صفحة الكاتب : ابراهيم الأنصاري

إكمال الدين وإتمام النعمة
ابراهيم الأنصاري

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

  حديث الغدير حديث متواتر بين العامّة والخاصة قد نُقل بأسناد كثيرة جداً حتَّى صارت واقعة الغدير كبعثة الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلَّم من ناحية الأهمِّية و الوضوح وقد نقل الحديث في أكثر كتب العامَّة ، فالترمذي في موضع واحد وهو الحديث رقم (3646) وإبن ماجة أيضاً في موضع واحد وهو الحديث رقم(118) وأمّا أحمد بن حنبل فقد ذكر الحديث بأسناد مختلفة في أربعة عشر موضعاً من كتابه (راجع برنامج موسوعة الحديث الشريف في الحاسب الآلي 1991-1995 عند البحث في من كنت مولاه)
ونحن في هذا البحث نقتصر بذكرأربعة أحاديث من كتاب مسند أحمد:-
1-مسند أحمد الحديث رقم(915)
{حَدَّثَنَا عَبْد اللَّهِ حَدَّثَنِي عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ الْقَوَارِيرِيُّ حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ أَرْقَمَ حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ أَبِي زِيَادٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى قَالَ شَهِدْتُ عَلِيًّا رَضِي اللَّهُ عَنْهُ فِي الرَّحَبَةِ يَنْشُدُ النَّاسَ أَنْشُدُ اللَّهَ مَنْ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ يَوْمَ غَدِيرِ خُمٍّ مَنْ كُنْتُ مَولاهُ فَعَلِيٌّ مَولاهُ لَمَّا قَامَ فَشَهِدَ قَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ فَقَامَ اثْنَا عَشَرَ بَدْرِيًّا كَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى أَحَدِهِمْ فَقَالُوا نَشْهَدُ أَنَّا سَمِعْنَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ يَوْمَ غَدِيرِ خُمٍّ أَلَسْتُ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَأَزْوَاجِي أُمَّهَاتُهُمْ فَقُلْنَا بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ فَمَنْ كُنْتُ مَولاهُ فَعَلِيٌّ مَولاهُ اللَّهُمَّ وَالِ مَنْ وَالاهُ وَعَادِ مَنْ عَادَاهُ} * 
2-مسند أحمد الحديث رقم(18476)
{حَدَّثَنَا ابْنُ نُمَيْرٍ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْمَلِكِ يَعْنِي ابْنَ أَبِي سُلَيْمَانَ عَنْ عَطِيَّةَ الْعَوْفِيِّ قَالَ سَأَلْتُ زَيْدَ بْنَ أَرْقَمَ فَقُلْتُ لَهُ إِنَّ خَتَنًا لِي حَدَّثَنِي عَنْكَ بِحَدِيثٍ فِي شَأْنِ عَلِيٍّ رَضِي اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ يَوْمَ غَدِيرِ خُمٍّ فَأَنَا أُحِبُّ أَنْ أَسْمَعَهُ مِنْكَ فَقَالَ إِنَّكُمْ مَعْشَرَ أَهْلِ الْعِرَاقِ فِيكُمْ مَا فِيكُمْ فَقُلْتُ لَهُ لَيْسَ عَلَيْكَ مِنِّي بَأْسٌ فَقَالَ نَعَمْ كُنَّا بِالْجُحْفَةِ فَخَرْجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَيْنَا ظُهْرًا وَهُوَ آخِذٌ بِعَضُدِ عَلِيٍّ رَضِي اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ فَقَالَ يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَلَسْتُمْ تَعْلَمُونَ أَنِّي أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ قَالُوا بَلَى قَالَ فَمَنْ كُنْتُ مَولاهُ فَعَلِيٌّ مَولاهُ}
3-مسند أحمد بن حنبل الحديث(17749)
{حَدَّثَنَا عَفَّانُ حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ زَيْدٍ عَنْ عَدِيِّ بْنِ ثَابِتٍ عَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ قَالَ كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي سَفَرٍ فَنَزَلْنَا بِغَدِيرِ خُمٍّ فَنُودِيَ فِينَا الصَّلاةُ جَامِعَةٌ وَكُسِحَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَحْتَ شَجَرَتَيْنِ فَصَلَّى الظُّهْرَ وَأَخَذَ بِيَدِ عَلِيٍّ رَضِي اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ فَقَالَ أَلَسْتُمْ تَعْلَمُونَ أَنِّي أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ قَالُوا بَلَى قَالَ أَلَسْتُمْ تَعْلَمُونَ أَنِّي أَوْلَى بِكُلِّ مُؤْمِنٍ مِنْ نَفْسِهِ قَالُوا بَلَى قَالَ فَأَخَذَ بِيَدِ عَلِيٍّ فَقَالَ مَنْ كُنْتُ مَولاهُ فَعَلِيٌّ مَولاهُ اللَّهُمَّ وَالِ مَنْ وَالاهُ وَعَادِ مَنْ عَادَاهُ قَالَ فَلَقِيَهُ عُمَرُ بَعْدَ ذَلِكَ فَقَالَ هَنِيئًا يَا ابْنَ أَبِي طَالِبٍ أَصْبَحْتَ وَأَمْسَيْتَ مَوْلَى كُلِّ مُؤْمِنٍ وَمُؤْمِنَةٍ}
   وهذا النصّ لم يصدر من رسول الله في غدير خم فقط بل هناك مواقع أخرى قد صدر منه نذكر مورداً واحداً من طرق العامَّة:-
مسند أحمد الحديث رقم(21867)
{حَدَّثَنَا الْفَضْلُ بْنُ دُكَيْنٍ حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي غَنِيَّةَ عَنِ الْحَكَمِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ بُرَيْدَةَ قَالَ غَزَوْتُ مَعَ عَلِيٍّ الْيَمَنَ فَرَأَيْتُ مِنْهُ جَفْوَةً فَلَمَّا قَدِمْتُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَكَرْتُ عَلِيًّا فَتَنَقَّصْتُهُ فَرَأَيْتُ وَجْهَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَتَغَيَّرُ فَقَالَ يَا بُرَيْدَةُ أَلَسْتُ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ قُلْتُ بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ مَنْ كُنْتُ مَولاهُ فَعَلِيٌّ مَولاهُ}
وأمّا حديث الغدير في مصادرنا فأكثر من أن يحصى إلاّ أنَّنا نذكر الحديث من مصدرين ومن أراد فليراجع كتاب الغدير للعلاّمة الأميني قدس سرُّه.
  1-(نقلاً عن تفسير العياشي.. عن صفوان الجمال قال قال ابو عبد الله لما نزلت هذه الآيه بالولاية أمر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلَّم بالدوحات دوحات غدير خم فقممن ثم نودى الصلاة جامعه ثم قال ايها الناس ألست اولى بالمؤمنين من انفسهم  قالوا بلى قال فمن كنت مولاه فعلى مولاه)  
2-(تفسير علي بن إبراهيم القمِّي... يا أيها الرسول بلغ ما انزل اليك من ربك قال نزلت هذه الآيه في على و ان لم تفعل ما بلغت رسالته و الله يعصمك من الناس قال نزلت هذه الايه في منصرف رسول الله صلى الله عليه وآله وسلَّم من حجة الوداع و حج رسول الله صلى الله عليه وآله وسلَّم حجة الوداع لتمام عشر حجج من مقدمة المدينة و كان من قوله بمنى ان حمد الله و اثنى عليه ثم قال ايها الناس اسمعوا قولى .... إلاّ هل بلغت ايها الناس قالوا نعم قال اللهم اشهد ثم التفت عن يمينه و سكت ساعه .. ثم قال إلاّ و انى قد تركت فيكم امرين ان اخذتم بهما لن تضلوا كتاب الله و عترتى أهل بيتى فانه قد نبأنى اللطيف الخبير أنهما لن يفترقا حتى يردا على الحوض إلاّ فمن اعتصم بهما فقد نجا و من خالفهما فقد هلك إلاّ هل بلغت قالوا نعم قال اللهم اشهد ثم قال:-
 ألستم تعلمون انى أولى بكم منكم بأنفسكم قالوا بلى قال اللهم اشهد فاعاد ذلك عليهم ثلاثا في كل ذلك يقول مثل قوله الأول و يقول الناس كذلك و يقول اللهم اشهد ثم اخذ بيد امير المؤمنين صلوات الله عليه فرفعها حتى بدا للناس بياض ابطيهما ثم قال صلى الله عليه وآله وسلَّم إلاّ من كنت مولاه فهذا على مولاه اللهم وال من والاه و عاد من عاداه و انصر من نصره و اخذل من 
 خذله و احب من احبه ثم قال اللهم اشهد عليهم و انا من الشاهدين فاستفهمه عمر من بين اصحابه فقال يا رسول الله هذا من الله او من رسوله فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلَّم نعم من الله و من رسوله انه امير المؤمنين.) 
الستُ بربِّكم:-
{وإذ أخذ ربُّك من بني آدم من ظهورِهم ذريتهم وأشهدهم على أنفسهم ألست بربكم قالوا بلى شهدنا أن تقولوا يوم القيامة إنا كنا عن هذا غافلين} 
    إنَّ الله سبحانه وتعالى ومن منطلق ربوبيته لبني آدم طلب منهم قبول شريعته والتسليم له وأخذ منهم شاهداً من أنفسهم كي لا يُنكروا هذه الحقيقة ومن الطبيعي أن يقبل المربوب شريعة الربّ .
   نلاحظ نفس القضيَّة قد صدرت من رسول الله صلى الله عليه وآله فهو بعد أن أخذ الإعتراف والإقرار من الناس بالنسبة إلى نبوَّته وأولويته من أنفسهم قال : لا بدَّ وأن تقبلوا ولاية عليٍّ عليه السلام الذِّي سوف يُنفِّذ الشريعة وكان يُكرِّر قوله(اللهم اشهد) .
  فالقضيَّة إذاً ليست هي قضيَّةً سهلة يمكن التغاضي عنها بل هي تتعلَّق بأصل خلق الإنسان وفلسفته الوجوديَّة حيث أنَّ الوصاية هي إستمرار النبوَّة أي إستمرار حاكميّة الله على الكون.
  ولو أردنا أن نصل إلى عمق هذه الحادثة فينبغي لنا أن نتأمَّل في الآيات الناذلة بشأنها فهي:-
{ يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك وإن لم تفعل فما بلغت رسالته والله يعصمك من الناس  إن الله لايهدي القوم الكافرين } 
يا أيَّها الرسول
    إنَّ نبيُّنا محمدصلى الله عليه وآله وسلَّم قد نودي  في تسعة عشر مورداً وذلك بتعابير أربعة والملاحظ أنَّ الله سبحانه لم يخاطبه بإسمه كما خاطب سائر الأنبياء بل في 13مورداً يعبِّر سبحانه بالنبيّ (ياأيها النبي ) وفي موردين يخاطبه بالرسول (يا أيُّها الرسول)وهناك خطابات أخرى مثل (يا أيُّها المُزَّمل )و(ياأيُّها المدَّثر) وأيضا قوله تعالى (طه)و(يس) على ما في أحاديثنا .
 فبالنسبة إلى النداءات التِّي تخاطب محمداًصلى الله عليه وآله وسلَّم ب(ياأيُّها النبيّ) فهي تتمحَّض في سور (الأنفال ـ التوبة ـ الأحزاب ـ الممتحنة ـ التحريم) و تتصنَّف إلى صنفين :-
    الف:ما يتعلق بالجهاد في سبيل الله .
    ب:الأمور المتعلقة بنساء النبيّ.
    والجدير بالذكر هو أنَّ الموردين الذين قد خاطب الله فيهما نبيَّنا بقوله (يا أيُّها الرسول) كليهما متعلقان بالولاية والإمامة .
وسياق الآيتين متقاربان في جانب واحد وهو أنَّ هناك من يحارب الولاية و يقف دون بروزها في المجتمع ،فالله سبحانه لأجل ذلك يواسي رسولَه ويسليه كي يحقق هدفه السامي الذي بُعث من أجله .
    فأمّا قوله سبحانه وتعالى:
{يا أيها الرسول بلِّغ ما اُنزل اليك من ربِّك فإن لم تفعل فما بلغت رسالتك والله يعصمك من الناس}
فهو يتعلَّق بواقعة الغدير المتواترة لدى الفريقين.
     وأمّا قوله سبحانه
{ياأيّها الرسول لا يحزنك الذين يسارعون في الكفر من الذين قالوا آمنا بأفواههم و لم تؤمن قلوبهم} 
فهناك حديث دالٌّ على أنَّها تختصُّ بالولاية اليك نصُّه:-
    (نقلاً عن تفسير علي بن إبراهيم القمِّي عن الاصفهانى عن المنقرى عن شريك عن جابر قال قال رجل  عند أبي جعفر عليه السلام وأسبغ عليكم نعمة ظاهره و باطنهة قال: اما النعمه  الظاهره فهوالنبي صلى الله عليه وآله وسلَّم و ما جاء به من معرفه الله عز و جل و توحيده و أمّا النعمة الباطنة ولايتنا أهل البيت و عقد مودتنا فاعتقد و الله  قوم هذه النعمة الظاهرة و الباطنة و اعتقدها قوم ظاهرة و لم يعتقدوها باطنه فانزل الله (ياأيّهاالرسول لا يحزنك الذين يسارعون في الكفر من الذين قالوا آمنا بافواههم و لم تؤمن قلوبهم)  ففرح رسول الله صلى الله عليه وآله وسلَّم عند نزولها اذ لم يقبل الله تبارك و تعالى إيمانهم إلاّ بعقد ولايتنا و محبتا .)  ومن الواضح أنَّ النداء ب(ياأيُّها الرسول ) في الآيتين بدلاً عن سائر الصفات هو دليل على أنَّ الرسالة هي التِّي لها هذا الإقتضاء .
   وفي خصوص آية الغدير نشاهد أنَّ ذيلها صريح في ذلك حيث يقول سبحانه (فإن لم تفعل فما بلَّغت رسالته).
   النبوَّة والرسالة
   النبوَّة هي شأن من شئون النبي ينتزع منه من زاوية واحدة وهي أنَّ هذا الإنسان مُرتبط بالله سبحانه .
  والرسالة هي شأن آخر لها جانبان 1-جانب يتعلَّق بالرب 2-وجانب يتعلَّق بالخلق . فالربُّ يُربِّي الأمَّة بالرسول .
  فلو لم يبلِّغ الرسول الولاية فلم يوفِ برسالته (حيث أنَّ الولاية هي التِّي تتمم الرسالة) ومن هذا المنطلق نشاهد أنَّه تعالى يعبِّر بقوله (لقد منَّ) بنحو الفعل الماضي الذي يدل على المُضي حيث أنَّ الرسالة قد ختمت برسول الله محمَّد صلى الله عليه وآله
{ لقد منَّ الله على المؤمنين إذ بعث فيهم رسولاً من أنفسهم يتلو عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة وإن كانوا من قبل لفي ضلال مبين} 
  وأمّا بالنسبة إلى الإمامة فهي مستمرَّة لا نهاية لها ولا إنقضاء إلى يوم القيامة حيث أنَّها تتمثَّل في الإنسان الكامل الذّي هو النور الصِرف الذي لا زوال له ولا إضمحلال لأنَّه مظهر النور المطلق وهو الله سبحانه وتعالى
{ونريد أن نمنَّ على الذين أُستُضعِفُوا في الأرضِ ونجعلهم أئمةً ونجعلهم الوارثين}  
فمن شئون الرسول هو إقامة الإمام الذي يتلَّقى الفيوضات الإلهيَّة بالعصمة ويُطبِّقها في المجتمع بالعصمة ومن خلاله سوف يبقى الوحي من ربِّ العالمين مستمرّاً.
   وحيث أنَّ تبليغ الولاية وتثبيتها كان أهمّ شأن من شئون الرسالة ،كانت هناك علائق وثيقة بين أئمتنا عليهم السلام وبين الرسالة النبوية،وهناك أحاديث كثيرة تبيِّن العلائق المتواجدة بين الرسالة والولاية وهي:-
(سليل الرسالة-معدن الرسالة-موضع الرسالة-مفاض الرسالة-محكم الرسالة-فيهم نزلت الرسالة-أحق الخلق بسلطان الرسالة-محطّ الرسالة -رواسي الرسالة-أهل بيت الرسالة -مودتهم أجر الرسالة)
ثم إنَّه يستفاد من الآية الكريمة الأمور التالية:-
1- إنّ من وظائف الرسول صلى الله عليه وآله وسلَّم هو إبلاغ الوحي الإلهي في جميع جوانبه وزواياه.
2-أنَّ هناك رسالة مميَّزة قد أُمر رسول الله بإبلاغها للناس .
3-أنَّ تلك الرسالة الخاصَّة تُضاهي جميع الأمور الأخرى التِّي بيَّنها رسول الله خلال حياته بل هي الرسالة بعينها.
4-إنَّ عدم تبيين تلك الرسالة تعني عدم تبليغ الرسالة من الأساس .
5-أنَّه ينبغي للرسول أن يتَّخذ خطَّة عمليَّة من خلالها يتمكَّن من إبلاغ الرسالة الخاصَّة وذلك لمكان قوله تعالى (فإن لم تفعل) وبالفعل لم يكتف رسول الله صلى الله عليه وآله وسلَّم بالإبلاغ بل طلبَ من الناس أن يُبايعوا علياً .
6-كانت هناك مؤامرة تواجه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلَّم من قِبَل بعض الناس إزاء تبليغ هذه الرسالة المميَّزة والله سبحانه هو المتكفِّل للقضاء على هذه المؤامرة الخطيرة .
7-هؤلاء المتآمرون حيث وقوفهم ضد رسالة الرسول فهم معدودون من الكفّار والله لا يهدي القوم الكافرين فكل من يقف ضدّ الولاية فقد دخل في زمرة الكافرين وإبتلى بالعذاب الأليم.
·    لاتقيّةَ بعد نزول الآية
  يُعلم من الآية المباركة أنَّه قبلها كان رسول الله يعيش التقيَّة في أمر الولاية وأمّا بعد نزولها فإنتفت التقيَّة كما تدلُّ على ذلك قسم من الأحاديث :- 
{الحسين بن احمد البيهقى عن محمد بن يحيى الصولى عن سهل بن القاسم النوشجانى قال قال رجل للرضا عليه السلام يا بن رسول الله انه يروى عن عروه بن زبير انه قال توفى النبي صلى الله عليه وآله وسلَّم و هو في تقيه فقال اما بعد قول الله عز و جل يا ايها الرسول بلغ ما انزل اليك من ربك و ان لم  تفعل فما بلغت رسالته و الله يعصمك من الناس فانه ازال كل تقيه بضمان الله عز و جل له و بين امر الله} 
ما هو الضرر الذي كان يواجه الأمّة لولا التبليغ؟
هل كان رسول الله يحافظ على نفسه في قبال الناس ؟
كيف وهو الذي يخاطبه سبحانه
{ فقاتل في سبيل الله لاتكلف إلانفسك وحرض المؤمنين عسى الله أن يكفّ بأس الذين كفروا والله أشد بأسا وأشد تنكيلا} 
{ يا أيها النبي حرض المؤمنين على القتال إن يكن منكم عشرون صابرون يغلبوا مئتين وإن يكن منكم مئة يغلبوا ألفا من الذين كفروا بأنهم قوم لايفقهون } 
  *كيف ويقول أمير المؤمنين عليه السلام في نهج البلاغة:- 
{كنّا إذا إحمر الباس إتقينا برسول الله صلى الله عليه وآله فلم يكن أحدٌ منّا أقربَ الى العدوِّ منه} 
  كلُّ ذلك كان قبل فتح مكّة وأمّا بعد فتح مكَّة فقد إتَّسعت قدرتهم وتركَّزت شوكتهم فلا خوف منهم من ناحية عسكرية ، إنمّا الخوف كان من جانب آخر وهو الجانب السياسي لأهميَّة الموضوع حيث الأحقاد القبلية والضغائن البدرية والخيبرية ضدَّ أمير المؤمنين عليه السلام وحيث التخطيط المركَّز لتسليم الخلافة بعد رسول الله صلى الله عليه وآله بشكل طبيعي وبنحو شرعي من خلاله يمكنهم التسلُّط على رقاب المسلمين وتحريف الإسلام المحمَّدي من غير أن تُواجههم أيُّ مُشكلة وهذا هو الخطر المُهمّ الذي كان يواجه الإسلام ، ولكنَّهم فوجئوا بالغدير فيَئسوا من الإسلام .
والحديث التالي شاهد على ما ذكرناه :-
{شى عن المفضل بن صالح عن بعض اصحابه عن احدهما عليه السلام انه قال لما نزلت هذه الآيه انما وليكم الله و رسوله و الذين آمنوا شق ذلك على النبي صلى الله عليه وآله وسلَّم و خشى ان يكذبه قريش فانزل الله يا أيها الرسول بلغ ما انزل اليك من ربك  الايه فقام بذلك يوم غدير خم}
أهميَّة هذا التبليغ
{عن أبي جعفر محمد بن على عليه السلام قال خرج رسول الله صلى الله عليه وآله وسلَّم ذات يوم و هو راكب و خرج امير المؤمنين على بن أبي طالب عليه السلام و هو يمشى فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلَّم يا ابا الحسن اما ان تركب و اما ان تنصرف فان الله امرنى ان تركب إذا ركبت و تمشى إذا مشيت و  تجلس إذا جلست إلاّ ان يكون حد من حدود الله لا بد لك من القيام و القعود فيه و ما اكرمنى الله بكرامه إلاّ و قد اكرمك بمثلها خصنى بالنبوه و الرساله و جعلك ولي ذلك تقوم في صعب اموره .....إلى أن قال صلى الله عليه وآله وسلَّم:-
 ولقد انزل الله فيك يا ايها الرسول بلغ ما انزل اليك من ربك و ان لم تفعل فما بلغت رسالته فلو لم ابلِّغ ما أُمرتُ به لحبط عملى..} 
ولا يخفى أنَّه من المستحيل أن يخالف الرسول ربَّه في هذا الأمر ولكن إنّ دلَّ هذا الأمر على شيء فإنَّما يدلُّ على الأهميَّة البالغة لتبليغ ما أنزِل اليه من ربِّه وهو تعيين أمير المؤمنين عليه السلام خليفةً على المسلمين .
وتأييداً لذلك ننقل الرواية التي رواها الكليني قدّس سرُّه في هذا المجال :-
*( على بن ابراهيم عن أبيه عن الحكم بن بهلول عن رجل عن أبي عبد الله عليه السلام في قوله تعالى ولقد أوحى إليك و الى الذين من قبلك لئن اشركت ليحبطن عملك قال يعنى ان اشركت في الولاية غيره بل الله فاعبد و كن من الشاكرين يعنى بل الله فاعبد بالطاعة و كن من الشاكرين ان عضدتك باخيك و ابن عمك ) 
والجدير بالذكر أنَّ سورة محمَّد صلى الله عليه وآله قد بيَّنت وبصورة صريحة النتائج السلبيَّة التِّي تتبع إنكار الولاية أو كراهتها حيث يقول سبحانه وتعالى:-
 { ذلك بأنهم كرهوا ما أنزل الله فأحبط أعمالهم* ....  أفمن كان على بينة من ربه كمن زين له سوء عمله واتبعوا أهواءهم  * إن الذين ارتدوا على أدبارهم من بعد ما تبين لهم الهدى الشيطان سول لهم وأملى لهم * ذلك بأنهم قالوا للذين كرهوا ما نزل الله سنطيعكم في بعض الأمر والله يعلم إسرارهم} 
ونذكر ههنا حديثاً واحداً يتعلَّق بالآية الأولى فقط :-
  *(وعنه عن احمد بن القاسم عن احمد بن محمد عن محمد بن خالد عن محمد بن على عن محمد بن الفضيل عن أبي حمزه عن جابر عن أبي جعفر عليه السلام انه قال قوله تعالى ذلك بانهم كرهوا ما انزل الله في عليٍّ عليه السلام فاحبط  اعمالهم )  ومن أراد أن يتوسَّع في هذا المجال فاليراجع كتاب كنز العمّال .
ثمَّ إنَّه ومن خلال هذا البحث سوف نواجه قضيَّة أخرى وهي :-
ما هو المقصود من(ما أُنْزِلَ اليه ) ؟
  عندما يتأمَّل الباحث في الآية 66 من سورة المائدة والتِّي جائت قبل آية التبليغ ينفتح أمامَه باباً يمكنه من خلاله أن يصل إلى خطورة أمر الولاية ودورها في حيوة المجتمع المعنوي والمادِّي حيث يقول سبحانه :-
{ ولو أنهم أقاموا التوراة والإنجيل وما أنزل إليهم من ربهم لأكلوا من فوقهم ومن تحت  أرجلهم منهم أمة مقتصدة وكثيرٌ منهم ساء ما يعملون } 
يا أيَّها الرسول بلِّغ ما أنزل اليك من ربِّك....الخ
   فهناك إرتباط وثيق بين إقامة ما أنزل من ربِّ العالمين وبين نزول البركات السماوية والأرضيَّة على الأمَّة. والجدير أنَّ هذه الآية تصدَّرت آيةَ البلاغ من ناحية ومن ناحية أخرى أنَّ الأحاديث تدلُّ على أنَّ (ما أنزل) (محمد بن اسماعيل عن الفضل بن شاذان عن حماد بن عيسى عن ربعى بن عبد الله عن أبي جعفر عليه السلام في قول الله عز و جل و لو أنَّهم اقاموا التوراه و الانجيل و ما انزل اليهم من ربهم قال الولاية ) 
و في تفسير قوله تعالى:(وان لو استقاموا على الطريقة لاسقيناهم ماء غدقا) ورد أحاديث منها :-(أحمد بن مهران عن عبد العظيم بن عبد الله الحسنى عن موسى بن محمد عن يونس بن يعقوب عمن ذكره عن أبي جعفر عليه السلام في قوله تعالى وان لو استقاموا على الطريقه لاسقيناهم ماء غدقاً قال يعنى لو استقاموا على ولاية على بن أبي طالب أمير المؤمنين و الأوصياء من ولده عليهم السلام و قبلوا طاعتَهم في أمرهم و نهيهم لأسقيناهم ماءاً غدقاً يقول لاشربنا قلوبهم الايمان و الطريقه هى الايمان بولايه علي و الاوصياء) 
  وفي قبال ذلك نشاهد أنَّ أساس الفساد بدأ من اللحظة التِّي افتقدت الأمَّة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلَّم كما في الحديث التالي:-
(محمد بن يحيى عن محمد بن الحسين عن على بن النعمان عن ابن مسكان عن محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام في قوله عز و جل ظَهَرَ الفَسَادَ فِي البرِّ و البَحْرِ بِما كَسَبَتْ أَيْدِي الناس قال: ذاك و الله حين قالت الانصار منّا اميرٌ و منكم أميرٌ )
  وعلى ضوء ذلك يمكننا أن نعرف السرّ في آية إكمال الدين وإتمام النعمة وهي:-
{...اليوم يئس الذين كفروا من دينكم فلا تخشوهم واخشون اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الاسلام..}
موقع الآية 
{حرمت عليكم الميتة والدم ولحم الخنزير وما أهل لغير الله به والمنخنقة والموقوذة والمتردية والنطيحة وما أكل السبع إلاما ذكيتم وما ذبح على النصب وأن تستقسموا بالأزلام ذلكم فسق اليوم يئس الذين كفروا من دينكم فلا تخشوهم وأخشونِ اليوم أكملتُ لكم دينَكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام ديناً فمن اضطر في مخمصة غير متجانف لإثم فإن الله غفور رحيم} 
  المقطع المتعلِّق بحادثة الغدير غير منسجم مع الآية من ناحية المعنى أصلاً وهذا لا يعني أنَّه قد وُضع في غير موضعه حيث أنَّ هناك كثير من الآيات في القرآن الكريم هي من هذا القبيل وقد شرحنا السرَّ في مثل هذه الموارد عندما تحدَّثنا عن آية التطهير فراجع  وخلاصة الأمر ترجع إلى الجانب الفنِّي في القرآن الكريم حيث أنَّه كتابٌ لهداية الناس بأحسن الأساليب والطرق ، وههنا وبصريح القول أقول علماً بكثرة المؤامرات والخطط ضدّ كلّ أمرٍ يمسُّ أهل البيت عليهم السلام بصلة وحفاظاً على النصوص الواردة في حقِّهم عليهم السلام نشاهد أنَّ الله سبحانه مباشرةً  أو الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلَّم قد أدرج تلك النصوص القرآنيَّة ضمن آيات بعيدة كل البعد عن تلك الأمور والمتدبِّر في تلك الآيات سوف يصل إلى المراد منها من غير أيّ شبهة تعتريه ، ومن في قلبه مرض لا يفكِّر في إزالتها من أساسها مادام يمكنه تحريف محتواها بزعم وجود الشواهد التِّي تُحيط بها ، ومن تلك الآيات هي آية الغدير التِّي هي مورد بحثنا.
  وهناك شواهد كثيرة تدلُّ على أنَّ الآية غير متعلِّقة بالمحرَّمات نذكر بعضَها:-
 1-سياق الآية حيث نشاهد أنَّها غير كاملة إلاّ بمجيء المقطع الأخير منها وهي قوله فمن اضطرّ والدليل على ذلك وجود آيتين متشابهتين أحدها في سورة البقرة والثانية في سورة النحل:-
{إنما حرم عليكم الميتة و الدم و لحم الخنزير و ما أهل به لغير الله به فمن اضطر غير باغ و لا عاد فلا إثم عليه إن الله غفور رحيم} 
{انما حرم عليكم الميتة و الدم و لحم الخنزير و ما أهل لغير الله به فمن اضطر غير باغ و لا عاد فإن الله غفور رحيم} 
وأيضاً الآية الـتالية:-
{قل لا أجد في ما أوحي الي محرما على طاعم يطعمه إلاّ أن يكون ميتة أو دماً مسفوحاً أو لحم خنزير فإنه رجس أو فسقاً أهل لغير الله به فمن أضطر غير باغ و لا عاد فان ربك غفور رحيم} 
وهذا دليل على أنّ ذلك المقطع، قد أُدرج ضمن الآية .
2-إنَّ الآية تقول(اليوم يئس الذين كفروا عن دينكم....) ولو كان اليأس لأجل تلك الأحكام الخاصة أعني تحريم الميتة والدم ولحم الخنزير وغيرها فهي غير مختصَّة بهذا اليوم الذي نُزلت فيه الآية بل تلك الأحكام وردت في آيات أخرى أيضاً وهذا إن دلَّ على شيء فإنَّما يدل على أنَّ يأس الذين كفروا عن الدين إنَّما هو لأجل أمر آخر (وهو إعلام الولاية وتبليغها بشكل علنيٍّ).
  وفي الحديث (شف من كتاب محمد بن أبي الثلج باسناده قال قال ابو عبد الله جعفر الصادق عليه السلام انزل الله عز و جل على نبيه صلى الله عليه وآله وسلَّم بكراع الغميم يا ايها الرسول بلغ ما انزل اليك من ربك في على و ان لم تفعل فما بلغت رسالته و الله يعصمك من الناس فذكر قيام رسول الله بالولايه بغدير خم قال و نزل جبرئيل بقول الله عز و جل اليوم اكملت لكم دينكم و اتممت عليكم نعمتى و رضيت لكم الاسلام ديناً بعلى أمير المؤمنين في هذا اليوم اكمل لكم معاشر المهاجرين و الأنصار دينكم و اتم عليكم نعمته و رضى لكم الاسلام دينا فاسمعوا له و اطيعوا تفوزوا و تغنموا) 
قال في النهاية : كراع الغميم موضع على ثلاثة اميال من عسفان ذكره الفيروز آبادى 
قال الراغب الإصفهاني في كتابه مفردات غريب القرآن  كمل: كمال الشىء حصول ما فيه الغرض منه فإذا قيل كمل ذلك فمعناه حصل ما هو الغرض منه .  تمام : تمام الشىء انتهاوه إلى حد لايحتاج إلى شىء خارج عنه والناقص ما يحتاج إلى شىء خارج عنه.. قال تعالى ( وتمت كلمة ربك )(والله متم نوره)(وأتمناها بعشر فتم ميقات ربه ) 
*قال إمام الأمَّة قدِّس سرُّه:-
كمال الشئ مابه تمامه و انجبر به نقصانه 
فالصورة كمال الهيولى ، و الفصل كمال الجنس ، ولهذا عرّفت النفس بأنّها كمال اول لجسم طبيعي آلى ، إذ بها كمال الهيولى باعتبار وكمال الجنس باعتبار .
ولهذا كانت الولاية العلوية أدامنا اللّه عليها كمال الدين وتمام النعمه ، لقوله:
{ اليومُ أكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَ أَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي } 
وقال ابوجعفر عليه السلام في ضمن الرواية المفصلة في الكافي: ثم نزلت الولاية . وإنّما أتاه ذلك في يوم الجمعه بعرفة أنزل اللّه تعالى:
{ اليومُ أكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَ أَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي } 
وكان كمال الدين بولاية علي بن أبي طالب ، انتهى .
فسائر العبادات بل العقايد والملكات بمنزلة الهيولى والولاية صورتها وبمنزلة الظاهر وهي باطنها ، ولهذا من مات ولم يكن له إمام فميتته ميتة الجاهلية وميتة كفر و نفاق و ضلال ، كما في رواية الكافي ، فإن المادة والهيولى لا وجود لهما إلاّ بالصورة و الفعلية ، بل لا وجود لهما في النشأة الآخرة أصلاً ، فإن الدار الآخرة لهي الحيوان ، وهي دار الحصاد ، والدنيا مزرعة الآخرة .
أهميَّة الولاية:-
  في تفسير فرات قال : حدثني جعفر بن محمد الفزاري معنعنا : عن أبي الجارود قال : سمعت أبا جعفر عليه السلام يقول : حين أنزل الله تعالى : ( اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ) قال : فكان كمال الدين بولاية علي بن أبي طالب عليه السلام    إن الله سبحانه و تعالى حين خلق الكون بإرادته المطلقه
{إذا أراد شيئا يقول له كن فيكون}
أوجد الأشياء فصارت جميع الأشياء فقيرة إليه تعالى في ذاتها و هو الغني المطلق و صار سبحانه حاكما تكوينيا عليها جميعا.. فظهرت اسمائه الحسنى في الكون.
الولاية ليست هي مسأله قلبية فحسب بل هى أمر عملي خارجى لها دور مهم في تطبيق سائر الأحكام الإلهية و بدونها يبقى الدين له جانبان جانب متعلق بالله و هو الجانب التشريعى و جانب يرجع إلى الناس و هو الجانب التنفيذى فالتشريع مهما كان متقنا و مهما كان مقدسا إلاّ أنه يبقى في عالمه (أعنى عالم التشريع) مادام لم يصل إلى مرحلة العينية و المصداقية فمن الضرورى أن تتنزل الشريعة في المجتمع و تنطبق كى يكون المجتمع مظهرا لإسم الله أعنى الحاكم و حينئذ سوف يتحقق الغرض من التشريع الإلهي و هو حاكمية الله على إرادة الناس الذي يستتبع حاكميته على كل شئ. بقي أمر واحد و هو إرادة الإنسان فهي من ناحية تكوينية مظهر من مظاهر ذاته سبحانه حيث أن من أسماء ذاته تعالى (المريد)
ولكن لأن طبيعة الإرادة طبيعة مميزة حيث بها يختار الإنسان الخير و الشر فأراد الله سبحانه من الانسان أن يختار الخير و يجتنب عن الشرّ و بإختيار هذا يترقى في مدارج الكمال، فشرع الشريعة و بين الاحكام.. فههنا يأتى دور الإنسان حيث يلزمه تطبيق الشريعة في المجتمع و يأتي دور الإمام حيث ينبغى له الاشراف على تطبيق الشريعة.. فإذا دور الإمام دور حيوي و هو ركن مهم كالشريعة نفسها بل لو نظرنا إليه من منظاره الخاص صار أهم من ذلك لأنه بدونه لا جدوى للشريعة الالهية.
   ومن هنا نعرف عمق ما بينه مولانا علي عليه السلام في كلمته حيث قال:
{.. ومكان القيم بالأمر مكان النظام من الخرز يجمعه و يضمه فإن إنقطع النظام تفرق و ذهب ثم لم يجتمع بحذافيره أبداً...} 
   فالإسلام يمثِّل المسباح والعبادات كلُّها من الصلوة و الصوم و الزكاة و الحج و الجهاد و غيرها وكذا المعاملات ليست هى إلاّ كالخَرز لذلك المسباح ، ثمَّ إنَّ  رسول الله صلى الله عليه وآله تمكَّن من تجهيز الخرَز طوال 23 سنة  و تثقيبها بأكملها فلم تكمل بعدُ ما دام لم يمرُّ من خلالها الخيط حيث أن قوام المسبح بالخيط و الولاية تُمثِّل ذلك الخيط القويّ الذي يجمع شمل العبادات والمعاملات وسائر أبعاد وزوايا الإسلام فبالولاية قد كمُل الإسلام (اليوم أكملت لكم دينكم) بعد أن كان ناقصاً لا فائدة فيه وتمَّت النعمة (وأتممت عليكم نعمتي) بعد أن كانت غير تامَّة حيث كان يُخاف على زوالها بإرتحال الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله .
  ومن الواضح أنه لا ضمان لبقاء الخرز من غير الخيط (النظام على حدّ تعبير أمير المؤمنين) فلا ضمان لبقاء الصلوة و الصوم و... من غير الولاية و من هنا نعرف معنى قوله تعالى " اليوم أكملت لكم دينكم... " حيث أنه بالفعل قد كمل الدين في يوم الغدير و تمت النعمة التي هى الولاية و قد ورد في تفسير قوله تعالى:(لتسئلن يومئذ عن النعيم)
   عدةٌ من اصحابنا عن احمد بن أبي عبد الله عن أبيه عن القاسم بن محمد الجوهرى عن الحارث بن حريز عن سدير الصيرفى عن أبي خالد الكابلى قال دخلت على أبي جعفرعليه السلام  فدعا بالغداء فأكلت معه طعاما ما اكلت طعاما قط انظف منه ولا اطيب فلما فرغنا من الطعام قال يا ابا خالد كيف رأيت طعامك او قال طعامنا قلت جعلت فداك ما رأيت أطيب منه و لا أنظف قط و لكنى ذكرت الآيه التي في كتاب الله عز و جل لتسئلن يومئذ عن النعيم قال ابو جعفر عليه السلام لا إنَّما تسألون عما أنتم عليه من الحق ) 
   وعلى ضوء ذلك يمكننا أن نصل إلى عُمق الحديث التالي:- 
{عن على بن ابراهيم عن أبيه و عبد الله بن الصلت جميعا عن حماد بن عيسى عن حريز بن عبد الله عن زراره عن أبي جعفر عليه السلام قال بنى الاسلام على خمسة اشياء على الصلاة و الزكاة و الحج و الصوم و الولاية قال زراره فقلت و أيُّ شىءٍ من ذلك أفضل فقال الولاية أفضل لانَّها مفتاحُهن والوالي هو الدليل عليهن.. ثمَّ قال:- قال ذروه الامر و سنامه و مفتاحه و باب الاشياء و رضى الرحمن الطاعه للامام بعد معرفته..} 
و الولاية ههنا لا يقصد منها الحب بل هى كالصلوة والصوم والزكاة .. وهي عبادات عمليَّة وليست أمور قلبيَّة بحتة  و أيضاً  قوله عليه السلام والوالي هو الدليل عليهن حيث إشتقاق إسم الفاعل من الكلمة دليلٌ على أن الولاية ههنا إنَّما تعني الجانب العملي التِّي هي الإطاعة والتبعيَّة المطلقة ومن هنا قال عليه السلام :(قال ذروه الأمر .. الطاعةُ للامام )
 الوحي التسديدي
   إنَّ أمير المؤمنين و أهل البيت عليهم السلام ليسوا كمبلغين للرساله فحسب فإن هذا دور العلماء حيث قال تعالى
{الذين يبلغون رسالات الله و يخشونه و لا يخشون أحدا إلاّ الله}
فالعلماء ليس لهم دور إلاّ الدفاع عن الشريعة ببيان النصوص القرآنية وما صدر عن المعصومين عليهم السلام.
  ولكن أهل البيت عليهم السلام مضافاً إلى دفاعهم عن الشريعة فهم كرسول الله صلى الله عليه وآله وسلَّم أصحاب الدعوى و شركاء رسول الله في أمر النبوة و لهذا ورد في زيارة الحجه عجل الله تعالى فرجه " السلام عليك يا شريك القرآن " و الدليل على ذالك آية المباهله:-
{ فمن حاجك فيه من بعد ما جاءك من العلم فقل تعالوا ندع أبناءنا وأبناءكم ونساءنا ونساءكم وأنفسنا وأنفسكم ثم نبتهل فنجعل لعنت الله على الكاذبين} 
أقول:
   ومن الواضح أن الكاذب لا يطلق على المتفرِّج فهو ليس بكاذب و لا صادق.. بل الكاذب و الصادق من الصفات التي تطلق على من لديه إدعاءٌ ما ، فهو (أعنى المدَّعي) إما صادقٌ في إدعائه أو كاذب  فقوله تعالى "فنجعل لعنت الله على الكاذبين " دليلٌ على أن كل من كان مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلَّم في يوم المباهلة كرسول الله كان صاحب إدِّعاء حيث إرتباطه بعالم الغيب وهذا ما يطلق عليه " الوحي التسديدي " في قبال الوحي التشريعي.
·    الشراكة في الأمر
    وأيضاً حديث المنزلة دليل آخر حيث صارت منزلة عليٍّ عليه السلام بالنسبة إلى الرسول صلى الله عليه وآله كمنزلة هارون من موسى و هذا يعنى أنه تعالى أشركَ علياً مع محمد صلى الله عليه وآله وسلَّم في أمرِ الرسالة التِّي طلبها موسى من الله لأخيه هارون (وأشركه في أمرى) وإن كان هناك فرقٌ كبير بين هارون وبين عليٍ عليهما السلام وذلك  لأنَّ النبي صلى الله عليه وآله وسلَم حيث اختتمت به النبوَّة فهو أفضل الأنبياء كما أنَّ وصيَّه هو أفضل الأوصياء والسرُّ في ذلك هو ما ذكره الإمام  قدَّس الله نفسَه الزكيَّة في بيان حقيقة الإنسان الكامل حيث قال:-
{ إن كانت عينه الثابتة تابعة للإسم الأعظم لاختتمت به دائرة النبوة كما اختتمت بالنبي المعظم الخاتم صلى اللّه عليه وآله وسلم ، ولم يوجد شخص آخر من الأولين والآخرين ومن الأنبياء والمرسلين ، تكون عينه الثابتة ، تابعة للإسم الأعظم ولم يكن ظهور ذاته بجميع الشئون ولهذا حصل له صلى اللّه عليه وآله وسلم ظهور بجميع الشئون وحصلت الغاية من الظهور في الهداية ، وتم الكشف الكلي  واختتمت النبوة بوجوده المقدس }
ثم قال :
{و إذا فرضنا أن شخصاً من أولياء اللّه تبعاً لذات النبي المقدّس وهدايته سبحانه بلغ نفس المقام المقدَّس ، لكان كشفه عين النبي ، إذ لا يجوز التكرار في التشريع} .
ومن هنا صار أمير المؤمنين عليه السلام نفس رسول الله صلى الله عليه وآله  فهو إذاً أعلى من جميع الأنبياء عليهم السلام إلاّ خاتمهم وذلك لأنَّه خليفة للكشف التام ومن هنا قال صلى الله عليه وآله
{ إلاّ أنَّه لا نبيَّ بعدي }
فهذه العبارة لا تُقلِّل من مرتبة أمير المؤمنين عليه السلام بل تُضاعفه وتجعل عليّاً أعظم من هارون لأنَّ هناك أنبياءً بعد موسى عليه السلام فلم تكن نبوَّته تامَّة دون النبي صلى الله عليه وآله وسلَّم فهو خاتم النبيين وهو الذي وضع اللبنة الأخيرة وكملت به الدائرة والذين يأتون من بعده هم الهداة بالأمر فيهدون الناس إلى الشريعة الكاملة وهذا المستوى أعني الهداية بالأمر  أفضل من مستوى جميع الأنبياء.
·    يأس العدو من الدين
  وعلى ضوء ذلك يمكننا أن نعرف أهمية هذا النصب في غدير خم حيث أن العدوّ كان يتصور أنه بعد إرتحال رسول الله ليس هناك من يتولى أمر الرساله وكان يتوقَّع بإستئصال الإسلام من أساسه حيث لا حيوية للدين على زعمهم بعد إرتحاله صلى الله عليه وآله وسلَّم. و من يأتى بعده ليس له دور رسالى بل هو مبلِّغ للوحي ليس إلاّ( أم يقولون شاعر نتربص به ريب  المنون *  قل تربصوا فإني معكم من المتربصين) 
   فواقعة الغدير قد قضت على جميع تلك المخطَّطات و أفشلت كافةَ المؤامرات.
  والجدير أن قضية الغدير إستمرت بعد إرتحال عليٍّ عليه السلام حيث إنتقلت الولاية إلى الحسن عليه السلام و الحسين عليه السلام و هكذا.. إلى أن إنتهت المسألة إلى عصر الغيبة الكبرى لولي العصر الحجة بن الحسن المهدى المنتظر عجل الله تعالى فرجه الشريف فانتقلت الولاية إلى الفقيه الجامع للشرائط لا للعالم فحسب بل لمن كان صائناً لنفسه حافظاً على دينه مخالفاً لهواه مطيعا لأمر مولاه.. فاليوم ليس هو يوم 18 ذي حجة فحسب بل هو كل يوم يعيش فيه الإنسان تحت ظل الولاية.(.اليوم يئس الذين كفروا من دينكم فلاتخشوهم واخشون اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الاسلام..)
عليٌ عليه السلام كفؤٌ للزهراء سلام الله عليها
   فكما أن الكوثر (و هى الزهراء) كانت سبباً لإستمرار النبوة و عند ولادة الزهراء قال تعالى " إن شانئك هو الأبتر ".
  فكذلك عند تتويج علي عليه السلام الخلافةَ  يوم الغدير يأس العدوّ " اليوم يأس الذين كفروا عن دينكم " فاستمرت الرسالة المحمدية.
هذا و نختم الحديث بذكر أروع قصيدة ذكرت في شأن الغدير وهي قصيدة السيد الحميرى (ره)
 لام عمرو باللوى مربع * طامسة أعلامها بلقع  -  تروع عنها الطير وحشية * والوحش من خيفته تفزع - رقش يخاف الموت من نقشها * والسم في أنيابها منقع - برسم دار ما بها مونس * إلاصلال في الثرى وقع - لما وقفت العيس في رسمها * والعين من عرفانه تدمع- ذكرت من قد كنت ألهو به * فبت والقلب شج موجع- كأن بالنار لما شفني * من حب أروى كبدي لدع - عجبت من قوم أتوا أحمدا * بخطة ليس لها موضع - قالوا له : لو شئت أعلمتنا * إلى من الغاية والمفزع - إذا توفيت وفارقتنا * وفيهم في الملك من يطمع - فقال : لو أعلمتكم مفزعا * كنتم عسيتم فيه أن تصنعوا - صنيع أهل العجل إذا فارقوا * هارون فالترك له أوسع - وفي الذي قال بيان لمن * كان إذا يعقل أو يسمع - ثم أتته بعد ذا عزمة * من ربه ليس لها مدفع - بلغ وإلا لم تكن مبلغا * والله منهم عاصم يمنع - فعندها قام النبي الذي* كان بما يأمر به يصدع - يخطب مأمورا وفي كفه * كف علي ظاهر تلمع - رافعها أكرم بكف الذي * يرفع والكف الذي ترفع - يقول والأملاك من حوله * والله فيهم شاهد يسمع -من كنت مولاه فهذا له * مولى فلم يرضوا ولم يقنع- فاتهموه وحنت فيهم * على خلاف الصادق الأضلع - وضل قوم غاضهم فعله * كأنما آنافهم تجدع -حتى إذا واروه في لحده * وانصرفوا عن دفنه ضيعوا - ما قال بالأمس وأوصي به * واشتروا الضر بما ينفع-فالناس يوم البعث راياتهم * خمس فمنها هالك أربع - قائدها العجل وفرعونهم * وسامري الامة المفظع- ومارق من دينه مخرج * أسود عبد لكع أوكع - وراية قائدها وجهه * كأنه الشمس إذا تطلع.
[الحمد لله الذي جعل كمال دينه و تمام نعمته بولاية أمير المؤمنين على بن أبي طالب عليه السلام]
            إنتهيت من كتابة هذا البحث في اليوم الإثنين الثامن عشر من ذي الحجة 1416


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


ابراهيم الأنصاري
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2018/08/30



كتابة تعليق لموضوع : إكمال الدين وإتمام النعمة
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net