صفحة الكاتب : علي علي

زمام المفاجأة
علي علي

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

  يبدو أن استقرار العراق واستتباب أوضاعه على نحو يريح العراقيين أمر مستبعد، فمنذ بداية سبعينيات القرن المنصرم، والعراق كباقي بلدان العالم يتغير بتغير المعطيات والمستجدات مما يدور حوله، غير أن التغير فيه يأخذ طابعا يختلف عنها شكلا وجوهرا، إذ يشهد تغيرات تبعد عن الصلاح والفلاح، ومع أنها تغيرات تزامنت مع باقي الأمم، إلا أنها عاكستها بالاتجاه والهيئة.

  فدول العالم نهضت طرديا مع الطفرات العلمية والتكنولوجية وفي المجالات الإلكترونية، وباتت تتقافز بين ليلة وضحاها من دول نامية الى متقدمة، وتناغمت آليات مؤسساتهم بانسجام مجدٍ مع صيحات التطور، وواكبتها بتنسيق مدروس ومحسوب بدقة متناهية، مع حساب التقاطعات التي قد تصادفها، فلقد وضع قادة الأمم والبلدان علاجات سريعة وحلولا ناجعة، هي الأخرى مدروسة بشكل يضفي على مسيرتهم المزيد من الإيجابية والجدوى. وقطعا انعكست السياسة هذه على أفراد مجتمعاتهم بريعها وثمارها، وتنعموا بهانئ العيش، ورفلوا بالطيب من سبله ووسائله المتحضرة.

 بالمقابل من هذا ومن سوء حظ العراقيين أن التغيرات التي شهدوها كانت تتجه نحو هاوية سحيقة، إذ سار البلد متعثرا في درب أقل مايقال عنه أنه “درب الصد مارد”..! ومن المحزن أن هذا الدرب أقسم حكام العراق على إقحام العراقيين في خوض غماره عنوة. ولو استذكرنا الربع الأخير من القرن المنصرم، لاتضح لنا أن العمل على إبعاد المواطن عن التدخل بسياسة نظامه، كان نهج الحاكم آنذاك، إذ يومها كان العراقيون لايفقهون في الأمور السياسية إلا ماتمليه عليهم الاجهزة الاعلامية المسيَّسة، من خلال قنوات محلية لايتجاوز عددها أصابع الكف الواحدة. فلم يكن كثيرون يفكرون في يومهم إلا بلقمة العيش، والسياسة كانت خطا أحمر أو قد لا أبالغ ان شبهتها بحقل الغام، والاقتراب منها يعني الهلاك لامحالة.

  واستمر الامر على هذا المنوال، والناس بين خائف صبور ومتمرد معدوم او مسجون، او فارٍ من العراق الى حيث يدري ولايدري. الى ان جاء الفرج وانزاحت (الغمّه من هالأمّه) وكان ذاك يوم 9/4/2003 حيث الديمقراطية والحريات بأنواعها، تلقاها العراقي بتعطش يعود لعقود خلت. اهمها التكلم والبحث بالسياسة ونقد السياسيين وقراراتهم، والتظاهر اذا كان ثمة قرار لايصب في مصلحته. فسالت دماء منه في الدفاع عن حقوقه، حتى بدأ يشعر انه قادر على إجبار المسؤول على العمل لمصلحة البلد، وكان له ذلك، ولكن في النزر اليسير من حقوقه، فالبحر الذي خاض غماره عميق جدا، وفيه من الحيتان ما لم يكن بحسبانه، ومن الأمواج ما لايقدر على الصمود امامها، وجابه سفانين يجيدون فن مجابهة الرياح العاتية. و (لات حين مناص) فصار حاله اليوم كحال اولئك الذين قال لهم طارق بن زياد: أين المفر؟ العدو من أمامكم والبحر من ورائكم. وكما يصور بيت الشعر:

ليل وزوبعة وبحر هائج

لا أرى إلا السفينة تغرق

 ولكن فات السفانين ايضا ان عراقي اليوم غير عراقي السبعينيات. فقد وعى وبات يميز اي السفانين يسير بالإتجاه الصحيح، وأيهم يسير وراء غايات بعيدة عن المرسى الآمن للبلاد، ولم تعد تنطلي عليه ألاعيب المغرضين، وعرف الشخوص التي تمسك بخيوط الدمى الخليعة التي تتصيد بالمياه الآسنة، وتعكر صفو الماء الزلال. والسياسة التي كانت (بعبع) أصبحت اليوم حديثا شيقا تعرف دهاليزه شرائح الشعب جميعها، وقبل نشرة الأخبار نجد رواد المقاهي على بساطتهم يحللون الاحداث، ويعرفون ماغاية (زيد وعبيد) من مقاله او تصريحه.

  نعم، فالعراقي لم يعد فكره سطحيا عن السياسة وألاعيب الساسة، كما أنه بات على دراية تامة بما يدور حوله من أفانين وخزعبلات يسمونها سياسة، ولعل الدورة الرابعة التي ولج أبوابها العراقيون، ستحمل جديدا يفاجئ ساسته، ويجبرهم على العمل بالاتجاه الصحيح، ويبقى مفتاح التغيير وعنصر المفاجأة بيد المواطن.

aliali6212g@gmail.com

 


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


علي علي
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2018/10/23



كتابة تعليق لموضوع : زمام المفاجأة
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net