة خبيثة تأتي على الأخضر واليابس وتطيح بكل انجازات زيارات الأربعين المدويّة على صعيد الأخوة والوحدة والتلاحم العقيدي والديني، بين جميع أطياف المسلمين الذين شاركوا في هذه التظاهرة المليونية؛ مواساةً لآل محمد عليهم السلام، في الشهر الذي عاش فيه آل البيت محنة السبي وهمومه وآلامه وكل ما رافقه من عذابات ومحن وكوارث يعجز عن ذكرها اللسان ويكل عن وصفها البيان.
وهذا جميعه تتحمل مسؤوليته الجهات الحكومية التي لم تتحمل مسؤولياتها بالشكل المهني المطلوب، وكذلك الجهات الأكاديمية ذات العلاقة والمختبرات المتخصصة، والمؤسسات والمنظمات ذات الصلة، والمراكز والجهات الإعلامية ذات التأثير الكبير الواسع،
إذ كان يجب أن تكون هنالك حملة حقيقية متعددة الجهات والاتجاهات تتحرك جميعها نحو معرفة الأسباب وكشف الحقيقة بشكل شفاف من خلال جهد ميداني واضح، يتم نشره من خلال فيديوهات يتحدث فيها متخصصون مسؤولون عن كلامهم، يكشفون لنا النقاب عن هذا اللغز المحيّر الذي سرى وانتشر في نهر الفرات وتسبب بقتل ملايين الأسماك، كما كان يجب أن يتم نشر فيديوهات تتحدث عن أول إصابة وطبيعة هذه الإصابة وأين بدأت وفي أي نقطة من نهر الفرات، وتقديم شرح وافٍ عن جميع ذلك وعن الآثار البيئية الكارثية التي تتركها هذه الكارثة، وحجم تأثر المياه بها، والطرق التي ينبغي التعامل من خلالها لجمع ملايين الأسماك النافقة، وكيفية التخلص منها.
لكننا لم نجد هذا التفاعل ولا الإهتمام المطلوب من قبل الجهات الحكومية والجهات الأكاديمية المعنية والمنظمات والمؤسسات ذات العلاقة، وكل ما وصلنا هو بيان رسمي هزيل لا يستند إلى أي جهود علمية ميدانية حديثة ولا يتحدث عن أي فحوصات مختبرية تخصصية حديثه، بل جاء لكي يواري سوءات الجهات الحكومية المعنية والتي يقع على عاتقها تحديد أسباب هذه الكارثة وكشف النقاب عن حقيقتها، والإجابة على سبب عجزها عن تطويق هذه الأزمة، ولم لم تتحرك لتخليص المياه من الملايين من الأسماك النافقة المتعفنة التي تهدد الماء والسماء، وقبل ذلك يجب أن تجيبنا على سبب عدم قدرتها على رصد الحالة سريعا وعجزها عن أخذ عينات من نهر الفرات وفحصها بدقة والكشف عن حقيقة المادة التي تم ضخها في ماء الفرات، والكشف بدقة عن طبيعة هذه المادة وعن أضرارها على البيئة الحياتية وما تحمله من تهديدات لماء نهر الفرات وللناس بشكل عام؛ ليتخذ الناس التدابير قبل أن يكونوا هم الضحيه الثانية بعد الأسماك.
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat