قداسة الشعائر ..في بناء القيم
علي محمد بوخمسين 

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

عدت اليوم  من رحلة المواساة لقادة الأمم ، واولياء النعم ع ، واستلهمنا اروع مناهل المعاني الانسانية ، واعظم المبادئ الحضارية ..

عدت اليوم من شعيرة السير مشيا الى كربلاء ، واخترت مسافة متواضعة ، كانت 50 كم ، من النجف الاشرف الى كربلاء الحسين ع . واستغرقت 12 ساعة .

عندما شاهدت الامواج المليونية ، عرفت سر انك اذا أعطيت الله كل شي أعطاك كل شي ، واذا فرغت فؤادك من كل شي إلا الله ، فسيجعل الله كل الأفئدة تهوي إليك .

في هذا العرس الملائكي ، الذي تحسست فيه خطوات الامام المهدي ع ..معنا تحث السير ، واستشعرنا طوابير الانبياء تتنافس ليلامس غبار الزوار على اجسادهم وقمصانهم ، وشممنا روائح الملائكة وكأنها تحف بأجنحتها على قماش السواد الذي صبغت به شوارع المشاية ..
ونحن في طريق رحلتنا القيمية .. والاستكشافية .. أردت أن أكتشف عطاءات الشعائر الدينية ، ومدى فعاليتها وتأثيراتها على واقعنا الفكري والسلوكي في حياتنا اليومية ، مع التأكيد أني مقتنع تماما بأهميتها ، ولكني أردت أن أتعرف ع ذلك في نفس المختبر الحسيني ، لأنقلها للأجيال ولتكون كلمة للتاريخ ..

استلهمت من رحلتي دروسا وقيم لم ولن أكسبها في الكتب والمحاضرات والدورات التدريبية ، وكانت من أهم هذه الدروس :

1⃣ أن السير الى الحسين ع ، مشيا ..هو سير للاسلام بكل معانيه وتجلياته الحضارية ، فكنت أخاطب نفسي مع كل خطوة .. 

إنك تهرول نحو الصلاة الحسينية ، التي حفظها الحسين بدمه ، وأوقف المعركة عند دخول وقتها ، فكن ممن يحافظ على الصلاة وقتا .. واستعدادا ..وخشوعا .
فعندها أحسست بالوجل ، وتساءلت.. :
 هل صلاتي .. تتناسب مع خطواتي ؟
أم هي طقوس خاوية من العطاءات الفكرية والسلوكية .

2⃣ وعندما خيم الليل ..في طريق المشاية ، وأرخى الليل سدوله ، تذكرت مباشرة ليلة العاشر .. وكيف ان الحسين ع مع أصحابه قضوا الليل ولهم دوي كدوي النحل ، بين قائم وتال للقرآن .. وعندها تساءلت :

هل ليلي كليل الحسين ع وأصحابه ؟

فشعرت بالخجل عندما أتذكر تقصيري وركوني الى الغفلة ، وخشيت... 
 أن تكون ممارستي لشعيرة المشي ، حركة عاطفية ليس لها عطاء فكريا أو سلوكيا يعيد صياغة حياتي الجديدة .

3⃣ وبينما أنا أحث السير نحو كربلاء .. مع جماهير المشاية .. رأيت أروع آيات الحب والرحمة الانسانية ..
فالكل يضحي بنفسه وبماله ووقته من أجل خدمة الزوار والمشاية .
 ✨في كل خطوة .. كنت أرى الوجوه الباسمة، 
✨وعلى امتداد الطريق تعرض علي المأكولات والمشروبات .
✨ والكل يطلب منك أن تمن عليه بالمبيت في موكبه ، وتشرفه بأن تأكل من بركته ، او أن تسمح له ان يأخذ من غبار قميصك ليمسح به وجهه .
إنها أجلى معاني الحب الإنساني ، وأجمل قصص التواصل الاجتماعي ، حتى كأني في طريقي لكربلاء .. قلت قد تحقق حلم سقراط في بناء (  المدينة الفاضلة ) التي تسودها الفضائل ومحاسن الأخلاق ، فهاهي مدينة الحسين الاخلاقية قد رسمها بدمه الطاهر .

 وتذكرت حينها .. وقلت مع نفسي ..

انك تسير .. لرجل جسد أعلى مقام الإنسانية 
في الحب والخلق الحسن .

هل تذكر كيف كان يشفق ع اصحابه عندما كان يعامل جون العبد ، كما كان يعامل ابنه علي الاكبر ، حيث يضع خده الشريف عليهما بعد استشهادهما ، تماما دون اي تمييز ..
انها روح العدالة والمساواة 

وهل تذكر كيف رشف خيول أعدائه ، وسقاهم من الماء الذي منه حرموه ، 

وكيف انه بكى على قتلته أنهم يدخلون النار بسببه ..

كل هذه المعاني الأخلاقية ، لتمثل الاخلاق النبوية ، قد تواردت على خاطري ، وأنا في طريق الرحلة الاستكشافية ، عندها… 

توقفت عند أحد المواكب ، وانزويت وحيدا في خلوتي ، أخاطب نفسي وأستفسر منها لتجيبني بكل شفافية ووضوح ..

سألتها .. : 

طالما أنك ترحلين إلى رمز الحب والجمال الأخلاقي ، والذي رسم أروع لوحة في التواصل مع العالمين ..مع الصديق مع العدو مع الحيوان مع… 
فهل أنت يانفس تقتدين بأخلاقه ، وتعتبرين الامام الحسين ع ، مدرستك الملهمة .

وسألتها .. قبل أن تصلي الى مشهد الاخلاق العليا . ويشاهد مقامك المعنوي ، عند دخولك عليه ..
هل أخلاقك حسينية ..؟
هل أنت بار بوالديك ، هل أنت ناجح ومحب لأسرتك ، هل أنت حنون على اطفالك ، هل انت حسن الأخلاق مع اصدقائك وعامة الناس ، هل تؤدي حقوق الآخرين وهل ..؟

ومازلت أتساءل وأنا في خلوتي الانفرادية ، وانتابني شعور بالخجل .. وخيرت نفسي بين أمرين : 
إما أن أتأكد من حسن أخلاقي وتناسبها مع من أنا في السفر إليه ، مع أخلاقه وشيمه .
وبذلك أكمل الرحلة مع المشاية .
أو أحزم أمتعتي وأرجع خائبا ..اذا لم استطع التخلص من أخلاق قتلة الحسين !!
وقلت لنفسي ..

لاتكن متناقضا مع نفسك ..ورحلتك .
وتأكد أنك لا تحمل صفات من قتل الحسين .
هم يظلمون .. فلا تظلم والديك وزوجتك واطفالك ،  وإلا فأنت كاذب في شعيرتك 

هم يسلبون حقوق المستضعفين ، فلا تأكل اموال الناس والأبرياء ، ولاترجع ديونهم عليك .
هم يمارسون الفواحش ، ويسمعون الملاهي المطربة ..

عندها شعرت بخوف رهيب .. ومسؤلية كبيرة ، بين الخيارين .. ولكني وبكل ثقة ..

قررت أن أعاهد الحسين ع ، أن أجسد محاسن الأخلاق ، وفنون التواصل الاجتماعي ، وأكون مدرسة تلهم الحب والسعادة للجميع .

فقفزت من مكاني ، كقفزة شبيب بن عابس ، الذي أجنه حب الحسين ع ، وبدأت أهرول نحو كربلاء ..والجميع يشاهد ثورتي ..ويسألني

 ماذا جرى ..  ❓❓

فقلت بصوت مدوي  .. حب الحسين ألهمني ..

ألهمني .. العرفان ، والانقطاع الى الله ، عندما لامس قلبي ..متى غبت حتى تحتاج الى دليل يدل عليك 

وألهمني الانقطاع في الصلاة .. عندما لامس قلبي أنت الذي أزلت الأغيار عن قلوب أوليائك حتى عرفوك ووحدوك .

وألهمني أن أكون محترما لنفسي ومقدرا لها ، ولا أسمح للمتكبرين باستصغاري وسلب حقوقي  .. وذلك من خلال ..
اللهم وفي نفسي فذللني ، وفي أعين الناس فعظمني .

وألهمني…  أن أبذل الحب والعطاء ، وأجسد الحب المطلق ..وذلك عندما لامس قلبي ..
ماخرجت إلا لطلب الاصلاح في امة جدي .

وعندها تسارعت خطواتي ، واقتربت من حضرة الحسين ع ، حتى دخلتها مع الامواج المليونية ..وعانقت الحسين ع ، وتطهرت طينتي بدم منحره المقدس ، وعاهدته أن ..

أترجم رحلة الشعائر إلى فكر متوقد ، وسلوك حضاري ، يليق بنهضة الامام الحسين ع .
يمكنكم النشر .. لصناعة الوعي الحسيني .


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


علي محمد بوخمسين 

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2018/11/03



كتابة تعليق لموضوع : قداسة الشعائر ..في بناء القيم
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net